
كرامة مُهدرة في وطنٍ مشترك..
- بقلم: مصطفى ايوف//
في كل مرة يخرج فيها مسؤول سياسي ليتحدث بازدراء عن الأمازيغية، لغةً وثقافةً وإنسانًا، لا يجرح بذلك شريحة من المغاربة فحسب، بل يمسّ بجوهر المشروع الوطني الذي لطالما تباهى بتعدده. هناك فرق كبير بين أن تختلف مع رأي أو توجه، وأن تُهين جماعة بأكملها تحت غطاء الخطابة السياسية أو الدفاع عن المبادئ.
ما يحصل اليوم في المغرب ليس زلات لسان معزولة، بل عودة متكررة لنفس النبرة المتعالية، التي تتعامل مع الأمازيغ وكأنهم عالقون بين قوسين في نصّ وطني لا يعترف بوجودهم الكامل. هذه الإهانات المتكررة، التي تصدر أحيانًا من برلمانيين أو زعماء أحزاب، لا يمكن تبريرها بحرية التعبير أو حرارة النقاش السياسي. إنها ببساطة انزلاقات خطيرة تمسّ الكرامة، وتقوّض الثقة في خطاب الدولة.
إن أخطر ما يمكن أن تواجهه دولة تنشد الاستقرار والتماسك هو التطبيع مع التمييز اللفظي، وتبرير التحقير الثقافي، خصوصًا حين يصدر من أشخاص يفترض فيهم أن يكونوا القدوة. فهل يُعقل أن نعيش في بلد يعترف دستوره بالتعدد اللغوي والثقافي، ثم نسمع من داخل المؤسسات الرسمية من يشكك في جدوى وجود الأمازيغية أو يسخر منها علنًا؟ أي ازدواجية هذه؟
لا نطلب من أحد أن يُحب الأمازيغية، ولكن نطالبه بأن يحترمها. لا نطالب بأن تُفرض على أحد، ولكن أن تُصان كحق دستوري وثقافي لملايين المغاربة. لسنا في حاجة إلى تعاطف عابر، بل إلى التزام حقيقي، يبدأ من احترام الخطاب ويصل إلى الإنصاف في السياسات العمومية.
المؤسف أن من يُفترض فيهم أن يكونوا رجال دولة، يختار بعضهم الطريق السهل: التحريض على الهوية، بدل خدمتها. فبدل أن يكونوا صمام أمان في وجه الكراهية، يتحول بعضهم إلى ناقلين لها، بل ومصنّعين لها، حين يستبيحون الحديث عن الأمازيغ بلغة الازدراء والتقليل والتهميش.
نعاتب هؤلاء لأنهم يعرفون تمامًا ما يفعلون. ونعلم أنهم يدركون قوة كلماتهم، وتأثير خطابهم، وخطورة لعبهم على أوتار الهويات. نعاتبهم لأنهم بذلك لا يُهينون الأمازيغ فقط، بل يُهينون المغرب. يُهينون تاريخه، حاضره، ومستقبله.
إن كرامة الأمازيغي ليست قضية ثقافية، بل مبدأ وطني. وكرامة المواطن لا تُصان بشعارات الإنصاف فقط، بل بالتوقف الفوري عن أي خطاب يحمل في طياته عنصرية مقنعة أو مباشرة. من يهاجم الأمازيغية اليوم، يفتح الباب غدًا لاستهداف كل اختلاف، وكل تعدد، وكل محاولة لبناء وطن يتسع للجميع.
وطنٌ لا يصون كرامة جميع أبنائه، دون استثناء أو تفضيل، لا يستحق أن نُسميه مشتركًا.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News