كرونيك تركيبي لفهم أصول الأزمة السياسية بين دولة مالي والنظام الجزائري..
- الحسين بوالزيت / صحفي وباحث في التاريخ //
بين الخيانة والوفاء يوجد دوما خيط رفيع وناظم يسميه البعض صمودا ويطلق عليه آخرون صبرا حكيما.
هذه الجملة التي تلقفتها ذات يوم من أفواه رجال من ايت باعمران كنت اتجاذب أطراف الحديث معهم حول تاريخ مدينة لگويرة (كان أجدادهم من سكان هذه المدينة المغربية الاطلنتيكية الفاتنة)، واستقروا الان في واد الذهب وجوهرته مدينة الداخلة، وقع هذه الجملة كان كافيا بالنسبة الي لفهم الجوانب المظلمة للسياسة الجزائرية في المنطقة ككل بما فيها الأزمة الجزائرية المالية التي كانت قد بدأت تلوح في الافق آنذاك الى ان وصلت الى ما وصلت اليه الآن.
من المؤسف أن تتحول دولة مالي، مركز التجارة الصحراوية العابرة للقارة الافريقية ، ومهد الحكمة والفن و الحضارة الراقية في تين بوكتو وغيرها من مدن هذا البلد الكبير، ان يتحول الى مختبر مكشوف لتجريب كل انواع الدمار والاسلحة الفتاكة، ومن المؤسف مذلك ان يعاني احفاد التجار واحفاد حاملي الحكمة الدينية السلمية الى وكر لتوطين كل قاذورات الجماعات الارهابية المسلحة التي لفظها العالم اجمع بايعاز من الجزائر، انها أهوال الخيانة اذن.
تمر مالي اليوم بفترة انتقالية حساسة وفي هذا الإطار يشكل دعم الدول المجاورة لهذه الدولة أهمية بالغة في سبيل العودة الى الوضع الدستوري الطبيعي، الذي تشتغل فيه المؤسسات الدستورية بشكل طبيعي وتؤدي أدوارها في المجتمع وحماية حدود البلاد والانخراط في السياسات الإقليمية والعالمية.
هنا يجب التذكير ان الجزائر ظلت ولأكثر من عقد من الزمان، توجه هجمات متواصلة ضد الدولة المالية مما عرض أمنها الداخلي للخطر والتشظي. وضع مفخخ اذاً وقابل للانفجار في اي وقت وبشكل خاص في مثل هذه الازمنة من تاريخ الشعوب والدول التي تمر بمراحل انتقالية وحساسة.
وجب التنبيه اننا هنا لسنا بصدد ابداء المخاوف ولسنا كذلك بصدد تلويك التخمينات وممارسة التنجيم السياسي، وتبني الاطروحة المغربية الوهمية التي تريد الحاق الضرر بالجزائر كما يزعمون في قصر المرادية. ولسنا كذلك بصدد تبني مواقف السلطة الانتقالية المالية. لكن مقاربتنا مبنية على برقيات دبلوماسية أمريكية موثوقة، كشفت عنها ويكيليكس. كما هو معروف وموجودة على شبكات النت..
ففي عام 2013، أدان سيدني بلومنثال،كبير المستشارين للرئيس الأميركي بيل كلينتون، الرئيس الجزائري الراحل عبد العزيز بوتفليقة، و اتهمه بعقد مفاوضات سرية مع أحد قادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، و هو الجزائري المعروف مختار بلمختار. مفاوضات اثمرت خلال اتفاق جزائري- ارهابي ينص صراحة على مبدأ عدم الاعتداء بين الطرفين، هذا الاتفاق تم إبرامه بعد وقت قصير من الهجوم على القنصلية الجزائرية في مدينة غاو، وبموجب هذا الاتفاق ضمنت الجزائر لنفسها سلامة ممتلكاتها وحافظ للجزائر على مصالحها في المنطقة، كما جنبها كذلك شر هجمات محتملة.
وفي مقابل ذلك نص الاتفاق السري ذلك على شن أعمال إرهابية عنيفة في شمال مالي، بل الادهى والأمر ان “الكونكوردا” شمل كذلك منطقة الصحراء المغربية. وهو ما فشلت فيه الجزائر فشلا ذريعا كما هو معروف.
لقد جرت الجزائر على نفسها الكثير من في الماضي وفي الحاضر وستفعل نفس الشيء في المستقبل لأنها ببساطة بنية جيوسياسية مارقة وترجمة حرفية للسياسة الأروبية التوسعية في افريقيا الشمالية وتكفي نظرة بسيطة لخريطتها الجغرافية ليكتشف المرء ذلك، خريطة على شكل حفرة فتحتها ضيقة وتبدأ في التوسع من العنق في اتجاه الجوف، ما يعني أن فرنسا الاستعمارية عملت على قضم العديد من الأراضي لصالح مستعمرتها العثمانية القديمة، قضم الآراضي كان على حساب دول الجوار ومنها المغرب، تونس وصحراء ليبيا، وصحراء الطوارق في اتجاه الجنوب.
ومن هنا نفهم شريط اللهب الذي يحيط بالجزائر الان وهو وضع لا يمكن ان تتحكم فيه الجزائر وتدبره لوحدها بدون مساعدة صاحبة السرة المعروفة. زرع الكمائن والألغام من خلال سياسات خارجية في منطقة الساحل نموذج مالي وفي الصحراء المغربية، سبقه حشر بطانية المرادية لانفها في الشؤون الداخلية للمملكة الأسبانية عندما عملت على دعم منظمة إيتا الباسكية لوجستيكيا واحتضنت بعض قياداتها. مخاطرة ان لم نقل مغامرات طائشة ستساهم لا محالة في عزل الجزائر اقليميا ودوليا.
في الاونة الأخيرة اثيرت تساؤلات متنوعة حول العلاقات بين الجزائر وروسيا، علاقات مضطربة وغير مستقرة مما يثير شبهات وقوع او قرب وقوع خيانة جزائرية لحليفها التاريخي منذ الحرب الباردة، خيانة محتملة لروسيا لصالح فرنسا، لتخلق لا محال ساحة صراع النفوذ بين باريس وموسكو داخل أكبر تكوين جيوسياسي من صنع فرنسا الاستعمارية في أفريقيا.
(الجزء الاول)
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News