الجهة اليومالرأي

للتأمل: مفهوم قيم “الفردانية” وقيم”التضامن”..

  • بقلم عبد الله أحجام* //

غالبا ما ننعث قيم الليبرالية المتوحشة وعولمة الإقتصاد التي نعيشها اليوم نتيجة استحواذ المؤسسات المالية الدولية على سلطة القرار ببلداننا واصبح الرأسمال الدولي هو الذي يتحكم في اقتصادياتنا ويملي علينا اختياراته الإقتصادية وتوجهاته السياسية، وبالتالي يكون الهدف الوحيد للمؤسسات الدولية المانحة هو الربح السريع دون الأخذ بعين الاعتبار للوضعية الاجتماعية للإجراء وللساكنة.

هذا النمط الاقتصادي يجعلنا نرسخ قيم “الفردانية” نظرا لكون الفرد لا يرى سوى مصلحته الشخصية ( كما يقال: رأسي يا رأسي)، ولا أحد يعير أي اهتمام لغيره مهما كان قريباً ولا لمحيطه الاجتماعي…

هنا نريد أن نتسائل عن دور “الفرد” وسط “جماعة” : هل ذلك يعني أن “الفردانية” هي طمس هوية الفرد وتذويبها داخل “جماعة” وبالتالي تكون “جماعة” كقطيع في حاجة إلى من يقودها؟ ويبقى القائد هو الوحيد الذي يقود القطيع؟ أم أننا في حاجة إلى “فرد” مستقل بذاته وبآرائه وقراراته ومبادر ليؤثر ويتأثر بالاخرين داخل “جماعة”؟ وبالتالي تتكون “جماعة” من افراد مستقلين بذواتهم ويدافعون عن ارائهم ويعتمدون أسلوب الحوار من أجل بناء قرارات “جماعة”، الشيء الذي يمكن من تطوير ذاتها (جماعة) بفعل مشاركة الأفراد ومنافستهم في ابداع حلول ممكنة لمشاكل “جماعة”…

كثيراً ما نتحدث عن قيم “الفردانية” التي تميز النظام الراسمالي المتوحش وتقابله قيم “التضامن” في نظام الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.. ألا يمكن ان ننمي قيم الفردانية داخل “جماعة” لكي يكون “الفرد” شخصا مستقلا بذاته وواعيا بمصالحه الشخصية، والتي سيدافع عنها كل فرد من أفراد “جماعة” وبالتالي ستشكل “المصلحة العامة” لأغلبية الأفراد (بحيث ان المصلحة العامة هي استجابة لمصالح شخصية للاغلبية)، من دون الاضرار بمصالح الأقلية، وبالتالي يتعين على “جماعة” ان تراعي حقوق الأقلية وتراعي مصالحها ولو بشكل نسبي…

اليوم نعيش تحولات اقتصادية متسارعة وتحولات مفاهيمية دينامية تجاري التحولات التي تفرضها علينا اكراهات العولمة…

وفي نفس الوقت نعيش طوباوية تراثنا الثقافي (خصوصاً بمنطقة سوس وتمازغا) الذي عشنا فيه مجموعة من الآليات التدبيرية للمجال في الممارسات الفلاحية التي كانت النشاط الاقتصادي الوحيد الممارس آنذاك.

لقد كانت ممارسات جماعية من أجل تنمية اقتصاديات القرون الماضية ( المرابطين ، الموحدين ، السعديين ،…) والذين كانوا قادرين على تطويع المجال ببناء المدرجات وإقامة اقتصاد فلاحي قوي أدى إلى تأسيس تكتلات حكمت المغرب في فترات تاريخية…

ممارسات إجتماعية فرضتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية آنذاك لتكون “جماعة” مفروضة على الأفراد ، بحيث ان الفرد لا يمكن له الاستقلال عن جيرانه وعن عشيرته.

فكل الممارسات الفلاحية تتطلب مشاركة “جماعة” مثل: تاوالا ، ادوال، تيويزي، تايسا، روا، أكدال ، اكودار ،…. كل الأعمال الفلاحية تتم بشكل جماعي ولا يمكن لاي فرد ان يعيش بمفرده منعزلا عن “جماعة”، حتى ان ممارسة “تافغورت” والتي هي عبارة عن إرجاع فرد الى المجموعة في حالة ارتكابه لمخالفة تستوجب العقاب (كونه مثلا خرق فترة اكدال، او لم يحترم نوبته في أدوال أو تايسا ، او تأخر عن تيويزي ،… فإن عقوبته تكون بالحكم عليه بذبيحة لتغدية عشيرته/ قبيلته/ جماعته في حفل يرحب فيه بجماعته في حفل عشاء تتبعه رقصات وغناء تعبيرا عن إرجاعه للمجموعة (عكس ما يتم حاليا في معاقبة كل من خالف قوانين الغابة بتغريمه بغرامات مالية وحبسية)….

ألا يمكن اليوم ( في سنة 2024)، في إطار الجهوية الموسعة، وفي إطار النموذج التنموي الجديد، من اخذ العبر من ماضينا الغني بالقيم الثقافية والاجتماعية (أقصد مجال محمية المحيط الحيوي لأركان بمنطقة سوس) واستخلاص نموذج لتنمية مجالنا الطبيعي اعتمادا على مؤسساتنا العلمية والجامعية لبلورة نموذج يتجاوب مع قيمنا الثقافية والاجتماعية وقيم الرأسمالية العالمية التي داهمتنا بغتة وفي غفلة منا.

ألم نكن الآن في حاجة إلى بناء مشروع ثقافي يستخلص الدروس من قيمنا التي سادت لقرون لكي تتجاوب مع  قيم “الفردانية” التي تفرضها علينا العولمة ونحن غير “ممنعين” وغير مهيئين لا لتطبيق النموذج الغربي ولا لتطبيق نموذجنا التراثي ؟؟!!! لاننا أصلا لم نهيء “الفرد” و لا “جماعة” بشكل ممنهج… خصوصاً أن مسألة الجهوية اصبحت ذات أولوية قصوى…

تركيزي على دور القيم الاجتماعية التضامنية ودور الثقافة المحلية في المحافظة على التنوع البيولوجي بمجال محمية المحيط الحيوي لأركان نابع بكون المنتظم الدولي ارتكز على الارتباط الوثيق بين التنوع البيولوجي والتنوع الثقافي…

كلما كان هناك فقدان للممارسات الثقافية لتدبير المجال كلما كان فقدان التنوع البيولوجي كبيرا… فقط بجهة سوس ماسة اصبح عدد الانواع الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض يفوق 135 نوع وذلك ناتج عن الهجرة القروية والاستغناء عن الممارسات الفلاحية التقليدية للفلاحة العائلية والمعاشية…

التوجهات السياسية للفلاحة بجهة سوس ماسة لم تولي اهتماما كبيرا للفلاحة المعاشية والعائلية… حتى وان هناك حيزا لهذا النوع من الفلاحة لم يستجب لما هو مطلوب في الميدان ، بل وفق شروط تفرضها وزارة الفلاحة والتي لا يمكن للفلاح الصغير ان يستفيد من الفرص المتاحة….

لان الامر ببساطة ناتج عن سياسات فوقية يتم تنزيلها ترابيا وفق متطلبات المركز وليس وفق متطلبات المجال الترابي… وهذا مشكل اخر يتعلق بمرونة التنزيل الترابي للسياسات القطاعية، والتي يفترض فيها ترك هامش التصرف للمسؤولين الترابيين، وذلك وفق مقاربة شمولية مندمجة.

وأكبر مثال على تضارب السياسات القطاعية الحكومية على نفس المجال الترابي ، هو ما وقع بجهة سوس ماسة: منذ بداية 2000 ووكالة الحوض المائي لسوس ماسة تدق ناقوس الخطر بوصولنا تحت عتبة الخط الاحمر بخصوص الفرشة المائية، وفي نفس الوقت تقوم مصالح قطاع الفلاحة بمواصلة استنزاف الفرشة المائية لمواصلة تنزيل برنامج المغرب الاخضر ، عكس ما ينذر به القطاع الحكومي المسؤول عن الماء…

أليس هذا نموذجا صارخا لغياب الحكامة المجالية ؟ وغياب إلتقائية السياسات القطاعية على نفس المجال الترابي ؟؟

*عبد الله أحجام منسق شبكة جمعيات محمية المحيط الحيوي لأركان بتيزنيت. وعضو الائتلاف المغربي من أجل المناخ والتنمية المستدامة.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى