المغرب اليوم

فيضانات المغرب: الأسباب الرئيسية والنتائج والحلول

  • بقلم بدر شاشا: باحث بجامعة ابن طفيل القنيطرة //

فيضانات الشرق والجنوب بالمغرب ظاهرة طبيعية قديمة متجددة، تمثل تحديا بيئيا واجتماعيا واقتصاديا يستدعي الوقوف عند أسبابه والتعمق في نتائجه والعمل على إيجاد حلول مستدامة للتخفيف من تأثيراته على الإنسان والبيئة. يشكل الموقع الجغرافي للمغرب وتنوع تضاريسه وخصوصيات مناخ كل منطقة عوامل رئيسية تسهم في حدوث هذه الفيضانات، إلا أن تزايد تواترها وشدتها في السنوات الأخيرة يفرض طرح عدة تساؤلات حول كيفية التعامل معها وكيفية استغلال ما تقدمه هذه الظاهرة من فوائد إلى جانب التحديات.

إن السبب الرئيسي الذي يقف وراء هذه الفيضانات في مناطق الشرق والجنوب هو الطبيعة المناخية لهذه المناطق التي تعرف تقلبات حادة بين فصول السنة. فعادة ما تكون هذه المناطق جافة خلال فصل الصيف مما يؤدي إلى تآكل التربة وجفاف الأودية، لكن مع حلول فصل الخريف أو الشتاء، تتعرض هذه المناطق لهطول أمطار غزيرة في فترة قصيرة لا تستوعبها الأرض الجافة مما يتسبب في جريان الأودية بسرعة كبيرة، وارتفاع منسوب المياه بشكل مفاجئ، وهو ما يؤدي إلى حدوث الفيضانات. وقد شهدنا في عدة مرات أن هذه الفيضانات كانت مفاجئة وعنيفة، حيث جرفت معها المنازل والمزارع والبنية التحتية، مما خلف خسائر بشرية ومادية جسيمة.

أحد الأسباب الأخرى التي تزيد من وطأة هذه الفيضانات هو تدهور الغطاء النباتي في المناطق الجبلية، نتيجة للرعي الجائر وقطع الأشجار بشكل غير قانوني. فتدهور الغطاء النباتي يؤدي إلى فقدان التربة قدرتها على امتصاص المياه مما يعزز من احتمالية جريانها بشكل سريع نحو الوديان والسهول المنخفضة. كما أن عمليات التعمير العشوائي في المناطق القريبة من الأودية والمناطق المنخفضة تسهم بشكل مباشر في تعريض حياة السكان للخطر، إذ أن المباني والمنشآت غير المؤهلة تتحطم بسهولة أمام قوة المياه.

لا يمكن تجاهل دور التغيرات المناخية العالمية في زيادة حدة الفيضانات. فالعالم يشهد ارتفاعا في درجات الحرارة بشكل متزايد مما يؤدي إلى تبخر كميات كبيرة من المياه وتكاثفها في الغلاف الجوي، وعند سقوط الأمطار فإنها تكون غزيرة وقصيرة المدى مما يعزز من احتمالية حدوث الفيضانات.

أما النتائج المباشرة لهذه الفيضانات فهي متنوعة ومتعددة الأوجه. على المستوى البشري، يتعرض السكان لخطر الفقدان المادي والمعنوي، ففقدان المنازل والممتلكات يترك الأسر في حالة من التشرد والحرمان. وعلى المستوى الزراعي، فإن الفيضانات تدمر المحاصيل الزراعية وتؤدي إلى تلف التربة وتدهور خصوبتها. أما على مستوى البنية التحتية، فإن الطرق والجسور والمنشآت تتعرض لأضرار جسيمة قد تحتاج لسنوات لإصلاحها.

ورغم النتائج السلبية، إلا أن للفيضانات قيمة بيئية مهمة. فهي تسهم في تجديد موارد المياه الجوفية وملء السدود بالمياه، مما يساعد على تحسين مستوى التزود بالمياه في الفترات الجافة. كما أن الفيضانات تساعد على ترسيب التربة الغنية بالمواد العضوية في الوديان مما يعزز من خصوبة الأراضي الزراعية في بعض المناطق.

أما بخصوص الحلول، فإن التعامل مع الفيضانات يتطلب نهجا شاملا يجمع بين الوقاية والاستجابة السريعة. يجب على السلطات المختصة تطوير نظام إنذار مبكر يعتمد على التنبؤات الجوية الدقيقة والتحليل المستمر للوضع الميداني، مما يتيح للسكان الاستعداد لمواجهة الفيضانات قبل وقوعها. كما يجب إعادة النظر في طرق بناء المنشآت والبنية التحتية، بحيث تكون قادرة على الصمود أمام الفيضانات. من الضروري أيضا تشجيع حملات التشجير والمحافظة على الغطاء النباتي في المناطق الجبلية للحد من انجراف التربة.

يجب العمل على تطوير مشاريع لتخزين المياه في خزانات وسدود جديدة أو توسيع السدود القائمة للاستفادة القصوى من المياه الفائضة خلال الفيضانات. يجب أيضا تعزيز التعاون بين مختلف الجهات الحكومية والمحلية والمجتمع المدني للقيام بحملات توعية حول مخاطر التعمير العشوائي في المناطق المنخفضة والقريبة من الأودية، وحول أهمية اتباع التدابير الوقائية للحد من الخسائر.

لا بد من الإشارة إلى أن التحديات التي تطرحها الفيضانات في الشرق والجنوب المغربي ليست عائقا أمام التنمية بقدر ما هي فرصة لتعزيز سياسات الاستدامة والحفاظ على الموارد الطبيعية. فالفيضانات وإن كانت تحمل مخاطر عديدة إلا أن استغلالها بشكل صحيح يمكن أن يسهم في تحسين الأوضاع البيئية والاقتصادية والاجتماعية لهذه المناطق.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى