
على هامش الاحتفال باليوم العالمي للمرأة .. المرأة الامازيغية في سوس هي تمغارت وورغ
- ذ.محمد بادرة //
أثناء تصفحنا للمصادر التاريخية القديمة من قبيل تحفة النظار لابن بطوطة او كتاب المغرب للبكري او العبر لابن خلدون او نزهة المشتاق للإدريسي او غيرها من المصادر التاريخية القديمة سنندهش لمكانة وصورة المرأة الامازيغية في تلك العصور القديمة حيث اشارت هذه المصادر وغيرها الى مواهب المرأة الامازيغية و كفاءتها في مجالات عدة سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية تفوق فيها قوة الرجل ومكانته. ونقرا عن ابن بطوطة قولا اشار فيه الى اندهاشه للمكانة التي حظيت بها المرأة الامازيغية في عصره او في العصور السابقة اذ انها احتلت مكانة هامة وسط افراد القبيلة والعشيرة والاسرة واشار في كتابه تحفة النظار ان نساء قبيلة( مسوفة – قبيلة صنهاجية- يتصفن بجمالهن الفائق، وشانهن اعظم من شان الرجال..) وهذه القوة – في اعتقاده- تبرز قوة مجتمعهم في الحرية التي تتمتع بها المرأة المسوفية حيث لا سلطة مهيمنة او متسلطة او قاهرة على نساء القبيلة رغم سفورهن واختلاطهن بالرجال الا انهن( محافظات على العرف وعلى القوانين القبلية ومواظبات على الصلوات..)-تحفة النظار في عجائب الامصار- ابن بطوطة
المرأة الامازيغية اما كانت ام زوجة ام جدة كانت تتمتع بسلطة قوية داخل الاسرة حيث تحضر وتشارك في كل القضايا العامة والخاصة بأسرتها وعشيرتها وقبيلتها واليها يعود الفضل في الحفاظ على حروف تيفناغ (الابجدية الامازيغية) في الالبسة والحلي والزرابي ونقش الحناء.
المرأة الامازيغية كانت في زمن الحرب تتكفل بالأسرى، ترعاهم وتداويهم الى ان يتحدد مصيرهم بفدائهم او اطلاق سراحهم الى حين ايصالهم الى ذويهم بواسطة النساء العجائز لما لهن من تقدير واحترام من طرف الجميع خصوما ومتحالفين.
المرأة الامازيغية كانت في زمن السلم هي المسؤولة على الحفاظ على الثروة المادية لعائلتها وهي الحريصة على تنميتها بالعمل المتفاني في المراعي والحقول و المغازل والمناسج لغزل ونسج الزرابي والالبسة وهو ما حررها من الاشغال المنزلية وان لم تتخلى عن وظيفتها في البيت تربية وتدبيرا للشأن المنزلي.
المرأة الامازيغية وجدت ضالتها في التنظيم القبلي القائم على مبدا المساواة والتعادلية بين افراد القبيلة ووجدت ضالتها في الاعراف والتقاليد الامازيغية التي ترفع من قيمة المرأة ونفودها في بيئة تعتمد على النسب الاموسي او (الامومي) في مرحلة سابقة على الفتح الاسلامي حيث كان الابناء ينتسبون الى امهاتهم مثل انتساب ابن تومرت لامه او جدته وان اعتبر عدد من المؤرخين ذلك من بقايا الماضي.
المرأة الامازيغية كانت قد تألقت في سماء الثقافة والادب ونالت نصيبا وافرا من العلم لا يقل عن نصيب الرجال في مجتمع تسوده سلطة الفقهاء ورجال الدين (دولة المرابطين).
ومن النساء الامازيغيات اللواتي اشتهرن في هذا المجال نذكر الاميرة تميمة بنت يوسف بن تاشفين اللمتونية – حواء بنت تاشفين – زينب النفزاوية المشهورة في المصادر التاريخية وادوارها الحاسمة في كثير الاحداث التي عرفتها الدولة المرابطية وفي مشاركتها وتسييرها للشؤون السياسية والادارية لمجتمعها.
المرأة السوسية
المرأة في اللسان الشلحى تعني (تمغارت)وجمعها (تيمغارين) وهي لفظة تدل على شخص ذو مكانة اجتماعية وسياسية متميزة كما تعني شخص له شان وسلطان ولفظة (تمغارت) صيغت من الجدر اللغوي (م غ ر)ومنها صيغ لفظ (ءامغار) وهو الشخص الكبير المرموق اجتماعيا. انه لفظ لا يطلق الا على اكابر القوم وللتأكيد على قيمة هذا اللفظ عند الامازيغ فانه يمكن الاحالة على شخص المهدي بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية وزعيم قبيلة مصمودة الذي كان يطلق عليه من بين ما يسمى اسم (ءامغار)وهو اللقب الذي اخذه عن قبيلته وعشيرته واسرته.
وبعد ان اكتسب هذا اللفظ قيمة اعتبارية تأنث على صيغة (تمغارت) وهو لفظ يحمل معنى تعظيم شان المرأة وهو ما يبين ما ذهبت اليه المصادر القديمة من ان القبائل الامازيغية كانت الى عهد سابق تنتسب الى الام اكثر ما تنتسب الى الاب (مجتمع اموسي – او امومي) حيث كانت المرأة صاحبة الشأن في مجتمعها ولا تزال تؤدي وظائف جليلة تستحق عليهما الاكبار والتعظيم.
المرأة الامازيغية في سوس تحدت ظروف الهجرة الداخلية والخارجية، وتحدت قساوة البيئة، وتعايشت مع ظروف الخصاص والتهميش والاقصاء الاجتماعي والاقتصادي في البادية السوسية، وبقيت صامدة تواجه جبروت الحياة الجديدة محافظة على ارث اجدادها وحارسة امينة للأرض والشجر.. تحرث تحصد تغزل تنسج وتنمي الرصيد المادي والرمزي للعائلة.
المرأة الامازيغية في سوس تحملت مسؤولية التربية في غياب او ضعف المؤسسات التربوية والاجتماعية الموازية، فهي ام ومربية وممرضة وفلاحة وراعية وحارسة على ارث وموارد الاسرة الشحيحة. وهذا التحدي الاسطوري هو الذي جعل البوادي السوسية في اعالي جبال الاطلس الكبير والصغير تحافظ على وجودها واستمرارها رغم الظروف المعيشية القاسية بالمقارنة مع مثيلاتها في وسط المغرب وشماله.
المرأة الامازيغية في سوس كان لها دور اجتماعي واقتصادي في تحريك دواليب الانتاج المحلي بمهارتها الفائقة في صناعة الحلي ونسج الزرابي والملابس الصوفية مستخدمة كفاءتها الفنية الفطرية ولنا في نساء تز ناخت خير دليل على الابداع الفني الاصيل للمرأة السوسية.
المرأة الامازيغية في سوس لعبت دورا هاما في المقاومة الشعبية حيث كانت تشحن البندقية الثانية عندما يكون زوجها او اخوها او قريبها صاعدا للبرج او سطح المنازل ليفرغ البندقية الاولى وكانت تحمل المؤن ليلا الى اعالي الجبال وداخل الخنادق لتزويد المجاهدين والفدائيين بالطعام والثياب والعتاد وكانت تشجع بالزغردة المجاهدين وتلطخ الهاربين بالحناء او بالتراب الاحمر ليكونوا مميزين بين الناس بالجبن والخيانة.
وحتى انها شاركت في الحروب كمضمدة للجروح والتداوي بالأعشاب وبالنار ولنا على سبيل المثال لا الحصر معركة ايت عبد الله (1928-1934) بقيادة الحاج عبد الله زكور وهي ممن اشهر معارك الجنوب.
والمرأة الامازيغية في سوس تتمتع بالحرمة اثناء صراع القبائل فيما بينها ففي حاحا مثلا اذا اراد احد الاهالي ان ينتقل من مكان الى اخر فعليه ان يصحب معه بعض رجال الدين او النساء من فريق خصومه.
النسق الاجتماعي واثره في دور المرأة السوسية
المجتمع القروي الأمازيغي في سوس كغيره من المجتمعات يمتلك جملة من القيم والاعراف والتقاليد التي تميزه عن المجتمعات الاخرى وهو كذلك مجتمع حي متجدد يتغير بحسب تغير النسق الاجتماعي، فقد كان في الماضي مجتمعا ذي طابع اموسي (امومي) وبفعل التطورات والتحولات التاريخية تحول الى مجتمع ذكوري (بطريكي) حيث السلطة تتمركز في يد الرجل (الاب) داخل الاسرة وفي العشيرة والقبيلة الا انه رغم بطريكية المجتمع الامازيغي فإنها لم تقضي بتاتا على بعض بنى ثقافة عصر الامومة في الوعي الجمعي الامازيغي ومن الصور والعادات التي ماتزال حاضرة من هذه البنى الثقافية عن دور ومكانة المرأة الامازيغية في سوس:
- احتفاظ المرأة الامازيغية في سوس بمكانتها ووظيفتها الرئيسية داخل الاسرة مع افساح مجال تحررها وتحركها في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية فبقيت محترمة مصانة الحقوق مع استمرار سلطتها الرمزية كربة بيت وعائلة.
- مشاركة المرأة الامازيغية في سوس في معظم الانشطة الاجتماعية والاقتصادية بشكل لا حدود له. فهي عاملة في الحقل الزراعي، وراعية ومربية للحيوانات الاليفة والدواجن، وصانعة وناسجة للزرابي والاغطية وللملابس، وكل هذه الانشطة وغيرها هي مصدر رزق اسرتها الى جانب وزوجها واقربائها ومادامت هي مصدر رزق اسرتها فإنها مسموعة الكلمة ومشوراتها مستمرة في كثير من الامور الحياتية.
اما عن حياتها الخاصة فالمرأة الامازيغية في سوس لا تجدها تضع البرقع ولا النقاب المشرقي وانما تتزين بما تنسجه النساء الامازيغيات المحليات من قبيل (ادال) وهي قطعة ثوب بيضاء يغطى بها الراس وتمتد من الاعلى الى الاسفل و(تحايكت) و(تملحافت) و(القطيب) وهو قطعة ثوب حمراء تتخللها خيوط من الوان مختلفة توضع فوق الراس ويتم شده بحلي ودمالج مصنوعة من الفضة.. وكل هذه الالبسة والحلي اكثرها ما يزال مستعملا الى الان وهو ما يضفي على المرأة الامازيغية زينة و وقارا.
اما حديث بعض الباحثين والدارسين الكولونياليين وغيرهم عن سفور المرأة الامازيغية فهذا ليس خروجا عن الاعراف ولا عن الآداب العامة بل هو مرتبط ارتباطا خاصا بحرية الاختلاط بين الجنسين في المجتمع الامازيغي وذلك في مواقع الحياة اليومية كلها( الحقول الزراعية- المراعي- الاسواق – المواسم الدينية- الاعراس..) انه نوع من العفة والثقة بالآخر اذ ان المرأة الامازيغية لها منزلة محترمة في المجتمع الامازيغي، كما ان هذه الحرية في الحركة والاختلاط راجع الى الثقافة (الديموقراطية) التي ورثها الأمازيغ منذ العهود القديمة.
لكن ومنذ اكثر من خمسة عقود تغيرت العديد من العلاقات مع التغيير في نمط الحياة العامة والخاصة بفعل التغيير في نمط الاقتصاد وسياسة تدبير الشأن العام، ولاشك ان يؤثر نمط النظام الاقتصادي وسياسته ونوعية موارده في انماط العلاقات الاجتماعية تأثيرا قويا فتغيرت كثير من المفاهيم واساليب العلاقات بين افراد الاسرة الواحدة لكن مع ذلك لم يتم تهميش المرأة الامازيغية في مجتمعها المحلي بل حافظت على منزلتها ومكانتها في كل الامور العائلية والاسرية وبكل تفاصيلها فاستحقت ان تكون مفخرة للرجل في مراحل السيرورة التاريخية زوجة واما .. لأنها هي اصلا كانت ملتزمة بحدودها ولا تحتاج الى من يحدد لها الحدود كما ان ذهنية الانسان الامازيغي الاجتماعية استطاعت التكيف مع شروط الحياة الجديدة دون السقوط في مشاريع غزو العولمة اوفي براثنها وقشورها.
هكذا كانت المرأة الامازيغية في سوس ماضيا وحاضرا نموذجا للمقاومة ضد الغزو و مثال التحدي ضد كل ظروف الفاقة والفقر والحاجة فاستحقت اسم (تمغارت وورغ).

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News