كيف دخل الإسلام إلى بلاد الأمازيغ؟
- بقلم مول٠اي عبد السلام الصرصاري
ما يقرب من 99 بالمائة من المغاربة مسلمون سنيون ، وعلى المذهب المالكي ، فكيف وصل الإسلام إلى بلاد الأمازيغ ؟هل هو ما تعلمناه في مدارسنا على يد عقبة بن نافع ؟ أم أن حلول الإسلام بالمغرب كان قبل عقبة ،وعلى أيدي أمازيغ أنفسهم ؟
كان اتصال الأمازيغ برسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية الدعوة الإسلامية،حيث توجه وفد من الركراكيين ( سكان الشياظمة )إلى ملاقاة رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتناق الدين الجديد الذي بشر به نبي الله عيسى عليه السلام وبحامل رسالته محمد عليه أفضل الصلوات والسلام ،منهم :
أمج،علقمة،اردن،أرتن، واسمين،هذا الأخير حمله رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة الإسلام،وامره بنشرها…
وقد تبث أن قبيلة ركراكة كانت قبل الإسلام مسيحية . وكانت لها صلة بكنائس القدس . التي كانت تبعث مبشريها وقساوستها إلى المغرب بطلب من القبيلة نفسها،ما يعني أن لغة الحوار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والوفد الأمازيغي يمكن أن يكون باللغة الأمازيغية،فقد كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الضب والجمل والشجرة والجن، ويمكن ان تكون باللغة العربية،لصلة هؤلاء الرجال بالقدس
ومن الآثار على استقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم للوفد الأمازيغي ، كثرة الأحاديث التي تتحدث عن البربر و99 بالمائة منها موضوع و مزور، لن نناقش صحتها من عدمها الآن ، لكنها دليل على وصول الأمازيغ إلى صاحب الرسالة الكريم ومبايعته، وسيكون لنا حديث عنها مستقبلا:
الحديث في صحيح مسلم :
سألت نافع بن عتبة بن ابي وقاص ،قلت : حدثني هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الدجال ؟ قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ناس من المغرب أتوه ليسلموا عليه ،وعليهم الصوف …….الخ
وفي الدرر السنية ،قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم قوم من قبل المغرب،عليهم ثياب من الصوف، فوافقوه عند أكمة…
وذكر الخفاجي في نسيم الرياض والكتاني في سلوة الأنفاس جزء 3، صحيفة 367 و محمد المختار السوسي في “المعسول في الإلغيين”، قصة الرجراجيين/ الركراكين السبعة واتصالهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وتحاوره معهم باللغة البربرية ، وأمره إياهم بالعودة إلى بلاد المغرب الأقصى لنشر الدعوة الإسلامي .
ومن ما يؤكد الحدث، ويظهر مكانة الأمازيغ و فضائلهم ما بلغ عن أمنا عائشة رضي الله عنها , أنه دخل عليها ذات مرة رجل من البربر وهي جالسة ومعها نفر من المهاجرين والأنصار , فقامت عائشة عن وسادتها فطرحتها للبربري دونهم , فانسل القوم واجلين بذلك فلما قضى البربري حاجته وخرج أرسلت إليهم عائشة، حتى اجتمعوا إليها , وقالت لهم :ما الذي أوجب خروجكم علي تلك الحال ؟ قالوا لا يثارك علينا و على نفسك رجلا كنا نزدريه , وننتقص قومه , فقالت إنما فعلت ذلك لما قال فيهم رسول الله صلي الله عليه وسلم , قالت أتعرفون فلانا البربري ؟ قالو نعم،
قالت كنت أنا و رسول الله صلى الله عليه وسلم , ذات مرة جالسين , إذ دخل علينا ذلك البربري , مصفر الوجه غائر العينين , فنظر إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم , فقال ما دهاك ؟ أمرض؟ فارقتني بالأمس ظاهر الدم , فجئتني الساعة كأنما انتشلت من قبر , فقال، يا رسول الله صلي الله عليه وسلم , بت في هم شديد، فقال ما همك ؟ قال : تردد بصرك في الأمس خفت أن يكون نزل في القران , فقال : لا يحزنك ذلك, فإنما ترديدي البصر فيك لأن جبريل عليه السلام جاءني , فقال : أوصيك بتقوى الله والبربر قلت : و أي بربر ؟ فقال : قوم هذا , و أشار إليك , فنظرت إليك , فقلت لجبريل
ما شأنهم ؟
قال : قوم يحيون دين الله بعد أن يموت و يجددونه بعد أن يبلى ، ثم قال جبريل :
يا محمد دين الله خلق من خلق الله نشأ بالحجاز و أهله بالمدينة , خلقه ضعيفا ثم ينميه و ينشئه , حتى يعلو ويعظم , ويثمر كما تثمر الشجرة , ثم يقع و أنما يقع رأسه بالمغرب , والشيء إذا وقع لم يرفع من وسطه , ولا من أسفله , إنما يرفع من عند رأسه في أرجائه
وعن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه انه قدم عليه وفد من البربر , أرسلهم إليه عمرو بن الطايع وهم محلقو الرؤوس و اللحى , فقال لهم عمر من أنتم ؟ قالوا من البربر من لواتة ؟ فنظر إليهم رضي الله عنه فاستحضر ترجمانا يترجم كلامهم , فقال لهم مالكم محلقو الرؤوس و اللحى؟ فقالوا شعر نبث في الكفر , فأحببنا أن نبدله بشعر ينبث في الإسلام، فقال هل لكم مدائن تسكنونها فقالوا : لا , قال : فهل لكم حصون تتحصنون فيها ؟ فقالوا كذلك لا , فقال : هل لكم أسواق تتبايعون فيها ؟ فقالوا : لا , قال : فبكي عمر ابن الخطاب رضي الله عنه , فقال له جلساؤه وما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟ قال عمر أبكاني حديث سمعته من رسول الله صلي الله عليه وسلم , يوم حنين , حين انهزم المسلمون فنظر إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم , أبكي فقال ما يبكيك يا عمر ؟ فقلت أبكاني قلة هذه العصابة من المسلمين , و اجتماع أمم الكفر عليها
فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم
لا تبك يا عمر , فإن الله عز و جل سيفتح للإسلام بابا من المغرب بقوم يعز بهم الإسلام ويذل بهم الكفر , أهل خشية وبصائر يموتون علي ما أبصروا , وليست لهم مدائن يسكنون فيها ولا حصون يتحصنون فيها , ولا أسواق يتبايعون فيها فلذلك بكيت الساعة , حين ذكرت رسول الله صلي الله عليه وسلم , وما ذكر من الفضل عليهم فردهم إلي عمرو ابن الطايع وأمره أن يجعلهم في مقدمات العسكر , و أحسن إليهم عمر ابن الخطاب رضي الله عنه و أكرمهم , و أمر عمرو بن الطايع أن يحسن إليهم .
قال البكري :
يا أهل مكة و يا أهل المدينة أوصيكم بتقوى الله وبالبربر فإنهم سيأتونكم بدين الله من المغرب , وهم الذين يستبدل الله بكم إذ يقول : (( وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ )) و الذي نفس بيده، وبلغ عن أمنا عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهم و أرضاهم أنها أبصرت صبيا ذا جمال وهيبة فقالت من هذا الصبي السعيد ؟ قالوا من البربر , قالت عائشة البربر يقرون الضيف و يلجمون الطغاة لجام الخيل . مسعود بيده لو أدركتهم لكنت لهم أطوع من إمائهم , و أقرب إليهم من دثارهم .
قيل إن فاطمة بنت نبي الله (ص), أمرت جارية لها أن تتصدق بصدقة فقالت لها:” إذا قبلت الصدقة منك فإسألي الذي يأخذها منك, من هو وفي أي بلد مسكنه؟” قال: فخرجت الجارية بالصدقة, فقالت:” من يقبل صدقة آل رسول الله”, فقام رجل, فقال لها:” أنا موضع صدقة آل رسول الله”, فقالت له:” من أين أنت؟ و في أي بلد مسكنك؟”, قال لها:” أنا من ولد بربر”, فأعطته الصدقة, ورجعت مسرعة الى فاطمة, فأخبرتها, فقالت أخذ صدقة آل رسول الله, رجل من البربر”, فقالت لها:” علي بالرجل”, فلحقته الجارية…, وقالت له:” أيها الرجل إن فاطمة بنت رسول الله تسأل عنك”, قال:” فرجع البربري خائفا …, فلما وقف على الباب, كشفت القناع عن وجهها و هي باكية, و تقول: إني سمعت رسول الله يقول:” يا فاطمة, سيقتل الحسن و الحسين و يقتلونهم و يجلون أولادهم العرب, و يؤويهم البربر, فيا شر من فعل بهم ذلك, و طوبى لقوم يؤونهم و يحبونهم”, وقد جعل الله في قلوب البربر الرأفة والرحمة لذرية الرسول (ص) ولعامة المسلمين, وهم يكونون القائمين بهذا الدين على يقين و منهاج واضح, قال ذلك الصادق المأمون, وأمر بتقدمهم بأمر الله”.
وتعتبر ركراكة أول قبيلة أمازيغية دخلت الإسلام
والذين يعتبرون غزوة عقبة بن نافع هي بداية دخول الإسلام إلى تمازغا واهمون ، قد تكون دعمت الإسلام المتواجد ، وقد تكون سببا في ردة عدد كبير من المسلمين ، سبيت بناتهم وغلمانهم.
أقول غزوة،لأن ما قام به عقبة وحسان بن النعمان وموسى بن النصير وغيرهم لم يكن فتحا،لأن الفتح هو إبلاغ رسالة الإسلام السمحة التي تدعو إلى الأخوة والمساواة والعدل ومكارم الأخلاق.
أما سبي النساء والغلمان وخيرات البلاد وحملها إلى قصور الجور والفجور في دمشق،فهو غزو …
وشتان ما بين الفتح والغزو
وهو ما يفسر رد إكسيلا وتيهيا الرافض للغزو،وقد ووجه ولاة دمشق بعنف شديد،حتى أن أخ الحجاج بن يوسف الذي كان واليا ذبحوه من قفاه ،وقد عبر وفد أمازيغي يترأسه ميسرة المدغري او المطغري عن موقف الأمازيغ الواضح في رسالتهم إلى الخليفة.
فقد توجهوا إلى دمشق لرفع شكواهم إلى الخليفة،وبقوا هناك في دمشق أياما وأسابيع،ينتظرون الإذن لهم بالمثول أمام الخليفة،ولما يئسوا قدموا رسالة إلى الحاجب،وعادوا أدراجهم إلى تمازغا ، وقاموا بثورة عارمة ضد الوالي وحاشيته ، وضد الغزوي العربي ……
وصل الخبر إلى الخليفة،فسأل عن الوفد الذي كان ينتظر الدخول إليه،فأخبروه بعودتهم إلى بلادهم،لكنهم تركوا رسالة، جاء فيها :
إن واليكم يمارس التمييز بين العرب القادمين،وبين السكان الأصليين.
في الغزو يقدمنا ويؤخر العرب،ورضينا لخروجنا لإحدى الحسنيين:إما النصر وإما الشهادة، وإذا وزع الغنائم أعطى العرب وحرمنا،فقلنا لابأس فهم الغرباء،ونحن أصحاب الأرض، لكن ما لانقبله، ونرفضه بكل قوة هو سبي بناتنا وأبنائنا،فهذا لايقبله الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقام هشام بن عبد الملك بإرسال كلثوم بن عياض في اثني عشرة ألفاً من جنود الشام وولاه على إفريقية . وزحف كلثوم إلى الأمازيع سنة 123 هـ حتى انتهت مقدمته إلى وادي سبو من أعمال طنجة فلقيه المجاهدون الأمازيغ هنالك بقيادة ميسرة المطغري وقد فحصوا عن أوساط رؤوسهم ونادوا بشعار وكان ذكاؤهم في لقائهم إياه أن ملؤوا الشنان بالحجارة وربطوها بأذناب الخيل تنادي بها فتقعقع الحجارة في شنانها ومرت بمصاف العساكر من العرب فنفرت خيولهم واختل مصافهم وانجرت عليهم الهزيمة فافترقوا وذهب بلج مع الطلائع من أهل الشام إلى سبتة… ورجع إلى القيروان أهل مصر وأفريقية وظهرت الخوارج في كل جهة واقتطع المغرب عن طاعة الخلفاء .(.ابن خلدون ).
خلاصة :
نستخلص فيما تقدم :
- إن الإسلام وصل إلى المغرب قبل الغزو العربي بسنوات وأجيال
- أن من أوصل الإسلام إلى تمازغا ، ليس العرب ، وإنما رجال تمازغا
- لا تهمنا صحة الأحاديث أو عدمها ، بقدر ما يهمنا تأكيدها على اتصال مادي للأمازيغ برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وأهله والصحابة والخلفاء.
- خطاب طارق بن زياد باللغة العربية ، وقبلا إسلامه، دليل على وجود الإسلام بالمغرب قبل الغزو، وبتعلم اللغة العربية ، لا حبا في العرب ، وإنما لفهم الرسالة المحمدية قرآنا وسنة ، لأن ما قيل عنه غير منطقي ،إذ يقول المؤرخون العرب:
هُو طارق بن زياد، أسلم على يد موسى بن نصير وحسن إسلامه، فتعلم بعد حفظ كتاب الله علوم القرآن والفقه في الدين، وكان فارسًا مغوارًا، وقائدًا محنكًا ( على غرار تعلم كذا في خمسة أيام ).
- تعرض الأمازيغ لحرب قذرة من الحكام الأمويين ،برهان واضح على مكانة المسلمين الأمازيغ في التاريخ الإسلامي ، وسأعود إن شاء الله إلى موضوع هذه الحرب الظالمة في مقال خاص.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News