عودة لموضوع “أطروحة” أنس اليملاحي وقضية السرقة العلمية
- بقلم عبد العزيز الطريبق //
أن تتأخر إدارة من الإدارات في معالجة ملفٍّ ما، قد نتقبل ذلك على مضض ونقول إنها “البيروقراطية” وأنهم موظفون غارقين في الملفات لكن أن تتأخر جامعة بأكملها، بما فيها الكلية المعنية، في الحسم في أطروحة دكتوراة وهل هي مسروقة ومنقولة من أبحاث أخرى، فهذا يدخل في باب العجب قبل رجب.
انفجر مشكل ما يعرف “بالسرقة العلمية” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان، منذ حوالي سنة، في 11 فبراير 2024، على إثر مقال نُشر بموقع “بناصا” شَكَّلت إثْرَه رئاسة جامعة عبد المالك السعدي لجنة للتحقيق في مبادرة أولية شجاعة (بتاريخ 19 فبراير 2024) وذلك للمقارنة ما بين دروسي بصفتي مشتكياً من نَقْل أنس اليملاحي لِما يُقارِب80 صفحة من دروسي في موضوع تاريخ الصحافة الوطنية بالشمال، قدمتُها لطلبتي في ماستر الصحافة والترجمة، (وكان اليملاحي من ضمنهم) وما بين أطروحة المُشتكَى به. اللجنة اتصلت بدايةً بعميد الكلية “المخلوع” (فيما بعد)، مصطفى الغاشي، الذي سلّمها نسخة قال إنها رسمية لأطروحة أنس اليملاحي تتكون من 208 صفحة أُنجِزت بمناسبة مناقشته لنيل الدكتوراة في موسم 19-2018، وهو نفس ما ادّعاه أنس اليملاحي.
لجنة رئاسة الجامعة اتصلت بي عبر الفيديو (بسبب وجودي خارج المغرب وقتها) لتخبرني بأن نسخة الدكتوراة الموجودة بحوزتي قديمة (موسم 17-2016) وتمت مراجعتها وتغييرها من طرف الأساتذة المؤطِّرين لتصبح من 208 صفحة عوض 337 صفحة) وبالتالي فنسبة النقل، “ظاهرياً”، لم تَعُد تتعدّى 20% وهي نسبة “مقبولة” حسب ما فهمت، رغم أن اللجنة قالت بأنها تستوجب إجراء ما في حق الناقل…
أخبرتُ هذه اللجنة، من جهتي، بوجود نسخة رسمية في مكتبة الكلية مسجلة في سجل المكتبة تحت رقم 63 وتتضمن أكثر من 380 صفحة وهي للموسم الجامعي 19-2018، موسم المناقشة، وتتضمن كذلك السرقة العلمية موضوع الشكاية. وهذه النسخة أضافت عدة صفحات للنسخة الأولى التي توجد بحوزتي لحساب الموسم الجامعي 17-2016 والتي يدعي أ. اليملاحي والعميد بأنها عُدِّلت لكي تُناقَش بعد رفضها بعامين، وتم التخفيض من عدد صفحاتها إلى 208.
حينها وجّهت لجنة رئاسة الجامعة جهودَ بحثها على نسخة مكتبة الكلية وعلى النسخة الرسمية التي أرسلتها الكلية لأرشيف المركز الوطني للبحث العلمي والتقني بالرباط وكذلك على النسخة التي وضعها أنس اليملاحي في المنصة الخاصة بالتوظيف، خصوصاً وقد تم تعيين أنس اليملاحي كأستاذ بالكلية بعد حصوله على الدكتوراة.
فماذا كانت خلاصة اللجنة بعد هذا البحث؟
أخبرتني اللجنة (في تقرير توصلت بنسخة إلكترونية منه بتاريخ 4 أبريل 2024) بأن الأطروحة “تنوعت كمّاً وكيفاً (من حيث عدد الصفحات والمحتوى)”. فبالإضافة للنسخة المسلَّمة للجنة من طرف العميد يوم 19/02/2024 ، والمتكونة من 208 صفحة بتاريخ الموسم الجامعي 19-2018، هناك أجزاء من النسخة التي أرسلتها شخصياً للجنة، وبها 337 صفحة عن الموسم 17-2016، والنسخة المُحمَّلة من منصة التوظيف الخاصة بأنس اليملاحي والمُكوَّنة من 336 صفحة بتاريخ الموسم 17-2016، والنسخة الحاملة للرقم 66 بمكتبة الكلية والمسلَّمة من طرف محافظ المكتبة وهي عن موسم 17-2016 وبها 339 صفحة، ثم النسخة الحاملة للرقم 63 بمكتبة الكلية والمسلَّمة من طرف محافظ المكتبة كذلك، وهي عن موسم 19-2018 وبها 386 صفحة، والنسخة الموضوعة في المركز الوطني للبحث العلمي والتقني (ِCNRST)، وهي عن موسم 19-2018 وبها 386 صفحة.
وعليه، يقول تقرير اللجنة، “تعذر على اللجنة التوصل إلى استنتاجات واضحة فيما يخص نسبة التطابق فقد أرسلت رئاسة الجامعة رسالة استفسارية إلى إدارة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والأستاذ المعني بالأمر في موضوع النسخ”. وهكذا يكون رئيس الجامعة قد وضع “حل” الملف بين يدي عمادة الكلية…
تساءلتُ، حينها، عن معنى هذه الخلاصة وهل تعني إنهاء عمل اللجنة ب”التعادل السلبي” من “باب إرضاء بعض الخواطر”؟ وهل يعني استفسار العميد في الموضوع والأستاذ موضوع الشكاية الدخول في مسطرة جديدة أم بداية إقبار هذا الموضوع “الغرائبي”؟ مع العلم أن وجود عدة نسخ من الأطروحة الواحدة كان كافياً لحسم الموضوع، فمن بين تلك النسخ كان هناك ما هو رسمي جداً ومتطابق في عدد صفحاته وتاريخه، كنسخة مكتبة الكلية ومثيلتها التي أرسلت للمركز الوطني للبحث العلمي بعد المصادقة عليها من طرف إدارة الكلية. كما تساءلت عن كيف يمكن تفسير سر تواجد نسخة يتيمة لدى العميد بها ما يفوق170 صفحة ناقصة عن النسخة الأولى، وغير حاملة لأي رقم تسلسلي ولا أثر لها سواء في مكتبة الكلية أو لدى المركز الوطني للبحث العلمي والتقني ، أو في ملف منصة التوظيف الخاصة بأنس اليملاحي؟ (وهل هناك أصلا أطروحة دكتوراة من 208 صفحة؟).
ثم كيف لأنس اليملاحي أن يضع نسخة بتاريخ 17-2016 في ملف طلبه للشغل، عِلماً بأن هذه النسخة تم رفْضها من طرف الأساتذة المشرفين وقتَها، كما أن مناقشة اليملاحي لأطروحته لم تتِمَّ سوى سنتين بعد هذا التاريخ؟ فماذا يعني أن تضع نسخة مرفوضة لأطروحة لم تُناقش بعد في ملف التشغيل؟
لم أجد جواباً لتساؤلاتي حينها، فعملت على الاتصال مباشرة برئيس الجامعة الذي أخبرني بأن الأمر أُوكِل للكلية التي تتوفر على “لجنة علمية” لها الصلاحية في دراسة الموضوع واتخاذ قرار فيه.
انتظرتُ بدون جدوى خلال فترة العميد “المخلوع”، مصطفى الغاشي، وهو ما كنت أتوقعه منه لأن تحضير وحيثيات اعتماد الأطروحة العجيبة تم في فترة توليه العمادة، وبالتالي لا يمكنه أن يشهد ضد نفسه. ثم انتظرت خلال فترة العميد بالنيابة وأخيرا بعد تنصيب العميد الحالي، ولا شيء جديد. ومازلت أجهل كل شيء عن هذه “اللجنة العلمية” للكلية وهل اجتمعت أصلا للنظر في الموضوع، وهو موضوع تم طرحه بشكل رسمي على الجهات المختصة (من رئاسة الجامعة وعمادة) كما تم تداوله بشكل واسع من طرف وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية، خصوصاً وقد تزامَن هذا مع ملف جنحي عرَف تورُّطَ أنس اليملاحي فيه وإدانته ب”3 أشهر سجناً (وهو أمر لا يهمني في شيء)، وبالنظر لكونه شخصية عمومية مع وجوده آنذاك كنائب لرئيس الجماعة الحضرية بتطوان.
فماذا يعني “عَجْزُ” جامعة عبد المالك السعدي وكلية الآداب بتطوان عن الحسم في هذا الملف الواضح وضوح النهار؟
رغم كل هذا التمطيط الذي لا أجد له سبباً منطقياً فأنا أَنْأى برئاسة الجامعة، وحتى بعمادة الكلية الحالية، عن رضوخهما ل”ضغطٍ” ما ومازلت أميل إلى الاعتقاد بكون الموضوع لا يتعدى “بيروقراطية” مسَّت قطاعاً يتوجب عليه أن يكون سريعاً في رد فعله، خصوصا والأمر يتعلق بمصداقية الشهادات العلمية ومصداقية الجامعة والكلية بل مصداقية التعليم العالي ككل.
لست من النوع الذي يتخلّى عن المطالبة بما يعتبره حقَّه، وإن كنت فضَّلت بدايةً حلَّ المشكل على مستوى كلية الآداب بتطوان وجامعة عبد المالك السعدي، فإني لن أنتظر الذي يأتي ولا يأتي ولديَّ الاستعداد التام للجوء لمستويات أخرى تَوخِّياً لإنصافي والذي هو إنصاف لمصداقية الشهادات العلمية بمدينتنا، بل في عموم بلدنا المغرب.
أتمنى أن يعمل العميد الجديد على نفض الغبار عن هذا الملف الذي قطعت فيه رئاسة الجامعة نصف الطريق وجمده العميد السابق “المخلوع” لغاية في نفسه، والذي لم يسبق له أن أدلى بأدنى توضيح في الموضوع رغم اطلاعه الكامل عليه بطريقة رسمية ورغم الضجة الإعلامية التي أثيرت حوله.
- عبد العزيز الطريبق، في 22 دجنبر 2024
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News