
قضية المرحوم معاذ : حكاية أنفاس مخنوقة وانتحار صامت في المؤسسات التعليمية..
- بقلم نوالدين الطويلع*//
تدعونا قضية المرحوم الأستاذ معاذ بلحمرة إلى تأمل واقع تعليمي يعج بمظاهر مثيرة، نتعايش معها، ونعيش وإياها في ساحة مفتوحة، وكثيرا ما تأخذ منا قسطا كبيرا من الاهتمام المفضي إلى الإنهاك النفسي والانهيار المعنوي، لنتحول إلى مجرد أجساد منخورة بسياط اللا توازن، ومكتواة بنارِ واقعٍٍ صار كلُّ واحد منا ملزما بخوض ظلماته لوحده، دون أن يجد من يؤنسه في وحشة المسير.
لا شك أن قصة المرحوم معاذ لها نسخ بالآلاف في حقل التربية والتعليم، وما ظهر منها مجرد نقطة من جبل الجليد، أذابها تعسف وقهر وجور مركب، تتكرر السيناريوهات كل يوم، وتنتج عنها حالات انتحار معنوية، وحالات هروب إلى الأمام، وحالات صراع مرير مع أمراض نفسية وزيارات مكوكية لعيادات الأطباء المختصين، ومواجهة حامية الوطيس مع فاتورة الأدوية المتضخمة والمسكنات والمكملات الغذائية التي يُراد منها تمكين الجسد المنهك من إكمال بعض الطريق وأداء مَهَمَّةٍ شاقة، تحتاج إلى لياقة تدريسية في منتهى الجاهزية.
عاش المرحوم معاذ حكايته متفردا بكآبته وعنائه وشقائه، ووجد من يسعِّر هذه الحياة المشتعلة بالمعاناة، ليضيف إلى لظاها توهجا وسعيرا… لا تعدم أي مؤسسة تعليمية هذا النموذج، بل قد لا نبالغ إذا قلنا إن الغالبية العظمى من الأطر التعليمية تنوء بحمل الصخرة نفسها التي كان يحملها معاذ، وتتألم في صمت، وتعيش انتحارا آخر، يجعلها منكفئة على نفسها، غارقة لوحدها في ركام من الهموم، ومن غريب أن المنتحرين الأحياء يمارسون ضد بعضهم البعض طقوس القتل المعنوي، ولا يتوقفون عن إطلاق حمم النار المؤذية لغيرهم، وكأننا تحولنا إلى عبوات ناسفة من نوع خاص، لا تتوقف عن الانفجار في وجه الآخر وإذاقته طعم الجحيم.
يستحثنا وضعٌ هذه بعض سماته على ضرورة التفكير في تغيير أساليبنا واستحضار الجانب الإنساني فينا، لابد من إحياء قاعات الأساتذة وتوطيد علاقاتنا داخل المؤسسات التعليمية، والكف عن منطق الانعزال، مع الحرص على الأخذ بيد الوافدين الجدد، ومواكبتهم ليجتاجزوا مرحلة البداية بنجاح، لا بد للإدارة التربوية أن تتسلح بمعرفة نفسية واجتماعية عميقة، وأن تدبر أمورها التربوية بكثير من التخطيط، بعيدا عن الأهواء والحسابات الشخصية أوالتقيد الحرفي بالمساطر القانونية، لا بد أن تُنجَز دورات تكوينية في الإعداد النفسي للأطر التربوية والإدارية، وأن يُخصَّص لكل مديرية إقليمية طبيب نفسي، ليواكب هذه الأطر في جلسات استماع ومحاضرات وتوجيهات ولقاءات، لأن السلامة النفسية لرجال التعليم ونسائه شرط أساسي للعطاء وإنتاج جيل سليم من العقد والأمراض النفسية.
* مؤطر تربوي بمدينة اليوسفية

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News