
علماء الاركيولوجية يسقطون المرويات والسرديات السلبية بخصوص الحضارة الامازيغية
يقترحه عليكم الحسين بوالزيت صحافي وباحث في التاريخ:
تعد فكرة وجود حضارة أمازيغية ضاربة في عمق التاريخ، فكرة قديمة جدًا، فقد قال المؤرخ الروماني سالوست (86 – 35 ق.م.) إن “الأمازيغ هم السكان الأصليون لشمال إفريقيا، سبقوا الفينيقيين بقرون، وكانت لهم ممالك قوية وتنظيمات سياسية متقدمة.”
من جهته، روّج بعض المؤرخين لفكرة أن الفينيقيين هم من أسسوا المدن الكبرى في المغرب، معتبرين أن الأمازيغ لم يعرفوا الحضارة إلا بفضل التأثير الفينيقي والروماني، وهو طرح استمر لقرون طويلة، حتى بعد الاستقلال السياسي لدول شمال إفريقيا.
وقد تبنت المدرسة الاستعمارية هذا التصور، حيث تحول من فرضية تاريخية إلى “حقيقة” تُلقّن في المناهج الدراسية، لتبرير الطرح القائل إن الحضارة في المنطقة لم تكن أمازيغية خالصة، بل نتيجة تأثيرات خارجية. وهكذا، أصبح نقد هذه الرواية شبه مستحيل، لأن ذلك يعني المساس بمرجعيات تاريخية راسخة.
لكن عالم الآثار المغربي يوسف بوكبوط تحدى هذه الفكرة، إذ أكد، استنادًا إلى الحفريات والدراسات الأثرية، أن “المغرب لم يكن مستعمرة فينيقية، ولم تكن هناك مدن فينيقية، بل كانت هناك حواضر أمازيغية ذات طابع محلي تطورت بشكل مستقل.”
وذهب “بوكبوط” أبعد من ذلك، إذ اعتبر أن الأمازيغ كانوا يملكون حضارة متقدمة قبل وصول الفينيقيين والرومان، وأن التفاعل الثقافي لم يكن هيمنة من طرف واحد، بل كان الأمازيغ فاعلين أساسيين في تشكيل هويتهم التاريخية. ونحن نعلم اليوم أن الاكتشافات الأثرية الحديثة تدعم هذه الفرضية.
وقد اعتُبر طرح بوكبوط بمثابة “إعادة كتابة التاريخ”، وواجه رفضًا من بعض المؤرخين التقليديين، لكنه استمر في الدفاع عن موقفه استنادًا إلى المعطيات الأركيولوجية. وقد كشفت الاكتشافات الحديثة عن مواقع أمازيغية عريقة، تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، تؤكد الاستقلال الحضاري للأمازيغ.
كان علينا انتظار عقود من البحث العلمي لدحض الرواية الكلاسيكية حول الهيمنة الفينيقية، إذ تم خلال السنوات الأخيرة العثور على آثار مدن وممالك أمازيغية مستقلة، مثل مملكة موريتانيا الطنجية، التي كانت لها سيادة قبل التأثير الروماني.
وللتذكير، هناك مئات المواقع الأثرية في شمال إفريقيا التي تعود لفترات ما قبل الفينيقيين، وتؤكد أن الأمازيغ كانوا أصحاب حضارة قائمة بذاتها. فإذا كان لكل منطقة ماضيها العريق، فإن تاريخ الأمازيغ لم يبدأ مع وصول الفينيقيين، بل يمتد لآلاف السنين قبلهم.
لقد أسقط بوكبوط وغيره من الباحثين، الذين كانوا ضحايا الجمود الأكاديمي، التصورات الاستعمارية على محك الواقع، إذ لا توجد أي علاقة بين السرديات الأيديولوجية حول التاريخ، التي بُنيت على الانتقائية، والمنهج الأركيولوجي القائم على الاكتشاف والتحليل والتفسير النقدي.
فكلما اصطدمت الحقائق العلمية بالتأويلات التاريخية إلا وانتصر العلم. وهكذا ساد البحث الأثري على الروايات التقليدية، واتخذ التاريخ مسارًا جديدًا يعتمد على الدليل المادي لا على الرواية الموروثة.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News