
في حضن الرباط: المغرب يفتح قلبه لسيدات الجزائر في بطولة “الكان”
- توفيق اجانا//
حين صافرت صافرة النهاية، وأُسدل الستار على مشوار المنتخب الجزائري النسوي في بطولة الكان، لم يكن في قلوبنا فرحٌ لخروج منافس، بل خيّم علينا شعور خفي، يشبه وداع قريب… ضيف تمنّينا لو طالت زيارته.
لم يكن الأمل في تأهل الشابات الجزائريات أملًا رياضيًا صرفًا، بل كان رغبة إنسانية عميقة، وحنينًا مغاربيًا صادقًا. أردناهن أن يبقين بيننا، لا فقط لأن وجودهن يُثري العرس القاري، بل لأن في البقاء فرصة للقاء الحقيقي، بعيدًا عن الضجيج السياسي، وعن الصور المزيفة التي ترسمها أبواق الفتنة.
الرباط لم تكن محطة عبور، بل كانت بيتًا مفتوحًا، قلبًا نابضًا بالمحبة، مدينة تمتدّ ذراعيها لتقول: “مرحبًا بأخواتنا”، بكل الصدق والبساطة. لم تكن الابتسامة مفتعلة، ولا الضيافة مُزيّنة للبروتوكول، بل كانت امتدادًا لما تربّى عليه المغاربة: الكرم في الأفعال، والصدق في اللقاء.
كنا نريد لهن أن يبقين معنا، لا ليرفعن الكأس، بل ليغترفن من تراثنا المغربي ما يعجز الإعلام عن نقله:
أن يجلسن بين الناس، في فضاءات المدينة القديمة، حيث الحكواتي لا يزال يروي، والزجال يرتجل، والمنشد يُبدع في المديح والسماع، وعيساوة تضرب على الدفوف وترفع الهمم بكلمات روحية تسكن الروح.
أن يستمعن إلى فن الملحون، في قصائد تُقال من القلب إلى القلب، ويكتشفن سحر الحكاية الشفوية التي تناقلتها الجدات جيلاً بعد جيل. أن يعرفن أن المغرب لا يُختصر في جمال العمران فقط، بل في عمق الكلمة وقوة الذاكرة الشعبية.
تمنينا أن يلبسن قفطاننا المغربي الأصيل، ويجلسن على الزليج المزركش الذي يحكي حكايات ألف عام، ويكتشفن جمال الرباط المصنفة تراثًا عالميًا من طرف اليونسكو، بما تحويه من كنوز: قصبة الوداية، المدينة القديمة، حي الأحباس، ضريح محمد الخامس ومسجد حسان، حدائق الرباط التاريخية، شالة الأثرية، وبوابات وأسوار الموحدين التي تروي صمود الزمن.
لقد أحسن المغرب وفادة المنتخب الجزائري، كما يفعل في كل حين، لا بحثًا عن مجدٍ مؤقت، بل وفاءً لعلاقة أعمق من كل حسابات السياسة. فبين المغرب والجزائر، وشائج لا تقطعها حدود، ولا تمحوها بيانات متشنّجة. هنا، نُكرم الضيف لأنه ضيف، ونحتضن الشقيق لأنه شقيق، ونؤمن أن الإنسان أسبق من الموقف.
من عاش لحظات استقبال الجماهير المغربية لنجوم الفن والكرة القادمين من الجزائر، يعرف أن العلاقة بين الشعبين لا تُصطنع، ولا تُفرض. نُفرش البساط لا فقط لنجومية، بل للأخوّة، ونرفع التهليل بزغاريد الجدات وأناشيد عيساوة ودقات كناوة، حين يستحق القادم التحية.
لم يُربّنا التاريخ على الكراهية، بل على حسن الجوار، ولم نُعلَّم لغة القطيعة، بل لغات الود والتواصل. لذلك، تمنينا أن تبقى شابات الجزائر معنا، ليكتشفن أن المغرب ليس فقط بلدًا مضيافًا، بل ذاكرة حية تنبض بفنون القول والحكي والتعبير.
كنا نريد أن يشهدن بأنفسهن أن بيننا جسورًا من الثقافة والمصير، لا يمكن لخطابات الكراهية أن تهدمها. ما حصل في البطولة كان فصلًا صغيرًا من رواية أكبر: عنوانها أن الشعوب لا تُفرّقها خُطب الطغاة، وأن الضيافة الصادقة لا تنكرها حتى عيون الخصام.
سنظل نفتح أبوابنا، ونمدّ موائدنا، ونُهيّئ القلوب كما تُهيّأ الدروب، لأن هذا هو المغرب كما نعرفه، وكما نريده أن يكون: وطن الحبّ

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News