الثقافة

رحيل الفنان الأمازيغي بناصر وخويا..

بعد مسيرة حافلة بالعطاء، امتدت لعقود، توفي، يوم الجمعة الماضي، الفنان الأمازيغي الكبير بناصر وخويا، أحد أعمدة الغناء الشعبي في منطقة الأطلس، والذي شكل نبأ وفاته فقدانا فنيا خالدا مع الفنانة حادة أوعكي.

وقدّم الراحل خلال مسيرته الطويلة روائع من الأغاني التي لامست قلوب الجمهور، وخلّد اسمه كأحد أبرز رموز الفن الأمازيغي الأصيل.

ولد ناصر أوخويا في خمسينيات القرن الماضي، بمنطقة تافوغالت الشيخ الأولى في ناحية ميسور، بإقليم بولمان، وسط عائلة تمارس الفلاحة، غير أنه في سن مبكرة، انجذب إلى أعراف وتقاليد الشاوية والأغاني المحلية.

كان شغوفا بالموسيقى الشعبية التي كانت تؤدى في الأعراس والمواسم، مما دفعه إلى تعلم العزف على آلة «الوتار»، والغناء بالأمازيغية الأطلسية (تمازيغت).

بدأ أوخويا مسيرته الفنية بشكل احترافي في سبعينيات القرن الماضي، حين انضم إلى مجموعة موسيقية شعبية، وبدأ يشق طريقه ببطء وسط الساحة الفنية التي كانت آنذاك حكرا على بعض الأنواع من الموسيقى المغربية خصوصا في الإعلام، لكنه أصرّ على تقديم اللون الأمازيغي الكلاسيكي، مع الحفاظ على طابع البساطة والعمق في الكلمة واللحن.

من أبرز المحطات في حياة بناصر أوخويا الفنية، تعاونه مع الفنانة حادة أوعكي، التي أصبحت لاحقًا رمزا من رموز الأغنية الأمازيغية. كان ناصر أول من آمن بموهبتها، وشاركها معه في حفلات الأعراس والمناسبات المحلية، وساهم في صقل شخصيتها الفنية.

دامت هذه الشراكة حوالي 12 سنة، ونتجت عنها مجموعة من الأغاني التي لا تزال تتردد في الأسوق إلى اليوم.
كان أوخويا يلقب بـ«العندليب» لحسن صوته، وظل اسمه مقرونا بها حتى بعدما استقلت مسارها لاحقا إلى جانب الفنان عبد الله الزهراوي.

تميزت موسيقى ناصر أوخويا بالاعتماد على الإيقاعات الأطلسية التقليدية، وآلة الوتر، والكلمات التي تستمد قوتها من اليومي البسيط: الحب، الفراق، الغربة، الحزن، والتمرد الصامت على الواقع. لم يكن فنه تجاريا، بل وجه خطابه للإنسان البسيط، لذا بقي عشاق الموسيقى الأمازيغية الكلاسيكي إلى اليوم.

شارك في مئات الحفلات داخل المغرب، لا سيما في المناطق جبال الأطلس مثل بني ملال، خنيفرة، ميدلت، وأزيلال، وسجل العشرات من التسجيلات الصوتية التي راجت في الأسواق الشعبية، خصوصا خلال فترتي الثمانينات والتسعينات عبر أشرطة «الكاسيط» التي كانت الوسيلة الرئيسية حينها.

رغم ابتعاده عن الإنتاج الرسمي، ظل محافظا على مكانته في قلوب الجمهور، كما شارك في بعض الملاحم الوطنية مثل ملحمة «المغرب واحد» و«إمازيغن»، وظلّ يعتبره معاصروه كأحد أهم حماة الذاكرة الغنائية الأمازيغية.

كان بناصر أوخويا شخصا بسيطا متواضعا، قريبا من الناس، عاش معظم حياته في مسقط رأسه، في بلدة صغيرة وراء الجبال، وقد عرف عنه تعلقه باللغة الأمازيغية، ورفضه التنازل عن هويته الثقافية مقابل الانتشار.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى