
عبيد محمد هوندو: السينمائي الافريقي الذي حاور الشمس
- محمد بكريم //
في الأسبوع الأول من شهر مارس 2019 توفي ذات صباح باريسي بارد السينمائي الموريتاني عبيد محمد هوندو (والذي يناديه اصدقاؤه اختصارا “ميد هوندو”). موريتاني حقا سينغالي من جهة المولد ومغربي المولد (مايو 1936 في بلدة بني مطهر – ضواحي وجدة) والدراسة حيث استفاد في بداية الخمسينات من منحة دراسية في مدرسة الفندقة بالرباط. بل تحكي أخته أنه كان يتمنى أن يدفن في المغرب
بالنسبة لعامة الناس، فهو في المقام الأول صوت يمكن التعرف عليه من بين ألف صوت. صوت قوي، بدون نغمة كاذبة، فقد اشتغل كممثل أصوات (doublage). أصوات ممثلين كبار مثل إيدي ميرفي، ومورجان فريمان، والقرد رافيكي من فيلم “الملك الأسد”، أو حتى الحمار من فيلم “”شريك”. كان ميد هوندو واحدًا من أعظم ممثلي الدبلجة في تاريخ السينما الفرنسية. إذا كان ميد هوندو يتمتع بموهبة التجسيد بصوته،
ولكن قبل هذا وذاك وقبل كل شيء كان ميد هوندو وأحد من أعظم المخرجين الأفارقة في القرن العشرين، ورائد السينما الافريقية الأصيلة إلى جانب سامبين عثمان وبولين سومانو فييرا. سينمائي اخراجا وتمثيلا ورجل مسرح وكاتب سيناريو
وفي مواجهة العنصرية العنيفة التي انتشرت في فرنسا في الستينيات، لجأ إلى الكاميرا لتصوير الهجرة الأفريقية إلى فرنسا على الشاشة وانجز رائعته السينمائية “أيتها الشمس” (1967).”Soleil Ô”،
أول فيلم روائي طويل للمخرج بعد معاناة عاشها كمهاجر قادم من مستعمرة قديمة، يروي قصة مهاجر أسود في باريس في ستينيات القرن العشرين ولكن بصيغة تجاوزت الطرح المباشر لصياغة لغة سينمائية تستمد روحها الدرامية من التراث التراجيدي الافريقي فقصة العامل المهاجر تأتي في سياق جمالي يعود الى ماض الممارسات الاستغلالية مع مشاهد افتتاحية بنيت بشكل مسرحي تحيل الى الاغتصاب الثقافي الذي تعرضت له القارة السمراء مع اقتلاع جذور الهوية بفرض طقوس انتماء هجين (مثل ترديد لازمة “أسلافنا الغال”) …
ويمثل الفيلم نقطة تحول في تاريخ السينما الأفريقية. وتم اختيار فيلم ميد هوندو في مهرجان كان السينمائي في أسبوع النقاد عام 1970، وفاز بجائزة الفهد الذهبي في مهرجان لوكارنو السينمائي في نفس العام. لكن الفيلم مُنع في العديد من البلدان ولم يتم توزيعه في فرنسا حتى عام 1973.
مرحلة السبعينات التي ستعرف تحولا سياسيا ايديولوجيا في مساره حيث سينجز مثلا أفلام تحت الطلب داعمة لأطروحة الانفصاليين بالجنوب المغربي. ولكن سرعان ما سيكتشف سرب الطرح الانفصالي ويعود الى السينما ذات الأفق الثقافي – الانثروبولوجي في سياق صراع مع قوات استعمارية كما هو الحال في تحفته التاريخية «سارا نويا” (1986) في انتاج مشترك مع بوركينا فاصو. ملحمة تخلد مقاومة الملكة سارا نويا بغرب افريقيا.
وقد تعاملت معه السلطات المغربية بشكل راق جدا مما ساعده كثيرا لتحمل ظروف العيش خلال مراحل مهمة من حياته. وكنموذج على ذلك استضافته في مهرجان “كان” من طرف المركز السينمائي المغربي في عهد الراحل نور الدين الصايل الذي كلفني بمرافقته الى مكان إقامة الوفد المغربي.
وكانت مناسبة تبادلنا اثناء الطريق دردشة مع انسان نموذج للمثقف الافريقي الرصين والعميق. وستسمح الظروف بملاقاته من جديد بجوهانسبورغ (جنوب افريقيا) خلال القمة السينمائية الافريقية (الصورة) حيث كان بيننا تنسيق تام كما مع الاشقاء الجزائريين وكنا نتحرك كصوت واحد، وربما تأتي مناسبة لأحكي بعض التفاصيل حول ذلك لتبرز عمق الأخوة المغاربية في المجال الذي جمعنا …وذلك بفضل السمعة الطيبة التي كان يحظى بها الراحل نورالدين الصايل الذي أسس لنموذج ناجح للديبلوماسية الموازية.
عبيد محمد هوندو دائم الحضور بيننا بفضل أفلامه ويسعدني دائما التلقي الذي تلقاه عندما أقدمه لطلبة السينما بمراكش ومن ضمنهم القادمين من جنوب الصحراء، وهكذا تجسد السينما قنطرة الحوار بين الأجيال عبر اختيارات فنية متنوعة.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News