
كرامات الحمام: ذات يوم في الحمام!
- بقلم وليد علا//
يعد الحمام في الثقافة المغربية عنصرا أساسا لا يستغنى عنه نظرا لما يعيشه الإنسان داخله من راحة نفسية تبعده عن هموم العالم الخارجي، ويحس فيه بنوع من المصالحة مع الذات بل يخول له ذلك أن يقوم بمسح طبوغرافي وهو يتجول بعدساته مواطن جسده لتطهيرها من الأوساخ وتدليك مفاصلها وعظامها بالماء الساخن والصابون ومِن الناس من يجلب معه الأعشاب والحناء وصباغة الشعر السوداء بغية الحفاظ على الجمال وأي جمال ذلك الجمال الذي يستمد حيويته من صفاء المزاج المؤقت الذي يوفره الحمام والاستمتاع بالجو الذي يحيط بغرفه بل يميز به درجات الحرارة بشكل تدريجي وهذه من كرامات الحمام،
زد على ذلك أن الفرد يغوص في عوالم وطقوس ينسجها بتمديد ظهره على الأرض الدافئة متأملا سقف الحمام بنظرات يسترجع بها ذكريات الماضي، ويشكل الفراغ الموجود فيه مصدر الصدى المسموع في الغرف الثلاث ، فتجد من يتخذ ذلك وسيلة لمحاورة نفسه وإبراز مواهبه .وكم من فنان تدرب في الحمام وكم من شرير تضامن مع أخيه بسماع صوت الخرير، فتُنسج العلاقات الإنسانية ليصبح الحمام مكانا للسرد ونظم القريض وللمشاجرة والتفاخر والمدح وصلة الرحم أيضا، لكن الأساس في الحمام لكل شخص حكايته تفكيره إذن الحمام مرآة تنعكس منه مجموعة من الحكايات الصغرى وهذا ما يسمى بالانشطار(la mise en abyme) في هذا الصدد يقول هيغو في تعريفه للمفهوم : إنه فعل مزدوج يخترق الدراما ويعكسها مصغرة فإلى جانب العاصفة في المحيط الأطلسي، هناك عاصفة أخرى في كأس الماء، أنظر دينامية النص الروائي ص 45.
ومن الأسباب التي تعكر المزاج هو عندما يحس الشخص بالبرودة في الحمام فيكيل الذم بالمكيال فيتكسر بذلك أفق توقعه لأجواء الحمام وهنا نستحضر روح الدعابة والفكاهة عندما دخل الشاعر “الصنوبري” الحمام فافتقد فيه “الدفء المتوقع والمتعة المنشودة فهجاه بألوان طريفة من الذم وبنوع من السخرية اللاذعة بقوله:
حمامنا ليس فيه ماء
وبرده ماله انقضاء
ما ينفع القطن فيه شيئا
ولا اللبابيد والفراء
نرعد في الصيف فيه بردا
فصيف حمامنا شتاء
فلم نرده لدفع داء
هل يدفع الداء وهو داء؟!
بقلم وليد علا

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News