العالم اليوم

سجناء الكلمة: بين حرية التعبير وسلاسل القمع في جزائر التناقضات

  • حسن كرياط //

في عالم تتشابك فيه الصراعات وتتسع فيه الهوة بين الحقيقة والزيف، لم تعد الكلمة مجرد أداة تواصل، بل أصبحت قوة مؤثرة قادرة على إشعال شرارة التغيير أو تكريس الاستبداد. إنها سلاح يخترق جدران القمع، ومشعل يبدد ظلام الجهل. لكن حين تُحاصر الكلمة بقيود السلطة أو تُستغل لخدمة المصالح الضيقة، تتحول إلى أداة بيد الطغاة لإخماد الأصوات الحرة وإدامة الهيمنة.

في الجزائر، حيث تتصارع إرادة التغيير مع جبروت أنظمة عسكرية راسخة، تأخذ الكلمة موقعها كجبهة نضال مستمر بين الحرية والتسلط. تدرك الأنظمة خطورة الكلمة الحرة، فتعمل جاهدة على تشويهها أو تكميمها بكل الوسائل الممكنة. ولعلّ معاناة مفكرين مثل بوعلام صنصال وسعيد جاب الخير شاهد على صمود الكلمة في وجه محاولات القمع والترهيب.

ولكن السؤال الأهم ليس فقط عن القمع الخارجي بل عن القيود الداخلية التي نزرعها بأنفسنا. أليس الخوف من المواجهة، أو رفض المجتمع، أو حتى عواقب التعبير عن الذات، هو السجن الحقيقي؟ قد تكون أقسى القيود تلك التي تنبع من داخل الإنسان، حيث تتحول الكلمة إلى صراع داخلي يعكس خوفه من الانعتاق.

الكلمة كانت دائمًا انعكاسًا للوعي الإنساني وجسرًا يصل الإنسان بحقيقته. عندما “تلقى آدم من ربه كلمات”، كانت تلك الكلمات بداية رحلة البحث عن معنى أعمق للوجود. فهي ليست مجرد أصوات أو حروف، بل هي انعكاس للوعي والقدرة على إعادة صياغة الذات في مواجهة عالم يزداد ضجيجه وفراغه.

تحرير الكلمة يبدأ بتحرير النفس من الخوف؛ بمواجهة القيود التي تُفرض داخليًا قبل تلك التي يضعها الآخرون. إنها معركة لاستعادة قوة الكلمة كوسيلة لتحقيق العدل وكشف الحقيقة. في وجه القمع والتناقضات، تصبح الكلمة الحرة عملًا ثوريًا يعيد تشكيل الواقع ويمنح الإنسان أفقًا أكثر إنسانية.

يبقى السؤال: هل تجرؤ الجزائر على تحرير الكلمات من أسرها؟ أم ستظل رهينة صمتها، تخشى مواجهة الحقيقة؟ الإجابة تكمن في قدرة الشعب على تجاوز مخاوفه واستعادة الكلمة كأداة للتغيير والحرية.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى