
سوس ماسة في مرمى الخطر البيئي: أعداء الطبيعة يهددون رئة وسط المملكة
- بقلم: حسن كرياط//
تقف جهة سوس ماسة اليوم على شفا كارثة بيئية تلوح في الأفق، رغم ما تزخر به من ثروات طبيعية وتنوع بيولوجي يجعلها من أغنى مناطق المغرب بيئياً. غير أن هذا الغنى الطبيعي لم يشفع لها أمام زحف التهديدات المتعددة، التي تتراوح بين التلوث المتفاقم، والاستنزاف الجائر للموارد، والتغيرات المناخية المتسارعة، وانقراض أنواع من الكائنات الحية. كلها مظاهر تنذر بانهيار تدريجي في التوازن البيئي للجهة، ما لم يتم التحرك العاجل على مستويات متعددة.
تتعدد أوجه التلوث في الجهة، إذ تتسبب الأنشطة الصناعية العشوائية، والزراعة الكثيفة المعتمدة على الأسمدة والمبيدات الكيميائية، بالإضافة إلى النفايات المنزلية، في إفساد الهواء والماء والتربة. هذا التدهور البيئي لا يمس الطبيعة فحسب، بل ينعكس سلباً على صحة الإنسان ويهدد استقرار منظومة الحياة برمتها. ويوازي هذا التلوث استنزاف خطير للموارد الطبيعية، من خلال الاستغلال المفرط للمياه الجوفية، وقطع الأشجار بشكل غير قانوني، والصيد الجائر الذي يطال الحياة البحرية والبرية على السواء.

التغير المناخي بدوره أضحى حقيقة يومية في سوس ماسة. ارتفاع درجات الحرارة، اضطراب التساقطات، واتساع رقعة الجفاف، كلها مظاهر تقوّض النشاط الفلاحي، وتسرّع عملية التصحر، ما يجعل الأرض أقل إنتاجية وأكثر هشاشة أمام تقلبات المناخ. ومع هذه التغيرات، تُسجَّل اختفاءات تدريجية لأنواع نباتية وحيوانية كانت إلى وقت قريب جزءاً من الهوية البيئية للجهة، في ظل استمرار الاعتداء على المواطن الطبيعية وضعف الرقابة البيئية.
وراء هذه الأزمة المتفاقمة تقف أطراف بعينها تتحمل المسؤولية الأخلاقية والبيئية في ما يحدث. فبعض الوحدات الصناعية تتجاهل المعايير البيئية وتصرف نفاياتها في الأنهار والوديان، محدثة تلوثاً واسع النطاق. كذلك، تسهم أنماط الزراعة القائمة على الإفراط في المواد الكيماوية في تسميم التربة والمياه. أما الصيد الجائر، فيأتي على ما تبقى من الكائنات المهددة، ويخل بالتوازن الطبيعي. ولا يمكن إغفال الزحف العمراني والديمغرافي غير المنظم، الذي يرفع من استهلاك الموارد ويضاعف من حجم النفايات والضغط على البنية البيئية.
رغم هذا الواقع المقلق، ما تزال هناك إمكانية لتدارك الوضع، شريطة توفر إرادة سياسية حقيقية ودعم شعبي واسع. فالخطوة الأولى تتمثل في تطبيق صارم للقوانين البيئية ومحاسبة الملوثين، مهما كانت صفتهم. كما أن التوعية البيئية يجب أن تصبح جزءاً من السياسات التعليمية والإعلامية، لترسيخ ثقافة الاستدامة لدى المواطنين. وعلى صعيد التنمية، تفرض التحولات المناخية تبني خيارات بديلة، مثل الاستثمار في الطاقات المتجددة لتقليص الاعتماد على المصادر الملوثة. أما في القطاع الفلاحي، فإن تشجيع الفلاحة الإيكولوجية يمثل مخرجاً آمناً نحو زراعة تحترم التوازن الطبيعي وتحافظ على صحة المستهلكين.
إن سوس ماسة اليوم ليست فقط في مواجهة خطر بيئي، بل في مواجهة تحد وجودي يخص مستقبل أجيال بأكملها. فإما أن تختار طريق الاستدامة والحماية، أو تستمر في النزيف الصامت الذي يُضعفها يوماً بعد آخر. الكرة الآن في ملعب المؤسسات والساكنة على حد سواء، فهل من مُجيب؟

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News