
كرونيك سياسي، على هامش الحوار الحقوقي بين عصيد والحلو .. الحركة الأمازيغية ومعارك الهوامش: من الاستنزاف إلى الاستراتيجية
- الحسين بوزيت* //
من يتابع مسار الحركة الأمازيغية في المغرب، منذ بروزها في أواسط القرن الماضي، يلحظ أنها كثيرًا ما وجدت نفسها في موقع الدفاع، تُسائل وتُستفز وتُتهم، وتردّ. وفي خضم هذا التفاعل المستمر، استُنزفت الكثير من الطاقات في معارك جانبية، خاصة تلك التي تدور مع تيارات الإسلام السياسي والقومية العروبية. معارك كلامية لا تتغيّر فيها المواقف، ولا تُكسب فيها الأرض، ولا تُثمر جديدًا، بل تُعيد إنتاج نفس الانقسام وتُشغل الحركة عن جوهر قضيتها.
إننا اليوم في حاجة إلى وقفة نقد ذاتي. فالمواجهة المفتوحة مع الإسلاميين والقوميين، وإن كانت مفهومة في سياقات معينة، إلا أنها تحوّلت إلى فخ ذكي. فخّ يُلهي الفاعلين الأمازيغ عن التموقع في فضاءات التأثير الحقيقي: المدرسة، الجامعة، الإعلام، التشريع، الاقتصاد، والمجتمع. كيف نفسّر أن أكبر الصراعات التي تخوضها بعض التنظيمات الأمازيغية اليوم تدور حول “فتوى” أو “تدوينة” أو “شبهة” لها علاقة بالإسلام أو العرب أو الصهيونية، بينما الأرض تُنتزع، واللغة تُهمّش، والموارد تُنهب؟
دعونا نطرح سؤالًا مباشرًا: ماذا تغير في موقف الفيزازي أو الكتاني أو بن كيران وعبد الصمد بلكبير، من القضية الأمازيغية؟ لا شيء. مواقفهم ثابتة، متكلسة، ترفض الاجتهاد، وترى في الأمازيغية مجرد لهجة أو تهديد. فما الجدوى من هذه الحوارات العقيمة، التي تستنزف الجهد دون أي مكسب؟ ما الذي يجعلنا نرد على كل استفزاز، ونترك الملفات الكبرى: القانون التنظيمي، الحضور في الإعلام العمومي، المناهج الدراسية، والعدالة المجالية؟
وفي المقابل، حين اشتغل بعض الباحثين الأمازيغ بهدوء في مجال الأركيولوجيا والأنثروبولوجيا، ظهرت نتائج ذات وقع كبير: اكتشافات تاريخية تُعيد رسم خريطة الذاكرة، وتُفند الرواية الرسمية التي اختزلت تاريخ شمال إفريقيا في الغزو العربي لشمال افريقيا. هنا تتجلى قيمة الفعل الحقيقي، الذي يبني ولا يرد، ويقترح بدل أن يشتكي.
إن مفاهيم من قبيل “الإسلاموفوبيا” أو “العربوفوبيا” أو حتى “الصهيونية” تُستخدم أحيانًا كأدوات قمع رمزي لثني الأمازيغية عن مسارها الصحيح والطبيعي. لكن لا ينبغي للحركة الأمازيغية أن تدخل في لعبة المفاهيم المعولمة التي وُضعت أصلًا لإرباك الحركات الهوياتية الأصلية.
المشروع الأمازيغي ليس نقيضًا للإسلام، ولا مناهضًا للعرب، ولا تابعًا لأي خطاب أيديولوجي خارجي. هو مشروع ثقافي تحرري، مغربي، محلي، يسعى إلى إعادة الاعتبار لهوية مُهمّشة وتاريخ مُصادر وشعب جُرّد من أدوات التعبير الذاتي.
المرحلة المقبلة تتطلب استراتيجية ناضجة، تُركّز على:
1- دعم البحث العلمي، في التاريخ، اللغة، الجغرافيا، والفنون.
2- خلق منصات إعلامية وتربوية، ذات مضمون أمازيغي أصيل.
3- إعداد نخب سياسية وثقافية، قادرة على اختراق مؤسسات القرار.
4- الانتقال من منطق رد الفعل إلى منطق الفعل المؤسس.
فلنتوقف عن الجري وراء الأصوات النشاز، ولنُصغِ لصوت الأرض، والناس، والحقائق التاريخية. المعركة الحقيقية ليست في “التغريدة” أو “الخُطبة”، بل في المدرسة التي تُقصي، والقانون الذي يُهمّش، والميزانية التي تُوزَّع بميزان الإهمال.
إنه زمن البناء، لا زمن الرد.
* اقترحه عليكم، صديقكم الحسين بوالزيت، صحافي وباحث في التاريخ.
الصورة من صفحة الصديق ريناس بوحمدي

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News