المغرب اليوم

شح الماء وشبح الجفاف يلاحقان المغرب

(وكالة أنباء العالم العربي) – يبدو عبد الصمد مومن (44 عاما)، الذي يستأجر ضيعة زراعية بمنطقة مديونة بضواحي مدينة الدار البيضاء المغربية، متذمرا غاضبا بعد أن قضى الجفاف على محصوله من الملفوف الأخضر بالكامل.

بنبرة أسى، قال الفلاح الذي تبلغ مساحة ضيعته 30 هكتارا (حوالي 74 فدانا) “خلال الأسبوعين الماضيين، حفرت أربع آبار كان أغلبها جافا من الماء. تمكنت من الحصول على القليل من الماء بعد حفر إحداها بعمق 50 مترا”.

وأضاف “المياه الجوفية نقصت بشكل كبير، أكاد أجن”.

يزرع مؤمن بضيعته البطاطس (البطاطا) والقرنبيط (القنبيط) والبسباس (الشمر) والملفوف الأخضر. ومعظم محصوله تضرر بشح المياه، لم ينجُ منه سوى محصول البطاطا.

ويعتبر محمد بنعبو، خبير المناخ والتنمية المستدامة، مسألة نقص المياه في المغرب “إشكالية بنيوية وهيكلية” بعد توالي سنوات الجفاف على المغرب مما أثر على موارده المائية كثيرا.

وقال لوكالة أنباء العالم العربي “الواقع هو أن وضعية السدود في تراجع مستمر مقارنة مع السنة الماضية. نسجل اليوم عجزا يفوق 80 بالمئة، وهذه السنة السادسة على التوالي كسنة جفاف بامتياز”.

وتابع “المياه الجوفية هي الأخرى تعرف ضغطا كبيرا بسبب تناقص الموارد المائية بالإضافة الى تراجع مستوى عدد من المسطحات المائية بمعدلات قياسية. أثّر ذلك حتى على التزود بالماء الصالح للشرب”.

* تغير المناخ ونقص الأمطار

يشير بنعبو إلى ارتباط الأمر بحصة الفرد من الماء سنويا، ويقول إنه في ستينيات القرن الماضي كانت حصة المواطن تفوق 2600 متر مكعب في السنة، قبل أن تتراجع إلى نحو 600 متر مكعب سنويا حاليا، وهو رقم قريب من مستوى شح المياه المحدد عند 500 متر مكعب حسب التصنيفات الدولية.

ويضيف “هذا الرقم يختلف من حوض مائي إلى آخر”، مشيرا إلى أن حصة الفرد من الماء لا تتعدى ما بين 80 و100 متر مكعب في بعض المناطق “وهذه المسألة لها علاقة بالتزايد الديموغرافي السريع حسب كل منطقة وتناقص الموارد المائية”.

قال “حتى التساقطات المطرية والثلوج أصبحت لا تحقق العدالة المجالية نوعا ما، ففي الغالب تتركز بشكل كثيف بالمنطقة الشمالية والشمالية الغربية”.

وبحسب الأرقام الصادرة في الموضوع، قال بنعبو “الأحواض المائية التي تعرف انتعاشة في السدود هي حوض اللوكوس وحوض سبو بالجهة الشمالية والشمالية الغربية”. وشهد حوض تانسيفت بالشمال الغربي هذه السنة أمطارا استثنائية خلال فبراير شباط الماضي ما جعل نسبة مياهه تتعدى 60 بالمئة.

أما الأحواض المائية الأخرى، فتعاني جفافا وإجهادا مائيا من الصعب تعويضه خلال السنوات المقبلة. وقال بنعبو إن “هناك استنزافا للموارد المائية على مستوى الآبار المنتشرة على الصعيد الوطني، وهي في الغالب آبار غير قانونية، وبالتالي فهي سرقة حقيقة لهذا الموروث المائي”.

وعن أسباب نقص المياه قال “هناك أسباب مناخية متعلقة بقلة تساقط الأمطار، وهي ظاهرة عالمية لا تخص المغرب فقط، بالإضافة إلى العامل البشري الذي يساهم بشكل كبير خاصة عندما نتحدث عن الاستنزاف وعدم الترشيد”.

وهناك أيضا إشكالية مرتبطة بالبنية التحتية، إذ تتسرب المياه الصالحة للشرب ومياه الزراعة. وحسب إحصائيات وزارتي التجهيز والماء والفلاحة، تضيع 40 في المئة من المياه بشبكات الري قبل الاستفادة منها في السقي الزراعي.

وتوقع بنعبو أن تكون فترة الجفاف هذه “مرحلة مؤقتة”، مشيرا إلى أن مسألة تغير المناخ ليست مسألة ثابتة، وقد تأتي سنوات من الأمطار لتغطي حاجيات السدود والأحواض من المياه، بالإضافة مجهودات الدولة في هذا الإطار.

* الزراعة.. المستهلك الرئيسي للماء

رغم خسائر محمد جنديل، الذي يمتلك عشرة هكتارات مزروعة بمنطقة ولاد زيان بضواحي الدار البيضاء، فإنه يتحدث بقدر واضح من الهدوء وتقبل الواقع. غير أن نبرة الحزن لم تكن خفية.

قال جنديل (67 عاما) “مزروعاتي عبارة عن القرنبيط والفلفل الحار. بسبب قلة التساقطات المطرية أضيفت مصاريف السقي، الأمر الذي يؤثر على ثمن البيع بالجملة”.

ويعطي مثلا بالفلفل الحار الذي كان يباع قبل ثلاث سنوات حين كانت التساقطات المطرية جيدة بسعر 2.5 درهم، بينما ارتفع سعره السنة الماضية إلى أربعة دراهم بسوق الجملة، ومع ذلك  لم تغطِ هذه الزيادة المصاريف.

يبيع جنديل محصوله لشركات بالدار البيضاء متفاديا التعامل مع الوسطاء، ويعمل مع أربعة عمال دائمين يتكفلون بسقاية الزرع ومتابعته. وفي موسم الجني، يستقطب 20 عاملا إضافيا.

وحسب المعطيات الصادرة عن وزارة التجهيز والماء، تقدر الموارد المائية السطحية بالمغرب في السنة بنحو 18 مليار متر مكعب في المتوسط، ويبلغ حجم الموارد المائية الجوفية القابلة للاستغلال بطريقة مستدامة حوالي أربعة مليارات متر مكعب في السنة، أي ما يعادل 20 في المئة من الحجم الإجمالي للمياه الطبيعية المتاحة بالمغرب.

وشهدت العقود الأخيرة انخفاضا ملحوظا في وتيرة هطول الأمطار السنوية خصوصا في فصل الربيع، ومع ارتفاع درجة الحرارة بجميع أنحاء البلاد بحوالي درجة مئوية واحدة.

وتعد سقاية الحقول الزراعية هي المستهلك الرئيسي للماء بالمغرب. وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية التي تحتاج للمياه، بحسب أرقام بالموقع الرسمي لوزارة التجهيز والماء، مليونا و660 ألف ھكتار، منها مليون و360 ألفا مسقية بصفة دائمة من السدود و300 ألف مسقية موسميا من مياه الأمطار. وتبلغ مساحة الأراضي المملوكة للدولة مليون هكتار.

* “الوضعية مقلقة”

تثقل أزمة المياه كاهل المغرب، خاصة مع عجز الإجراءات المتخذة منذ سنوات عن حلها، ويلوح شبح الجفاف وتداعيات مقلقة على العديد من مؤشرات القطاعات الحيوية.

وتعيد الأزمة الحالية إلى الأذهان أزمة 2017 عندما كانت مدينة زاكورة بجنوب المملكة مسرحا لتظاهرات ضد انقطاعات المياه المتكررة.

يقول مصطفى مجيدي، المتخصص في التنمية المستدامة والطاقة بالجمعية المغربية للسياسات العمومية، “الوضعية في المغرب مقلقة، لأنه في السنوات الأخيرة انخفضت الموارد المائية بحوالي 85 في المئة بحسب إحصائيات وزارة التجهيز والماء والمندوبية السامية للتخطيط، بالإضافة إلى انخفاض منسوب السدود بشكل كبير وصل إلى 24 في المئة”.

وتابع قائلا لوكالة أنباء العالم العربي إن المغرب “لم يسبق له أن عرف هذا الانخفاض المقلق في الماء، فنحن نعيش مرحلة جفاف صعبة، وهي الأكثر صعوبة منذ أربعة عقود”.

أشار مجيدي أيضا إلى عامل الضغط السكاني، موضحا أن الطلب على الماء يزداد بتزايد عدد السكان، بالإضافة إلى النمو الاقتصادي، إذ أن الأنشطة الاقتصادية تتطلب الماء، فضلا عن التغيرات المناخية التي تؤثر بشكل مباشر على الموارد المائية.

وعن مجهودات الدولة في التصدي لمشكلة نقص المياه قال “هي مبادرات متأخرة، وللأسف النظرة الاستباقية للحكومة لم تكن في الموعد”.

وفي اعتقاد مجيدي، بالإمكان ضبط إشكالية نقص الماء في المغرب من خلال عدة مبادرات، منها معالجة المياه العادمة، وهي تلك التي تخلفها المصانع والمنازل وغيرها، بحيث تستخدم في الري.

وقال “المغرب بصدد إنجاز محطات التحلية، بالإضافة إلى البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي”. ويأمل المزارعون أن تنقشع غمة الأزمة، وتعود الأمور لسابق عهدها.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى