المجتمع

في ذكرى رحيل حسن الصوابني .. طوبى لروحك ضيفا دائما بيننا!

شريط مصور حول مسار حياة الراحل حسن الصوابني مع قصيدة رثائه للدكتور مبارك حنون…

  • شهادة عبد السلام رحواني //

وداعا رفيقي حسن…كم كانت صدمتي قوية وعتابي للذات عاصفة لما وقفت على عتبة منزلك لزيارتك المتاخرة بعد ان علمت بحالك فحاصرني طيفك ينبؤني برحيلك.

عانقت جثتك الطاهرة وبللت دموعي الدافئة خصلات شعرك الرمادي قبل ان اعانق رفيقة دربك وسراج بهائك ومن حولها نضال وياسر وبسام اللذين لم تختارا، انت والسعدية، اسماءهم صدفة،وانما عنوانا لانتماء فكري ووجودي اصيل وعميق.

رفيقي… ما زلت اذكر اول لقاء بيننا… سبتمبر 1979 عدت الى انزكان، وتحديدا الى ثانوية عبد الله بن ياسين استاذا للفلسفة بعد مغادرتي لها سنة 1974… معرفتي بالمدينة وبالمؤسسة لم تكن كافية للتخفيف من عزلتي السياسية … لم اكن اعلم بوجود اي مناضل او مناضلة يقاسمني الانتماء لمنظمة 23 مارس المجيدة بالمدينة سوى زوجتي فاطمة…

لم تطل غربتي هاته اذ سرعان ما بلغني عبر الرفيق محسن ان بالمدينة رفيق اسمه الصوابني، وهو معتقل سابق ويمكنني البحث عنه … سألت بعض رجال التعليم عن الرجل فدلوني عليه حيث كان قوي الحضور في اعدادية المنصور الذهبي وفي دار الشباب…

منذ اللقاء الاول وضعنا يدا في يدا وتعاهدنا على العمل لمواصلة النضال ولتوسيع اشعاع المنظمة بالمدينة التي كانت تعيش آنذاك مخاض الانتقال من تجربة العمل السري والخط الثوري الى تجربة النضال الديمقراطي الشرعي ، وهو ما عبرنا عنه بوضعية “طوليري” (مسموح به). اشتغلنا ضمن هذا الوضع الملتبس من الناحية السياسية والجامد من الناحية التنظيمية،

فكانت جريدة انوال الغراء الوسيط اللامادي الاول مع المنظمة وكانت جمعية الشعلة للمسرح والموسيقى، التي كان حسن مؤسسها ورئيسها وقلبها النابض جسرنا الوحيد نحو جمهور المثقفين وشباب المدينة، وكان منزل السعدية المحاذي لفندق اسافن وغير بعيد عن سينما كوليزي بإنزكان. بمثابة المقر الفاخر للجمعية وللخلية الاولى للمنظمة، بيت مفتوح لكل عاطف(ة)وكل فاعل جمعوي، وكل برعم او زهرة نحلم بان تتفتح ثورة…

في ذلك البيت كنا نغذي الروح والفكر والبطن… نقاش مستفيض فكري وسياسي ونقابي… اعداد لانشطة الجمعية …. شهيوات لذيذة من اعداد السعدية الحكيمة،الصبورة، البهية… عبر حسن والسعدية تعرفت على اصدقاء صاروا رفاقا وعلى اطفال صاروا ابناء وبنات حشد…

غادرت انزكان قبل ان تعبر المنظمة الى ضفة الشرعية عائدا الى الرباط لاستكمال الدراسات العليا، ولم اعد الى انزكان ذاتها الا بعد ثلاث سنوات جرت فيها مياه كثيرة بالمجرى الثابت للمنظمة التي حصلت على الشرعية القانونية تحت اسم منظمة العمل الديمقراطي الشعبي التي جعلت دمقرطة الدولة والمجتمع نبراس عملها وعنوان وجودها.

عدت لانزكان في غمرة معركة الانتخابات التشريعية لسنة 1984بعدما كلفت من طرف المنظمة بالترشح بدائرة ايت ملول/الدشيرة/بنسركاو… كان علينا ان نواجه احزابا قوية في مقدمتها الاتحاد الاشتراكي ذو العمق الجماهيري الكبير وحزب الاحرار الذي كان يسير الجماعة ويحظى بدعم الادارة.

لم نكن في الحقيقة مهيئين لمقارعة الكبار، فعدد الرفاق والرفيقات لم يكن يتعدى العشرة الا قليلا (الصوابني، العلوي، حندور، نجيب، بنخار، زينابي، بارودي، الغطاس، جعنوج، ايت يوسف، بيزكارن، محمد)، انضم الينا بعض الشباب اذكر منهم رجواني علمي، بنسيكسيل عبد الرحمان، الزوركي، حسني.

ولم نكن نملك الا وسائل محدودة لا تتجاوز سيارة شخصية لاحد الرفاق ودراجة نارية قديمة من نوع بوجو وسطل وشطابة ورزمات قليلة من ملصقات ومنشورات في اللون الازرق المخطط بالاسود.

لعب حسن دورا محوريا في الإعداد للمعركة وفي خوض غمارها، اذ جعل من بيته مقرا دائما وورشة مفتوحة، وأسهم بقوة في شحذ الهمم وزرع الامل.

طبعا لم يكن سقف طموحنا يتجاوز التعريف بالمنظمة الناشئة والتواصل مع المواطنين والحصول على نتائج في مستوى صيت المنظمة وتضحياتها من اجل عزة الوطن وكرامة المواطن.

استطعنا بتضحيات مناضلين بسطاء الانتصار على فقرنا، فحظينا بدعم شعبي واسع، وحصلنا على الرتبة الثالثة… ببعض المكاتب كالمزار وقصبة الطاهر وبمكتب ببنسركاو احتلت المنظمة المرتبة الاولى…

هي نتائج فتحت امامنا آفاقا تنظيمية وسياسية جديدة: المؤتمر المحلي الاول للمنظمة وتكوين أول لجنة للمنطقة التي تحملت مسؤولية الاشراف الى حدود الاقاليم الصحراوية، فرع حشد، الانخراط في العمل النقابي ضمن ك.د.ش، وفي العمل الجمعوي خاصة عبر جمعية الشعلة للمسرح والموسيقى بانزكان وفرعي جمعيات الجمعية المغربية للشبيبة وفرع الشعلة وجمعية الامل والاتحاد المحلي لمسرح الهواة.

كان حضور الصوابني لافتا ومؤثرا على الواجهة الثقافية خاصة، ومما ميز نشاطه على هذا المستوى المثابرة وروح المسؤولية والحوار والمودة..

وحرصه على تدوين كل الإجتماعات والأنشطة وحفظها في مذكرة اخالها ذاكرة ثقافية وسياسية ثرية، واخاف ان يكون حسن قد حملها معه الى قبره، وان كانت لم تدفن الى جوار صاحبها رحمه الله، أوصي نضال باعتبارها اهم ما في تركة الفقيد الى جانب تلك المكتبة الهائلة والانيقة التي انشأها المرحوم الذي لم ينل منه التقشف أبدا حين وقوع بصره الحاذق على كتاب….

عشنا تجربة بناء المنظمة سويا الى ان انفصلت عن المنظمة تنظيميا وسياسيا سنة 1989، دون ان انفصل عنها فكريا، ودون ان انفصل وجدانيا عن رفاقي سوى من غاظهم موقفي وقرأوه قراءة سلبية، واختاروا الجفاء.

كان حسن والسعدية ممن ظلوا على ما كانوا عليه اتجاهي واتجاه فاطمة وكل أسرتي الصغيرة، ود ومحبة وتسامح وعتاب….

لم تستمر العلاقة على نفس الوتيرة لكنها لم تنقطع ابدا ولم تذبل ولم تفقد عنفوانها… وشاء التاريخ السياسي لبلدنا الى جانب الروح الوحدوية لجزء من أطر المنظمة ان تتوطد علاقتي السياسية والتنظيمية بالصوابني الذي قاد وهندس عملية اندماج الحزب الاشتراكي بالاتحاد الاشتراكي بسوس، ويعود له الفضل في تنسيق العملية قبل ان يصبح عضوا بأول كتابة جهوية للاتحاد الاشتراكي بجهة سوس ماسة درعة.

ضمن هذا الجهاز اشتغلت مع حسن لما يناهز عقدا من الزمن، اتفقنا احيانا كثيرة دون مجاملة ولا نفاق واختلفنا احيانا في احترام وتقدير متبادل… في خضم الصراع الداخلي لم يتوان حسن أبدا في الدعوة الى الحوار والاعتدال والتنبيه الى سوء عواقب الشقاق….

كذلك ترافقنا ثم تآخينا الى ان سرت لزيارته فكانت الواقعة التي زلزلت كياني وعادت بذاكرتي الى أيام جميلة، بهية، صفية…. طوبى لروحك ضيفا دائما بيننا الى ان تمشي روحك في موكب تشييعنا حيث رقدت، حيث سنرقد… فكن في انتظاري واستقبلني كما استقبلتني ذات سبتمبر بانزكان..

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى