
ضرب الأعناق ولا قطع الأرزاق..!
- الأمين مشبال*//
تتبعت بحسرة صبيحة اليوم صور ومقاطع فيديو تتعلق بوقفة احتجاجية نظمتها النقابة الوطنية لأطر ومستخدمي المجلس الوطني للصحافة المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل تستنكر الطرد التعسفي من العمل للمناضلتين النقابيتين هدى العلمي ووئام لحرش. اللافت للانتباه في هذا الحدث الذي يتكرر وللأسف الشديد عبر ربوع البلاد، كون الجهة التي كانت تقف خلف قرار الطرد والتشريد لا تنتسب لصنف من الباطرونا يهمه بالدرجة الأولى جني أقصى الأرباح، واستغلال ظروف الفاقة والحاجة لدى العمال لحرمانهم من الحقوق التي توفرها مدونة الشغل، وممارسة أبشع أنواع الاستغلال لقوة عملهم.
الغريب والعجيب في الأمر يتمثل في كون الجهة التي قامت بتشريد موظفتين في غضون شهور معدودة فقط، مؤسسة ذات طبيعة خاصة (المجلس الوطني للصحافة)، يفترض في الساهرين على تدبير شؤونه انتسابهم لنخبة مثقفة تتوفر على رصيد نقابي وسياسي ومعرفي وإنساني يجعلها تترفع وتنأى بنفسها عن “الحروب الصغيرة”، وتلجأ إلى الحكمة وبعد النظر في التعامل مع المشاكل والنزاعات التي قد تبرز في السير اليومي لهذا المرفق الذي شكل في بدايته مكسبا طال انتظاره للجسم الصحفي المغربي، بيد أن ما أقدم عليه رئيس اللجنة المعينة من طرف الحكومة لتدبير شؤون القطاع يذكرنا بالبيت الشعري لطرفة ابن العبد: “وظلم ذوي القربى أشد مضاضة من وقع الحسام المهند”، وبحكمة في نفس المعنى : “اللهم قني شر أصدقائي أما أعدائي فأنا كفيل بهم”.
خلال تجربتي في الإدارة المغربية (1986- 2015)، اشتغلت تحت إمرة 2 رؤساء منتخبين، وتحت إمرة 5 ولاة، إضافة إلى تتبعي الإعلامي للشأن المحلي بتطوان على مدى 30 سنة، كنت شاهدا على خروقات وتجاوزات وأحيانا شطط في استعمال السلطة، وأذكر جيدا أن قرار الطرد أو الفصل من الوظيفة، حتى في حالة حدوث أخطاء جسيمة، يتم تفاديه، ويعوض بالإعفاء من المسؤولية أو بالتنقيل وغيرها من الإجراءات التأديبية.
لذا أستغرب بل وأتألم أننا في مغرب ما بعد دستور2011 ، وتجربة الإنصاف والمصالحة 2011لما ترتكبه اللجنة المعينة لتدبير الشأن الصحافة من تجاوزات وخروقات عديدة ستجعلها تخرج من الباب الصغير، وتخلد في ذاكرة الصحفيين والحقوقيين ببلادنا باعتبارها فترة سوداء ساهمت في تردي أحوال الصحافة المستقلة، والسعي لإسكات من تسول له نفسه شق عصا الطاعة، ويغرد خارج سرب تحالف المال والسلطة.
إن ما جرى ويجري في الحقل الصحفي المغربي في الآونة الأخيرة من مضايقات ومحاكمات للصحفيين، لا يعدو أن يكون مجرد مرآة تعكس المسخ الذي ينتشر مثل سرطان صامت وقاتل داخل المجتمع السياسي المغربي، والذي لا يقل في بشاعته عن المسخ الذي أصاب غريغور بطل رواية فرانز ” المسخ” لفرانز كافكا، La métamorphose الذي وجد نفسه ذات صباح وقد تحول إلى حشرة بشعة ملتصقة بسقف غرفته.
هذا التحول/ المسخ السياسي والمجتمعي الذي نتابع أطواره، كان من أبرز نتائجه تارة خلق شريحة من المتحولين المرضى بداء الكرسي، ويتخذ أحيانا أشكالا كاريكاتورية (لا تخلو من أبعاد مأساوية) تارة أخرى،كما كان الشأن في الآونة الأخيرة حينما أضحى ورثة حزب المحجوبي أحرضان أكثر جدية في لعب دور المعارضة والسعي لتقديم ملتمس الرقابة ضد حكومة أخنوش من ورثة حزب المهدي بنبركة وعمر بنجلون؟!
*إعلامي وباحث في الخطاب السياسي

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News