قراءة نقدية للأديب محمد مجيد حسين لديوان “طفولة الأصابع المنسية”..
خميرةُ اللغةِ تغوصُ في ممرات الليلِ برشاقةٍ وتوهجٍ، وتشتعلُ بكل ثرائها، فتحنُ الأصابعُ لطفولتها، تستيقظُ زهورُ الحديقةِ على صدى نبضاتِ قلوبنا الساهرةِ على مفارقِ دربٍ يربطُ بين شتات الذاكرة.
ثمة تساؤلات تقف على مرمى حجرٍ من الصمت والبوح معاً.
هل مازال الشّعرُ قادراً على ضمان عبورِ مشاعرنا عبر ممراتِ الليلِ من وإلى قلوبنا بأمان؟
وهل في جعبةِ الكائنِ الشعريِّ ما يؤهلهُ ليرمّم المساحاتِ المنسية من الذاكرةِ؟
وهل في العالمِ الرقمي أصواتٌ تبحثُ عن النصوص ذات العمقِ الإبستمولوجي؟
هذه التساؤلات سنستسيغها عبر الخطابِ الشعري للتونسية سلوى السّوسي من خلال نصها “حين يضيء الطين”؟؟
ولنقرأ النص معاً:
حين يضيء الطّين
في طريق العودة إليّ
زجاج مكسور…
تلتقطه أعين المارّة…
ترشقه في أضلعي…
رجال البلاد يهدّدون بقطع الطّريق…
والنّساء يعتذرن لتاريخ خدشته
ظنوني…
ويقسمن أنهن من الشّمس
براء…
في طريق العودة إليّ
تجّار أسداف كسدت تجارتهم…
انقضت اَجال بضاعتهم…
توضّؤوا بالشّمس وتابوا…
في طريق العودة إليّ
تأنّقت روحي في حضرة جسد سطع
عين الضّوء…
الضّوء جسور…جريء…
يرسم ظلّي عاريا ،
وينضو عن روحي السّتار…
الضٌوء وديع…بريء…
يعيد إليّ وجهي…
لأحيى كما أشتهي…
وأموت كما ينبغي…
سلوى السّوسي/تونس.
سنبدأُ بتشريحِ مواكبِ اللهفةِ، الضامنةِ، لسلاسةِ الحوارِ، ما بين الرموشِ، والضوء الراقدِ على جبين الطين.
لنبدأ بالعنوان ” حين يضيء الطين”
متى يضيء الطين
سؤالٌ لجوج !!!
الطينُ هو مزيج الماءُ والترابُ، وهما العنصرانِ الأساسيان في منظومة الطبيعة، وعندما يجتمعانِ يغدوانِ مؤهلينِ لاستقبال الضوء، قد يكونُ الضوءُ صناعياً وقد يكونُ طبيعياً كالشمس والقمر.
حين يضيء الطين مدخلا ذو عمقٍ متشعب الدلالة
قد يبلغُ الإدراكُ مبتغاه في سيرهِ الجارفِ نحو مملكةِ اللذةِ بمختلفِ ألوانها.
لنأخذ صورة جديدة من النص.
“في طريق العودة إليّ”
أعبرُ بواباتِ مدينةِ المسافةِ باحثاً عن ضوابط الكيمياءِ العازمة على ترسيخِ فعلُ المباغتةِ الحسية.
“في طريق العودة إليّ”
هنا يتحققُ جُل مفهوم النظرية التفكيكية للناقد جاك دريدا 1930- 2004
الذي نادى بفتح سقف الدلالة للصور الشعرية
” في طريق العودة إليّ”
هنا تتراءى فضاءات المعاني غير المنتهية للصور الشعرية.
لنأخذ صورة أخرى من النص:
” توضؤوا بالشمس وتابوا ”
هنا ثمة إشارة إلى مجموعة بشرية لسبب ما لا يمكننا الجزم بماهية الدوافع التي منها انبثق الرادعُ الأخلاقي الذي أدى إلى فعلِ الوضوءِ ومن ثم التوبةِ.
تطرحُ الصورةُ الشعريةُ نهايةَ مسار الخطيئة من خلال إقدام هؤلاء على فعل الوضوء ومن ثم التوبةِ.
هنا استطاعتْ الشاعرةُ المتقنةُ سلوى السّوسي خلق مشهد بصري فاصل تتبوؤه الفضيلةُ من خلال فعلي الوضوء والتوبة.
الخلاصة:
ظهرت براعة الشاعرة سلوى السّوسي في الإجابة على التساؤلات آنفة الذكر؛ فالكائن الشعري مازال ينبض بالحياة فهو الذي كان بمثابة بوصلة ما بين الضوء والطين.
وهو الذي بث الروح في المساحاتِ غير المأهولة من الذاكرة؛ فتعززت بؤر السكينة، مما دفعَ بمجموعة بشرية القيام بفعل الوضوء والتوبة.
نستطيع أن نؤكد بأن وجود نصوص بهذا الرُشد سيمنح الحياة للقراء الحقيقيين، فبالفعل هي شاعرة وازنة لغوياً، ومعرفياً، وحسياً؛ خلقت الرغبة لدى قارئ مولود في المشرق للتماهي مع نصها المولود في المغرب.
- محمد مجيد حسين، كردي سوري
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News