الثقافة

أكادير: تنظيم ملتقى علمي حول “إشكاليات بناء أطروحة الدكتوراه في العلوم الانسانيةوالاجتماعية”..

احتضنت كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بأكادير، يوم الأربعاء 23 أبريل 2025، فعاليات النسخة الثالثة من اللقاءات العلمية البينية لطلبة الدكتوراه، المنظم حول موضوع إشكالي بالغ الأهمية من ” المفهومي إلى الإجرائي في إنتاج أطروحة الدكتوراه في العلوم الإنسانية والاجتماعية؟”، وذلك بمبادرة من مختبر التخصصات البينية في العلوم الاجتماعية، وبمشاركة باحثين وطلبة دكتوراه من جامعات مغربية متعددة.

أكادير: تنظيم ملتقى علمي حول "إشكاليات بناء أطروحة الدكتوراه في العلوم الانسانيةوالاجتماعية".. - AgadirToday

وقد شكّل هذا اللقاء العلمي فرصة لنقاش معمق حول الإشكاليات النظرية والمنهجية والإبستمولوجية التي يواجهها الباحثون في العلوم الاجتماعية والإنسانية أثناء بناء أطروحاتهم الجامعية، لا سيما تلك المتعلقة بالمسافة التي تفصل، أو تربط، التمفصل بين التصورات المفاهيمية والممارسات الميدانية. ذلك أن أطروحة الدكتوراه لا تعد مجرد بناء تقني، بقدر ما هي مشروع معرفي متكامل، تتداخل فيه مستويات التفكير النظري، والإعداد المنهجي، والتعامل مع الواقع المعقّد.

في هذا السياق، تم افتتاح الجلسات العلمية بمداخلتين تأسيسيتين شكّلتا مدخلًا فكريًا لإطار النقاش العام. تناولت المداخلة الأولى العلاقة الإشكالية بين التجريد المفاهيمي والملاحظة الإمبريقية، في ضوء التحولات التي يعرفها الحقل المعرفي في زمن تدبير المعرفة، مسلطة الضوء على المخاطر المعرفية المرتبطة بتشظي الرؤية البحثية في غياب بنية مفهومية مؤطرة ومنسجمة.

أكادير: تنظيم ملتقى علمي حول "إشكاليات بناء أطروحة الدكتوراه في العلوم الانسانيةوالاجتماعية".. - AgadirToday

أما المداخلة الثانية، فقد انطلقت من مفارقة التوتر بين الذات الباحثة والميدان، مستعرضة جدلية الصراع بين البنية النظرية والواقع الاجتماعي، ومرتكزة على نماذج من التجربة الأنثروبولوجية والسوسيولوجية العربية في التفاعل مع المفهوم والواقع، بما يبرز عمق الإشكال المركب المرتبط بترجمة المفهوم إلى أداة تحليلية دون تشويه أو اختزال.

انطلاقًا من هذا التصور، جاءت مداخلات الملتقى محمّلة بتجارب بحثية حيّة، عكست تقاطعات متعددة بين النظرية والتطبيق، وبين التأصيل الفلسفي والاشتغال السوسيولوجي والأنثروبولوجي واللغوي واللساني، كما فتحت المجال أمام عرض قراءات نقدية لمفهوم المفهمة في العلوم الاجتماعية، وحدود توطينه في السياقات المحلية. وقد أتاحت الجلسات العلمية الثلاث، التي امتدّت طيلة اليوم، فرصة ثمينة لعدد من الباحثين والباحثات لمقاربة تجاربهم الذاتية في تدبير العلاقة بين الجهاز النظري والممارسة الميدانية، وما يرافق ذلك من تعقيدات منهجية، قلق فكري، وتحديات في تكييف المفاهيم، أو حتى في مساءلتها وإعادة بنائها.

إن التيمة المركزية للملتقى قد مكّنت من فتح نقاش حول طبيعة العلاقة الجدلية التي تربط بين ما يُبنى على مستوى التجريد، وما يُنجز على صعيد البحث الواقعي. ذلك أن المفاهيم لا تُطرح كأدوات تحليلية جاهزة، بل تُكتسب قيمتها من خلال قدرتها على إنتاج المعنى داخل سياق إجرائي دينامي متفاعل مع الواقع. كما أن الميدان لا ينبغي اختزاله في كونه مجرد مصدر للمعطيات، بل يُعد فضاءً معقّدًا يعيد تشكيل الإشكالية ذاتها، ويضع الباحث أمام ضرورة تجاوز المقولات الكلاسيكية والانفتاح على مساءلات جديدة تتطلب مرونة فكرية وإبستمولوجية ومنهجية.
ومن جهة أخرى، أبرز اللقاء الحاجة الملحّة إلى الانخراط في أفق بيني، يجعل من بين-التخصصات مدخلًا لتوسيع أفق التحليل، وتعميق القدرة على فهم الظواهر الاجتماعية المعقدة. وهو ما يُعتبر امتدادًا مباشرًا لرهان هذا الملتقى على تجاوز النماذج التقليدية لإنجاز الأطروحات، وفتح المجال أمام أطروحات تحمل في بنيتها الداخلية انسجامًا معرفيًا يربط المفهوم بالإجراء، والإشكالية بالميدان، والنظرية بالبناء، والباحث بالواقع.

في ختام اللقاء، تم التنويه بالدور الريادي الذي يضطلع به مختبر التخصصات البينية في العلوم الاجتماعية، بوصفه أول مختبر من نوعه يُؤسَّس في المغرب منذ سنة 2018، ويُعنى بتجسير العلاقة بين حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية، وتفعيل المقاربة البينية في صيغها النظرية والإجرائية. وقد حرص هذا المختبر، منذ تأسيسه، على بلورة رؤى معرفية تقوم على الانفتاح، والتفكيك، وإعادة التركيب، من خلال مواكبة الباحثين، وتنظيم اللقاءات العلمية النوعية، والدفع نحو تكريس تقليد أكاديمي رصين يُعيد للبحث العلمي في العلوم الاجتماعية والإنسانية عمقه، ونفَسه النقدي، ووظيفته المجتمعية.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى