لماذا هذا التودّد الجزائري… الآن؟!
“الجزائر هي الأكثر ميلا للإسراع بإيجاد حل مع المغرب”،
لو لم تُسمع هذه الجملة من فم المسؤول الأوّل عن الدبلوماسية الجزائرية وبالصّورة كمان.. وعلى منصّة أثير التابعة لقناة الجزيرة القطرية لما صدّقها أكبر الحمّاق.. فكيف بالحالمين وكبار المتفائلين.. لذلك اعتبرها البعض من أكبر مفاجئات سنة 2023.. ليتساءل الآخرون عن الصّحة العقلية للسيد الوزير عطاف خاصّة استعماله لفظة ( الأكثر) مستحضرين ما يتناقض وبشكل فاضح هذه الخرجة الإعلامية الأثيرة – الهوائية منها ماتركه السيد لعمامرة داخل دواليب وزارة الخارجية الجزائرية من وعد قطعي ونهائي قبل أكثر من عام مطفئاً بذلك أي بصيص من الأمل في تحقيق هذه الأكثرية من التودّد حين قال :
“إن قطع تلك العلاقات «لا يحتمل وساطات لا بالأمس ولا اليوم ولا غدا»؟
ثم ألم يصرح الرئيس الجزائري بدوره في مارس الماضي وفي مقابلة مع قناة «الجزيرة» بأن الأمور بين البلدين «وصلت إلى نقطة اللاعودة؟»
هي أسئلة المهتمّين بالشأن المغاربي والإقليمي وهم يبحثون عن الدوافع الأساسية التي دفعت بالجزائر العسكرية إلى هذا التغيير الجدري في الموقف.. ولماذا الآن.. هذا التودّد للمغرب والمغاربة مباشرة قبيل نهاية أشغال اجتماع شبه دولي حول القضايا الأمنية بقطر..
هي أسئلة وملاحظات مشروعة للرأي العام القاري والدولي وسط هذه المفارقات التي تخترق جسم الدولة الجزائرية خاصة في هذه العهدة التبّونية..
لكن بالنسبة إلينا كمغاربة لا نعتقد بأن لدينا مشكلاً مع النظام الجزائري حتّى قبل أن يميل قلب عطاف إلى حلّه وبسرعة.. بدليل أن قيادتنا في شخص عاهل البلاد ولأكثر من خمس مرّات يكرر شعار اليد الممدودة إلى الجزائر والجزائريين.. َالى جانب تأكيده مؤخّراً على الوضعية المستقرّة مع الجارة شرقاً.. وبشكل ضمنيّ هو أن لا مشكلة لنا معكم يا السيد عطّاف..
بالعكس أرى أن إسم المغرب هو مشكلة جزائرية بامتياز وأن ّوصيّة وضع الحجرة في رِجْل المغرب بدأت تؤلمكم.. وتبعثر خطاكم حدّ أنّك ذكرتم المغرب لأكثر من 37 مرة خلال 45 دقيقة سقف ذاك الأثير..
وأنت شاهد حقيقي عن هذا المسار الذي بدأ 1975 بداية التحاقكم للعمل الدبلوماسي.. وأحد الأبناء البررة للمقبور هواري بومدين.. شاهد عن التهجير القسري للمغاربة ليلة عيد الأضحى ومعاصر لهزيمتي أمغالا وبئرإنزران… وصاحب قرار إغلاق الحدود..
وبعد عودتك إلى الخدمة تكون تجاعيد وجهك سطور تؤرخ لهذه السلسلة من الهزائم لمشروعكم الانفصالي.. وتحاول أن تظهر كذاك الذئب الذي أراد أن يدخل في جملة مفيدة عبر عرض المساعدات لحظة زلزال مراكش.. وبالمناسبة لقد أجاب إليك السيد ناصر بوريطة عبر مراسلة قنصلية الجزائر بالبيضاء مخبرا إياها بعدم الحاجة إلى مساعدتكم.. وهو درس دبلوماسي بليغ أيها الشيخ عطاف..
نعم ياعطّاف.. هذا التودّد ليس بريئاً.. لأنّه صادر عن نفسية منهزم معزول ظلّ يهاجمنا ومازال طيلة ربع قرن وأكثر..
منهزم شرّ هزيمة أمام بلدنا الحبيب الذي يلعب بأناقة دبلوماسية على المستوى الدولي وبتراكم نوعيّ خلال هذه السنة لصحرائنا الحبيبة بتصويت مجلس الأمن على خيار الحكم الذاتي كحل واحد ووحيد.. حد الأوحد.
َالى جانب هذا التقارب المغربي الإسباني المتميز خاصة بعد إعلان التنظيم المشترك لكأس العالم 2030 ومابعده من تلاقح ثقافي وإنساني حضاري
هزيمة مدوية ياعطّاف أمام أناقة دبلوماسية ضابطة بشكل مبدع ومذهل للتوازن وسط هذه التجاذبات والإصطفافات.. فلم تقطع شعرة معاوية مع روسيا رغم الحرب الأوكرانية مع ترسيخ موقعه الإفريقي عبر خلق تكتل غربي مع الساحل الأطلسيّ لتعزيز الريادة الأطلسية للمملكة
أناقة دبلوماسية نجحت -و بهدوء – في سحب البساط من تحت أقدام دولتك ونظام العسكراتي واستطاعت اكتساح مواقع استراتيجية مهمة قد تعجل بقلب خريطة التوازنات الإقليمية رأسا على عقب.. بدأت برادرها بمراكش بحر الاسبوع الماضي..بعد أقل من شهر من إطلاق المبادرة الملكية
هي جزائرك الآن ياعطّاف جعلتني حائراً لا أعرف ما إذا كان يمكن للحياء أن يعني شيئا في بلد مزيف.
ولكن عندما تتساقط الأقنعة، وتجد نفسك في الفراغ التام، كما في جل خرجات نظامك فلا بد أن دبلوماسيتكم ستكون كمن يسبح في فضاء لا تشده جاذبية.
هي الجزائر ما زالت تروي من الحماقة ما لم يروه أحد
يوسف غريب كاتب /صحافي
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News