فرنسا والجزائر والبيان المشترك..
- بقلم: عبد الهادي مزاري //
أصدرت الخارجية الجزائرية بيانا تهجمت فيه على فرنسا تقول فيه إن “باريس أبلغتها في مراسلة خاصة أنها قررت الاعتراف بمبادرة الحكم الذاتي، التي تقدم بها المغرب كأرضية لتسوية النزاع”.
بعد ذلك انطلق بيان الخارجية الجزائرية في الدفاع بشراسة عن المشروع الانفصالي في الصحراء المغربية.
اعتبر قسم من الرأي العام المغربي أن المبادرة الفرنسية جاءت أخيرا لتنهي مسلسل الانتظار الذي طال أمده، خاصة أن فرنسا لم تغادر بعد المنطقة الرمادية في ما يخص الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء.
جوابا على أسئلة تلقيتها من أصدقاء ومتتبعين بشأن الموقف الفرنسي، هل هناك جديد يستحق التعليق؟ هل خرجت فرنسا من الجحر الذي تختبئ فيه؟ بماذا يفسر أسلوب الإليزي في اللجوء إلى مراسلة الجزائر في موضوع يتعلق بطرف ثالث؟
بحثت في وسائل الإعلام الفرنسية، سواء الرسمية أو “المستقلة”، ولم أجد أثرا لخبر حقيقي يؤكد أن فرنسا اعترفت بالسيادة المغربية على الأقاليم الصحراوية، كما فعلت الولايات المتحدة، أو على الأقل كما فعلت ألمانيا وإسبانيا.
بحثت كذلك في وسائل الإعلام المغربية، وخاصة الرسمية ولم أعثر على ما يفيد بأن المغرب تلقى أي تصريح من باريس متضمن لموقف فرنسي جديد.
منذ سنوات تدعم فرنسا مبادرة الحكم الذاتي في الأقليم الصحراوية داخل مجلس الأمن، وهذا ليس أمرا جديدا. بينما المغرب يطالب باريس بموقف واضح وصريح ولا يقل شجاعة عن الموقف الامريكي، خاصة أن الفرنسيين يعتبرون أنفسهم أصدقاء للمغرب أكثر من أي بلد غربي آخر، وكانت مصالحهم حتى وقت قريب تتصدر قائمة الدول التي تتعامل مع المملكة.
حتى كتابة هذه السطور، ليس هناك ما يجعل السلوك الفرنسي مفهوما ولا مقبولا، إذا صح الخبر الذي نشرته وسائل الإعلام التابعة للنظام الجزائري.
ألم يكن حريا بفرنسا أن تتبع القواعد الدبلوماسية وتتصل بالجهات المعنية في المغرب مباشرة بدل أن ترسل خطابا إلى الجزائر في موضوع يتعلق بالمغرب؟
إذا فعلا صح الخبر الذي نشرته وسائل الاعلام الجزائرية، مع الأخذ في الاعتبار أنها وسائل دعاية بارعة في صناعة الكذب، فإن فرنسا سقطت في خطأ أكثر بشاعة من ذلك الذي وقعت فيه عندما وجه الرئيس إمانويل ماكرو خطابا إلى الشعب المغربي عقب الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز في خرق سافر للأعراف السيادية للدول.
إذا فعلا وجهت الخارجية الفرنسية رسالة إلى النظام الجزائري تخبره فيها انها “تعترف بمبادرة الحكم الذاتي وتدعهما”، فإنها فعلت ذلك بسبب أحد الأمور الثلاثة:
الأمر الأول، وهو أن فرنسا شعرت بأن المياه راكدة بينها وبين المغرب، حالما لم تقرر الاعتراف الصريح بسيادة المغرب على الصحراء، وبادرت بهذه الخطوة تجاه الجزائر لتحدث زوبعة بدفع النظام الجزائري إلى الصياح والنباح، لإيهام المغرب بأنها فعلت ما بوسعها.
الأمر الثاني، هو دفع النظام الجزائري، وقد يكون ذلك بالتتسيق معه (لأنه قبل وبعد كل شيء نظام وظيفي بيد فرنسا) من أجل فتح جبهة من المواجهة بين المغرب والجزائر، في وقت تكون فرنسا تظاهرات بدعم الموقف المغربي.
الأمر الثالث، وهو أن فرنسا قد تكون بريئة من هذه الاستنتاجات سيئة الظن، رغم أنه لا توجد براءة في السياسة، وتريد أن تشعر المغرب بأهمية خطوتها المستقبيلة، وأنها وضعت النظام الجزائري فعلا أمام الأمر الواقع، خاصة أن الجميع يعرف مدى تغلغل فرنسا في الجزائر.
في مجمل الأحوال تتحمل فرنسا مسؤولية تاريخية في التلاعب بالحدود بين البلدان التي احتلتها، والمغرب أكبر ضحية للاحتلال الفرنسي للمنطقة، حيث فقد أجزاء كبيرة من صحراءه الشرقية ضمتها فرنسا إلى خارطتها في الجزائر حتى قبل أن تنسحب وتترك “دولة” هناك يقال إنها “مستقلة”، وهي على علاقة دائمة ومستمرة بباريس.
فضلا عن ذللك لا ينفي عاقل مدى استغلال فرنسا للوضع المتأزم بين المغرب والجزائر، ومدى استفادتها من نزاع الصحراء المفتعل.
لكي تصلح فرنسا علاقاتها مع المغرب يلزمها أن تتحلى بالجدية والواقعية، ثمة مناطق كثيرة في إفريقيا كانت حدائق خلفية لباريس وأصبحت الآن مستقلة، أو على الأقل لم تعد تحت النفوذ الفرنسي.
يجمع كثير من المحللين على أن سلوك فرنسا بات في الفترة الأخيرة مرتبكا وغير مفهوم، وأن الدولة هناك عالقة في وضع صعب، سواء على الصعيد الداخلي بسبب الانقسامات السياسية وصعود اليمين المتطرف، أو على صعيد الاتحاد الأوروبي، الذي يتداعى للتفكم، او على صعيد علاقاتها الدولية خاصة في مناطق نفوذها التي باتت بعيدة المنال.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News