في حضرة الفيلسوف ، مناظرة شعرية تيماتها : الزلزال- الرعي الجائر – مدونة الأسرة
في ليلة صيفية ذافئة ، وفي عمق الأطلس الصغير وبالضبط دوار إفسفاس بأيت عبد الله ، حيث العلاقات الإجتماعية قوية ومتماسكة (آلية حسب تعبير دوركايم ) وحيث القيم الإنسانية النبيلة مازالت سيدة الموقف ، الناس مرتبطة بالأرض ، حافظة على الأعراف والتقاليد واللغة ، موسم الرما هو إحدى هذه الأعراف وهي مناسبة اللقاء احياها سكان الدوار بدعم من أحد رجالات المال والأعمال ودعي اليها فرقة تاكموت نطاطا لفن أهناقار برئاسة الشاعر احمد عصيد وأحمد أبودرار وعبد الله مينهو .
حلت الفرقة بالدوار ورافقتها نساء وبنات الدوار بالزغاريد وأغاني الترحاب الى دار الضيافة (دار الجمعية ) كما حل الشعراء تباعا فاستقبلوا بالترحاب وعناق الرجال .حركة غير عادية عرفها الدوار النساء والفتيات يتجولن ، على شكل مجموعات ، بمنتهى الحرية يعكس درجة الأمن والطمأنينة السائدة في المنطقة .
بعد صلاة العشاء ووجبة العشاء التقى الجميع في أسايس وهو مكان وسط الدوار يخصص لمثل هذه المناسبات ، تم إعداده بشكل دقيق ، مزهريات “لحباق ” و “لغنباز “تتوسط المكان ، جهتي الشرق والشمال للنساء فيما الغرب والجنوب للرجال .النساء بالحيك الأسود والحلي ، يبذو عليهن الرخاء الإجتماعي مما يدل على أن اغلبهن جئن من الغربة والمهجر ، يتفاعلن مع الشعراء بالزغاريد ومقاطع غنائية للتأييد والاستحسان كما يصورن مقاطع من الرقصات والأشعار بآخر صيحات الهواتف الذكية ، وفي الجهة المقابلة رجال باللباس المحلي التقليدي والبلغة المحلية الجميلة .
فرقة أحواش /أهناقار إقتحمت هذا الفضاء الأسطوري بلباسهم الأزق كأنهم خلتهم في الأول أولائك الرحال الزرق الطوارق قد قدموا من مالي عبر الصحراء المغربية الحبيبة ، قرعت الطبول وتعالت الزغاريد وأقشعرت الأبدان ، أتموا الدورة على لازمة للإفتتاح حتى استووا في المرقص ، صدح صوت الشاعر عصيد بمقطع شعري ترحيبي بإعتباره إبن الدار والقبيلة ، رد عليه أبودرار التحية بمثلها وتلاه مينهو شاكرا حسن الضيافة والترحاب .
هكذا إذن تنطلق المناظرة الشعرية في فضاء أسايس ، عصيد الذي إرتدى شارة العميد طلب من الشعراء الإستعداد والتركيز والدقة في التصويب لرمزية المكان ومكانة الحضور ، رد عليه أبودرار واصفا إياه بالصديق والرفيق اما مينهو فوصفه بالعالم وووضع نفسه وزميله أبودرار في مرتبطة التلاميذ ، عصيد ، رده ، يتواضع ويتنازل عن صفة العالم ورفع من قدر منافسيه ووصف مينهو بالفقيه المتمكن لتجربته وجودة شعره ، ابودرار يعاتب عصيد لعدم مؤازرته لهم في محنة الزلزال ، مينهو يطلب من أبودرار الكف عن التشكي والتباكي ، عصيد تبرأ ذمته لبعده وأنه تواصل مع رفاقه الشعراء لتولي الأمر ، أبودرار لم يقبل العذر ومينهو تنهر أبودرار ، تشابك الإثنين فتدخل عصيد لفك النزاع وتهدية الوضع ، صرخت الجماهير رافضة هذا التدخل ، عصيد يأخد نقطة نظام وشرح للجمهور مهمة “امخلف ” بكونه فاصل غنائي لإلتقاط الأنفاس وتحريك عناصر الفرقة ثم إعداد المتلقي لشوط جديد من الحوار ، تفهم الجمهور وقبل بالأمر .
تمايل الجميع مع “الأسوس ” وعاد الشعراء للجدال مرة أخرى بمبارة من مينهو الذي إشتكى لعصيد من الجمال والرعي الجائر وطلب منه التدخل لقربه من مركز القرار ، عصيد يرد ناقي هذه المكانة وحمل المسؤولية للٱهالي لعدم وعيهم بحقوقهم والتخادل في الدفاع عنها أبودرار يشاكس ويقنبل الحكومة إستمر النقاش والجدال بالتركيز على مواصلة قرع الأبواب المغلقة الى حين فتحها .
جنح أبودرار يسارا نحو النساء وطلب إعطائهم الفرصة والتصويت عليهن في زمان يتخادل فيه الرجال ، مينهو يعترض وهنا نقطة تحول في علاقته بعصيد التي بدأت سمنا على عسل قبل أن تتوثر إذ إنظم عصيد لطرح أبودرار المؤيد لحقوق النساء ، تشابكت الامور و إرتفعت درجة حرارة النقاش والجدل فطفت على السطح مصطلحات كالميراث و الأم والزوجة والإبنة والتفوق الأنثوي على الذكوري في التحصيل العلمي (الباك ) وتسلق سلم المسؤولية والرقي الإجتماعي في المقابل طفت مصطلحات مضادة كالشرع والأخلاق والحدود وغيرها ، إنقسم الجمهور الى معسكرين مؤييدين ومعارضين / حداثيين ومحافظين فبلغت الفرجة دروتها .
عاد عصيد في “أمخلف ” منوها برفاقه معترفا لهم بالجميل والنبل والعطاء بادله الإثنان معا نفس الإحساس والحب والتقدير . اخد فرق من فرقة تكموت الكلمة فصدح شعرا رددها أفراذ الفرقة في تناغم بين إيقاع الآلات (البنادير وكانكا والناقوس والقراقب ) وحركات الجسد لذى الرجال الوزرق وتفاعل الجماهير الذواقة لفن احواش /اهناقار.
الإيقاع يتصاعد وفقا لمتتالية حسابية حتى بلغ درجة الإنتشاء والرضاء من طرف الجميع ، وبذلك تنتهي المناظرة وينتهي هذا اللقاء الفني الثراثي الأمازيغي المميز في البادية المغربية بسوس العالمة
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News