الثقافة

خطاب النوع الاجتماعي/الجندر في موسيقى الروايس..

خطاب النوع الاجتماعي/الجندر في موسيقى الروايس، الرايس محمد بلفقيه والرايسة فاطمة تارودانيت”تالبانانت” كأنموذج.

  • بقلم محمد لحميسة

مقدمة:

تعد مسألة النوع الاجتماعي/الجندر سؤالا أكاديميا بالدرجة الأولى، ما يعني ارتباطه المباشر بالخطاب المعرفي خاصة في العلوم الاجتماعية والانسانية.

إن القول بمسألة النوع الاجتماعي في خطاب الروايس، وهو فن موسيقي أمازيغي يغلب عليه الطابع المحافظ، هو قول يحتمل بعض النقاش، من حيث الشكل فقط لا المضمون، لكون الروايس في الغالب غير مطلعين على التفاصيل الاكاديمية البحثة، لكن وبقوتهم التعبيرية، ولحساسيتهم الفنية ذات البعد الاجتماعي، ولخيالهم الملهم الذي يتجاوز كل الافق التي يمكن للمتخصص في العلوم الانسانية والاجتماعية دراستها والاحاطة بها والتمكن منها مفاهيميا، يستطيعون أيضا ان يدلون بدلوهم في المواضيع المطروحة.

وهنا تكمن قوة الفن، في كونه يقول ما لا يستطيع البعض التعبير عنه، الأمر الذي جعل أفلاطون يقول في شبابه أن الشعراء يتحدثون بلسان الآلهة،

إن الرايس محمد بلفقيه والرايسة فاطمة تالبانانت، يعبران عن واقع معيش، بدون أن يمتلكوا الحذلقة اللغوية والمفاهيمية التي تحيط به على مستوى معرفي متقدم.

سنجد في النموذج المختار لهذه الدراسة، محاولة للإمساك والتعبير عن تحول اجتماعي ينتقل من نسق إلى نسق اخر بخطوات ثابتة، من منطق الأبوية الى منطق المساواة الجنسية بين النوعين الاجتماعيين، ولست أقول أن الانتقال تم بشكل كلي، بل أن هناك بوادر، وسيرورات تَعْتَمِلُ في خفاء، وتشتغل على مستويات عدة منها الرمزي والمادي، منها السياسي والقانوني، ومنها الثقافي والاقتصادي… ومنها أيضا الفني.

وهذه الدراسة هي محاولة أولية محتشمة لاستخلاص المواضيع سواءا تلك التي لها ذلك البعد الاكاديمي أو غيرها، من مجال خصب لم يُسْتكشف بعد بالقدر الكافي، وأقصد هنا فن الروايس، والموسيقى الأمازيغية بشكل عام .

إشكالية الدراسة:

تحاول الدراسة الإجابة أو بالأحرى استخراج مضامين قصيدة تنتمي لفن الروايس، مضامين متعلقة حصرا بمسألة وقضية النوع الاجتماعي كموضوع كان ولا يزال وسيبقى راهنيا بحكم تشعبه، وكذلك تعثر الديناميات السياسية والقانونية¹ والاقتصادية التي تشتغل للمضي قدما بمسألة المساواة بين الجنسين، ومرد ذلك وجود بنيات ثقافية واجتماعية راسخة ومتجذرة تطلق قواها في الجهة المقابلة وتستمد قوتها من تمازجها مع ما هو ديني² في أحيان كثيرة.

انني ادافع هنا في هذه الدراسة عن أطروحة مفادها ان الاغنية السوسية خاصة فن الروايس، ليست فنا منفصلا عن المجتمع والسياق الذي يصنع معانيها، وعن كون الروايس بحكمتهم وبضميرهم الاجتماعي اليقظ يستطيعون وضع الاصبع على مجالات يعتقد للوهلة الأولى انها ملتصقة بجبة الاكاديمي والمختص . 

فما هي الإشارات والتعابير والجمل والصيغ الدالة على موضوع النوع الاجتماعي في القصيدة تحت الدراسة؟ وما هي ابرز النقاط التي يمكن استخلاصها حول موضوع النوع الاجتماعي انطلاقا من القصيدة ؟

الفصل الأول: الجانب المفاهيمي

تعد المفاهيم الركيزة التي تبنى عليها ومنها أي نظرية أو منظومة فكرية أو أطروحة، فهي الأداة المنهجية القادرة على التعبير عن ماهية البناء النظري والفكري الذي يحاول الباحث الخوض فيه او تأكيده، إضافة إلى كون المفاهيم من شأنها تقويض كل لبس قد يصادف القارئ، خاصة الغير متخصص.

في دراستنا نشتغل بمفهوم يحمل بعض الغموض، وهو مفهوم شائع الاستخدام في مجالات معرفية عدة من علوم انسانية واجتماعية وقانونية وسياسية، غير أنه محمل بثقل ابستيمي (بالمعنى الفوكوي³ للمصطلح) عندما ينطلق مستعمله من خلفية سوسيولوجية، فالمفهوم الذي نشتغل به يرتبط بالنضال والرغبة في تغيير وضع ينظر اليه بأنه غير عادل.

مفهومنا هو النوع الاجتماعي أو الجندر، وقبل تعريفه يجب الاتفاق على أن المجتمع بناءات ثقافية اعتباطية في مجملها، تخدم مصلحة واحدة هي الاستقرار والتوازن الاجتماعي، فنلاحظ نزوعها المستمر لكي تعيد انتاج نفسها من خلال مؤسسات اجتماعية متعددة أبرزها الأسرة والمدرسة .

والتأويلات الاجتماعية للجنس أحد هذه البناءات الثقافية، وهذا هو المدخل لفهم وتمييز الجنس البيولوجي(ذكر/أنثى) عن النوع الاجتماعي(رجل، إمرأة)، باعتباره بناء ثقافي، مرتبط بأفكار وتمثلات وتأويلات اجتماعية للجنس، تقوم على أساس جعل الاختلاف التشريحي بين الاعضاء التناسلية يبدوا وكأنه التبرير الطبيعي للاختلاف المبني اجتماعيا بين النوعين، فما نتمثله عن الجسد، ونحمله عليه من أفكار ليست جزءا متأصلا في طبيعتها بل هي بناءات اجتماعية تم تطبيعها⁴.

وإن خضنا في الجوانب الابستيمية للمفهوم فسنجد اقتران النوع الاجتماعي بالحركات النسوية بمختلف تياراتها، وهي حركات اجتماعية ذات بعد سياسي وإديولوجي تلتزم بالعمل على تحقيق المساواة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين الرجال والنساء⁵ (عالم المعرفة) وتختلف تيارات هذه الحركة من حيث أهدافها والخطوات التي ترى بأنها السبيل لخلاص المرأة من مشاكل الأبوية والهيمنة الذكورية والاستلاب الذي تكون النساء ضحية له .

الفصل الثاني: نص القصيدة⁶

نص القصيدة بالأمازيغية (ما يقوله الرايس محمد بلفقيه) ترجمته التقريبية باللغة العربية
إراد كرا الدونيت، غار أردي تروالنت ختيلي تاهلنين. مصيبة ما تتربص بالعالم، اصبحت النساء المتزوجات تهربن من بيوتهن.
ولا تيفرخين رولنت إعمرد الكار حتى العازبات تهربن ويملأن الحافلات.
وغار استيوي تما اوغراس القومان
ختانا ديرولن تاسيد القْضيب د ايدوكان كل الهاربات تحملن قماش تقليدي يسمى القْضيب، والشبشب
تاسيد القضيب د ليزار ياستنيد الكار تحملن كل ذلك ويركبن الحافلة
تنا الرايس إغتنوافيغ نتان أراد نمون تمني النفس بأن تلتقي بالرايس وتذهب معه (لتصبح رايسة)
رواحايت أكولو نمون إموريك رمين لنذهب جميعا مادام الغناء متعب لهذه الدرجة
وا فاطمة هان تاطنازيت آن، أورادام ݣيس إفوغ أوميا أوريد اوكان يا فاطمة ان تلك الطريق لن توصلك لشيء ذي قيمة
هان العدو ن تمغارين توفيتن باين ما تفعلينه هو العدو النساء الاول
اما تيفرخين لي اورتاكا تاهلنين اما العازبات اللواتي لم يتزوجن بعد
أمنشك أياد إتفان غار إ وازنيق العديد منهن مصيرهن الشارع
تناكر الفاميلة د لحباب د أودوار تنكرت لأصلها وعائلتها وقبيلتها
تناك إسرابدا ݣنت زود إغ مزينتي تظن المسكينة انها ستبقى دوما شابة وجميلة
أسنا شيبنت أراد زرنت تيݣوضوين ستلقى مصيرا مأساويا حينما تشيخ وتكبر في العمر
تيمنتريت ن الزنيقت أستݣورونت ستنتهي حثما بالتسول في الشوارع
أغان أدام يملان إس تزري الدونيت ما يظهر أن الحياة الدنيا في اشواطها الاخيرة نحو الزوال
غاد إزرين نعاقلد الحيا إيلا د الخير في مامضى نتذكر الحياء والخير موجودان
تيمغارين أوراتنت تزرت غ ايمي نودوار لم تكن تستطيع ان ترى النساء في باب القبيلة (الدوار)
إݣا دارسنت حشومة أدبيدنت غ وازنيقي  كان عيبا ان تقف المرأة في الشارع
اوراتفاغ ابلا س دار الواليدين نس لا تخرج الا لزيارة والديها
سول تلس أملحاف توت النݣاب مليح وتلبس في ذلك لحاف ونقاب يسترانها 
تسلي سوسمونس أما واحدوت إعيباسنت  وتكون مع زوجها، لان وحدها عيب.
غيلا كولو بينت الفرانات ن الزلات  الان لم يعد هناك من معيق امامهن 
إمنعا الزماناد أسول ݣيس إتوب الخلق من الصعب أن يسلك المرء الطريق المستقيم في هاته الظروف
نص القصيدة ( جواب الرايسة فاطمة تارودانيت)
وا حرا تعدل الدونيت، امولاي محمد أمز الحدود نون الان اصبحت الحياة جميلة، وانت يا مولاي محمد التزم حدودك
ماشي تيمغارين كاديرولن د ترباتين  ليست النساء فقط من هربن
رولن إرݣازن فلن لحباب ولا الدريت حتى الرجال هربوا وتركوا احبابهم وأولادهم
الا مايفلن تامغارت أورتنت إݣابل يان  هناك من ترك زوجته وحيدة 
افلتنت اسݣاس نغ سين الطنز أيان  لِعام أو عامين، أليس هذا ضرب من العبث؟
مارافلاس إسوق أرݣاز، ايغيلا الفرح نغ العيد اوراستيد لكمن  من سيعيلها، ومن سيشاركها افراح العيد
مانيك س اوراترول تفلناك أدُوار  كيف ستتمكن من مقاومة اغراء الهجرة للمدينة
اجاوا تيفرخين أشريف إتي ݣيسنت  اترك الفتيات في حالهن
هان ربي افلاسنت إرضان إيݣيد الخير  الرب هو من رضي عنهن 
اورسول اعيب اغ افاغ يان ادي ضورن  لم يعد الخروج للشارع عيبا
غيلا تيمغارين زود ارݣازن كاداناك  الان اصبحت النساء والرجال في مرتبة واحدة
ارنتفوغ نسوق نقضوض الحساب نسنت  نخرج ونقضي اغراضنا بدون ادنى مشكل
ارنسواݣ الموتور ولا الطاموبيلات  نسوق السيارات والدراجات على حد السواء
غينا ستفتيت تافتن تيفراخ غ الادارات  اينما وليت وجهك تجد النساء في الادارات
امولاي محمد أكن أوريحرݣ الحال يا مولاي محمد لا تدع الغيرة تتسلل اليك
أݣيك أوريغاما الحال ولا هولنك  نفس المعنى
ميدن غران غيلا فلنين تاهاماجيت ان  الناس في الزمن الحاضر درسوا وتثقفوا، وقطعوا الصلة بالافكار القديمة الهمجية 
انعم فلاغ ربي س الكساوي د البنيان  اصبحت الالبسة والامكنة على حسب الاذواق
اوراسول نزاض اولا ارنتاݣم هناغي  لم نعد نقوم نقوم بالاعمال البيتية التقليدية البدوية 
يان اوريشكرن ربي فغيكا راداحلن من لم يشكر الله على هذه الحال سيندم 
وانا دار المال إزريكنت أدونيت من يملك المال، ملك الدنيا

ملاحظة: الترجمة هي من حيث السياق، وأتمنى أن لا تخون المعنى الأصلي وتزيغ عنه، فبالرغم من تحدثي للغتين الأمازيغية السوسية والعربية الا انني وجدت صعوبة في نقل الأفكار بيسر وسلاسة، واعتقد انني بهذه الترجمة حققت الحد الأدنى الممكن، لكي يحافظ النص الأصلي على معناه في اللغة المترجم اليها.

الفصل الثالث: تحليل القصيدة.

بعد أن إطلعنا على نص القصيدة التي أداها باقتدار كبير وتميز كل من الرايس محمد بلفقيه والرايسة فاطمة تالبنانت، يمكن من خلالها استخلاص مجموعة مواضيع تخدم أساسا الإشكالية التي ندرسها، والمرتبطة بالتمثلات الاجتماعية للرجل والمرأة والتي وجدت صداها في قصيدة شعرية مغناة ضمن فن الروايس، فكانت لسان حال وضع دينامي متغير تبحث فيه المرأة عن الفرصة لقلب الأوضاع.

3-1 الثابت والمتحول في وضعية المرأة.

إذا أخذنا القصيدة في مجملها سنجد موضوعها الأساس، هو التحول الذي طال ويطال وضعية المرأة ووزنها داخل نسق العلاقات الاجتماعية، فالأغنية هي نبض واقع مجتمعي إحدى أهم مسلماته الثقافية نجد الأبوية ومركزية الذكورة واحتكارها لجميع الميادين والمجالات⁷.

في مستهل القصيدة يعبر الرايس عن امتعاضه ورفضه لهذا التحول الذي بدأ يُعبر عن نفسه ويصبح مُلاحظا بالقول: 

إراد كرا الدونيت واغار أردي تروالنت ختيلي تاهلنين،

ما يدل على تغير سلبي يقع في واقع معين، والتحول المقصود هنا هو هجرة النساء من القرية الى المدينة، واقتحامهم مجالا كان محيطا ذكوريا تقطعه جزر انثوية، كتعبير عن العدد القليل من الرايسات وكثرة عدد الروايس. وأقصد هنا المجال الفني، خاصة فن الروايس.

وإن كانت رؤية الرايس تشاؤمية، فإن رؤية الرايسة تقع على الطرف النقيض منها، اي تعبر عن رؤية تفاؤلية، وذلك عندما تقول:

وحرا تعدل الدونيت،  

وتقول فيما بعد:

أورسول إعيب إغ إفاغ يان أد ضورني

غيلا تيمغارين زود إرݣازن ݣادان أك.

ما يعني أن هناك دينامية وحركة وتغير أصبح التعامي عليه او رفضه شيء يشبه الحمق، اذ أن سيرورة تطوره المجتمع هي من فرضته. 

تقول الرايسة في هذا الصدد: 

ميدن غران غيلا فلنين تاهاماجيت ان، ما معناه أن تشكيلة المجتمع الحديث والتي يعيش المغرب مخاض التحول إليه يفترض نوع من الوعي والثقافة تجعل التمثلات التقليدية⁸ في خبر كان، وتنتج وتغذي تشكيلة اجتماعية عنوانها المساواة والكفاءة بغض النظر عن الجنس. 

ان اعتبرنا خطاب الرايسة خطاب تقدمي، يعبر عن تحول ويقع في وضعية المرأة عموما في المجتمع المغربي، ونجد صدى هذا التحول في خطاب الرايس أيضا إذ يرفضه بدون أن يستطيع إنكاره او التعامي عليه، ومن خلال خطابه نضع أصبعنا على الثابت في قضية المرأة، وهي النظرة الرافضة لتغير الهندسة الاجتماعية للجنس، التي تنتقل من منطق الهيمنة الذكورية والسلطة البطريركية الى تشكيلة جديدة تجعل المساواة أفقها، ما يؤدي بنا اليوم الى اجترار وضع برزخي بين ان يكون المجتمع تقليديا ينتصر للأبوية او حداثيا تقدميا ينتصر للمساواة ⁹.

هذه النظرة الثابتة والرافضة يعبر عنها الرايس حين يقول” أمنشك أياد إتفان غار إ وازنيق”، وهي رؤية محافظة ترى أن أي تغير في ميزان التشكيلة الاجتماعية حيث الأدوار الجنسية الرجل والمرأة، فهو من الممكن أن ينشئ علل اجتماعية وخلل في التوازن الاجتماعي، ما ينتج آفات كالدعارة والتسول.

نخلص في هذا المحور الى أن هناك وضع مفارق يرخي بضلاله على الإشكال الذي ندرسه، فمن جهة نلاحظ تغير وضعية المرأة، نحو مزيد من التحرر ومن المساواة، ومن جهة أخرى ثبات نظرة محافظة لا تقبل هذا التحول وتراه شرا من شأنه أن يزعزع الاستقرار الاجتماعي.¹⁰

32 المرأة بين الفضاء الخاص، والفضاء العام

يقوم المجتمع على ثنائية العام والخاص، بمعنى أن الحياة الاجتماعية تتوزعها علاقة جدلية بين فضاء عام، مشترك، تتقاسمه الرغبات والمحفزات ذات الطابع الجماعي، وفضاء خاص، شخصي، منعزل عن صخب الجماعي وفوضى المشترك. 

دوما ما يتم عزل الخاص عن العام، باعتبار ان ما يدخل ضمن الخاص هو نوع من ملكية فردية وشخصية، على عكس العام الذي تتوزع ملكيته على كل من يدخل في نسق علاقات الفضاء العام. 

سنجد في القصيدة تمييز بين هذين الفضاءين، وحدود امكانية مشاركة المرأة في الفضاء العام، بعد تاريخ من كونها محصورة في الفضاء الخاص، باعتبارها وحسب تعبير الاستاذة المرنيسي، حريما.¹¹

كون المرأة حريما يجعلها معزولة عن تيار الحركة والدينامية المعتملة في الفضاء العام، وبالتالي عليها أن تبقى صامتة، فاترة، وعليها ان تخضع للزوج وأن تتفاهم مع أب وأم الزوج¹² ومنه فالخروج الى الاماكن العامة عيب، خاصة إن كانت المرأة بدون حجاب أو بدون أمها أو زوجها او حماتها، فالحجاب يجعلها غير مرئية¹³، بما أنها في الأصل لا تملك الحق في الشارع وفي الفضاء العام عموما، فما نقلته لنا فاطمة المرنيسي سنجده في القصيدة حين يقول الرايس : 

غاد إزرين نعاقلد الحياء إيلا د الخير،

 تيمغارين اوراتنت تزرت غيمي نودوار،

 ايݣا دارسنت حشونة أد بيدنت غ وازنيقي،

 اوراتفاغ أبلا دار الواليدين نس، 

سول تلس أملحاف توت النݣاب مليح، 

تيلي سوسمونس أما واحدوت إعيباسنت ..

يبدوا أننا نتحدث هنا عن استلاب هوياتي وعقائدي¹⁴، تكون فيه المرأة ليست كائن انساني عاقل، مريد، حر… بل نوع من سلعة، من أداة، خزانة للشرف، يجب صونه وإخفاءه، خوفا من بنيات ثقافية وتمثلات اجتماعية اعتباطية، تعزل المرأة عن المشترك ليكون مجال تحركها و”حريتها” هو الفضاء الخاص، في الوقت الذي يمتلك الرجل القدرة على اقتحام جميع المجالات¹⁵. 

وهذا ما ترفضه الرايسة بالقول: 

اورسول اعيب اغ افاغ يان ادي ضورن 

غيلا تيمغارين زود اركازن كاداناك 

ارنتفوغ نقضوض الحساب نسنت 

ار نسواك الموتور ولا الطاموبيلات

غينا ستفتيت تافتن تيفراخ غ الادارات.

في كلام الرايسة وعي بماهية الاستلاب الذي كانت ضحيته في فترة سابقة، استلاب لم تعد تقبله اذ علمت بأن لا شيء يجعلها اقل مرتبة من الرجل، اذ تستطيع ان تقضي اغراضها، وأن تسوق السيارة والدراجة بكل انواعها، واصبحت تقتحم مجال الادارة ايضا، ناهيك عن الفن والثقافة اذ تمثل الرايسة تالبنانت رمزا لهذا الأمر. 

وبالتالي فهذا بالتأكيد مظهر دال على نهاية مرحلة ونسق، بداية نهاية اسطورة الحريم، وخروج المرأة العلني السافر للمشاركة في الفضاء العام بشكل لا يقل عن مشاركة الرجل . 

33 مسألة الهجرة القروية

تعد مسألة الهجرة القروية¹⁶ قضية لازالت تتميز براهنيتها حتى اليوم، سنويا ترتفع عدد الهجرات بسبب مباشر هو قسوة الظروف المناخية، والفرص التي توفرها المدينة، وأسباب اخرى غير مباشرة من مثل اغراءات المدينة ببنيتها التحتية ونسقها الثقافي والاقتصادي . 

سنجد صدى هذه الهجرة جلي في القصيدة، حيث يقول الرايس: 

ولا تيفرخين رولنت إعمرد الكار

وغار استيوي تما اوغراس القومان

ختانا ديرولن تاسيد النواقص د ادوكان

فتجيبه الرايسة:

ماشي تيمغارين كاديرولن د ترباتين

رولن إرݣازن فلن لحباب ولا الدريت 

إيلا مايفلن تامغارت أورتنت إݣابل يان

افلتنت اسكاس نغ سين الطنز أيان

مارافلاس إسوق أرݣاز رولن، 

ايغيلا الفرح نغ العيد اوراستيد لكمن

مانيك س اوراترول تفلناك أدوار .

إن مسألة الهجرة القروية فالمغرب سواءا عند الذكور والاناث دوما ما كانت ردة فعل وليست الفعل، من خلال الهجرة يواجه الشباب القروي عنف المجتمع وتوحش الشروط بعنف مضاد لكنه سلبي.¹⁷(الزاهي 123)

عند الذكور كانت رد فعل ضد التقلبات المناخية وقسوة الحياة القروية والنمو الديمغرافي¹⁸ وضرورة التحول من اقتصاد الاكتفاء الى اقتصاد التبادل والربح.

فالعمل القروي حسب النتائج التي جاءت بها دراسة بول باسكون والمكي بنطاهر “ما يقوله 296 شاب قروي” هو عناء (كرفي)، وواجب أخلاقي نحو الأباء، ما يجعله غير مدر للدخل،  وحسب نفس الدراسة، فإن العمل المأمول للشباب القروي هو الوظيفة العمومية، او الخدمة مع المخزن¹⁹

كذلك الإناث كانت هجرتهم رد فعل تجاه نفس الظروف تقريبا إضافة إلى عامل رغبة المرأة في الحرية والمساواة واقتحام مجالات جديدة توفر لهن الأمن الإقتصادي²⁰ الأمر الذي يعد فعله في القرية حيث وطأة البنيات التقليدية²¹ أشد بأسا عيب وعار قد يصل احيانا الى ارتكاب فضائع تحت ذريعة الشرف، ثم عامل أخر شبقي مرتبط بميولات وحاجات غريزية تجد نفسها مكبوتة في محيط كل ذكوره هاجروا إلى المدينة.

إحالات ومراجع الدراسة: 

1: دراسة الأستاذة كنزة المراني العلوي بعنوان: ” الثابت والمتحول في بنية الاسرة المغربية”.

 :2 ربط الاستاذ عبدالصمد الديالمي بين النزعات الأصولية والحداثة الجنسية، باعتبار ان الأولى تعرقل الثانية. المدخل لعلم الاجتماع المغربي، نورالدين الزاهي، دفاتر وجهة نظر

3: نسبة الى ميشيل فوكو، الذي اهتم بمسألة اركيولوجيا العلوم، ما مكنه من الوصول الى مفهوم الابستيمي ويعني بها البنية الضمنية للفكر، او الارضية التي تقوم عليها معرفة عصر معين. من “نظام الخطاب”، ميشيل فوكو، ترجمة محمد سبيلا، دار التنوير، الطبعة الأولى، صفحة 61.

4: الهيمنة الذكورية، بيار بورديو، ترجمة د.سلمان قعفراني، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة الأولى، ص 24

5: في النظرية السياسية النسوية: البنى الفكرية والاتجاهات المعاصرة، رعد عبدالجليل مصطفى الخليل وحسام الدين علي مجيد، العدد 493 من سلسلة عالم المعرفة، ص 16

6: بالإمكان البحث عن الأغنية التي تتضمن القصيدة على منصة يوتيوب، يكفي البحث باستعمال اسم الرايس والرايسة واسم القصيدة/الأغنية ” إراد كرا الدونيت”.

7: يمكن العودة في هذه النقطة الى نص بيير بورديو عن المجتمعات المتوسطية في دراسته لمنطقة القبائل بالجزائر، الهيمنة الذكورية، ص 22.

8: الاستاذ عبدالسلام حيمر يرى أنه لا يمكن لدولة أن  تفكر بالتحديث السياسي والاقتصادي، في ظل سيادة علاقات اجتماعية مبنية على روابط القرابة والدم والدين والقبيلة والعشيرة والعرق، اي ان التحديث متموقع في أفق الحداثة ومشروط بمقوماتها.

:9اطروحة بول باسكون عن كون المجتمع المغربي ليس مجتمع انقسامي او فيودالي او قيدي او راسمالي او انتقالي، بل هو مجتمع مركب.

:10بالعودة الى دراسة الاستاذة كنزة المراني العلوي، التي بعنوان ” الثابت والمتحول في بنية الاسرة المغربية” حيث قاربت موضوع الاسرة ومن خلالها وضعية المرأة عن طريق البحث في 3 أنماط من الخطاب، القانوني، المدرسي والسياسي. وخلصت الدراسة الى الطابع الابوي للبنية الأسرية في الخطاب القانوني والمدرسي، مقابل اجتهاد الخطاب السياسي في اصلاح الخلل الاقتصادي والاجتماعي السائد .

:11المدخل لعلم الاجتماع المغربي، ص146

:12نفسه، ص127، دراسة الاستاذة مليكة البلغيثي

:13ماوراء الحجاب الجنس كهندسة اجتماعية، فاطمة المرنيسي، ترجمة فاطمة الزهراء ازرويل، المركز الثقافي العربي، الطبعة الرابعة، ص157

:14التخلف الاجتماعي مدخل الى سيكولوجية الانسان المقهور، مصطفى حجازي، المركز الثقافي العربي، الطبعة التاسعة، ص211.

:15المدخل لعلم الاجتماع المغربي، ص 146/ ما وراء الحجاب، ص152

:16 اهتم كثيرا بهذا الموضوع من تخصصوا في السوسيولوجيا القروية مثل بول باسكون وغريغوري لازاريف.

:17المدخل لعلم الاجتماع المغربي، ص123

:18نفسه، ص94، عوامل التحول والتغير الاجتماعي التي لحقت بالقرية المغربية.

:19نفسه، ص113

:20ما وراء الحجاب، ص178 وص179

:21 المدخل لعلم الاجتماع المغربي، ص93، ملامح ومقومات المجتمع القروي المغربي.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى