
حين تتحوّل الجامعة إلى ثكنة أمنية: وثيقة جامعة الشلف تكشف عقلية الرعب في جزائر 2025
منع أساتذة التاريخ من الادلاء بالتصريحات لوسائل الاعلام
- بقلم: حسن كرياط//
في مشهد يختلط فيه العبث بالصدمة، صدرت عن كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة حسيبة بن بوعلي – الشلف، مراسلة مؤرخة في 8 ماي 2025، يمكن وصفها دون مبالغة بأنها وثيقة بوليسية بامتياز، لا علاقة لها بروح الجامعة ولا بأدبيات المؤسسة الأكاديمية. من يقرأ الوثيقة للوهلة الأولى، قد يعتقد أنه أمام بيان صادر عن جهاز أمني، لا عن كلية يُفترض أن تكون منارة للفكر والنقاش الحر.
الفضيحة تبدأ من الشكل: عنوان علوي هجيني غريب، خليط مرتجل بين الإنجليزية والفرنسية، يفضح اضطرابًا إداريًا وهوياتيًا تعاني منه مؤسسات الدولة. فهل نحن أمام وزارة تنتمي لدولة مستقلة ذات سيادة لغوية، أم أمام إدارة عالقة في ماضٍ استعماري لم تحسم أمرها معه، تائهة بين حداثة زائفة وهوية مشوشة؟
لكن ما هو أخطر من الشكل هو السياق والمضمون. فقد جاءت هذه “التعليمة” في خضم حملة قمع واسعة تستهدف كل من يحاول إعادة قراءة التاريخ أو كسر طابوهات الذاكرة الجماعية خارج الإطار الرسمي المفروض.
في قلب هذه الحملة، تم اعتقال الكاتب بوعلام صنصال، فقط لأنه أشار إلى معلومة تاريخية يعرفها الجميع: أن فرنسا خلال فترة استعمارها للمنطقة، ألحقت أجزاء من الأراضي المغربية بالجزائر. جُرم صنصال لم يكن إلا التذكير بحقائق موثقة، فجاء الرد الرسمي بالزج به في السجن.
لم تمض أيام، حتى طال القمع المؤرخ المعروف محمد الأمين بلغيث، الذي جُرّ إلى مسرحية أمنية رديئة، هدفها إرسال رسائل دبلوماسية مشوشة إلى دول الجوار، خصوصًا الإمارات. اُعتقل بلغيث، وأهين، فقط لأنه رفض أن يكون أداة في لعبة استخباراتية خاسرة.
وفي تسارع لافت لأحداث القمع، صدرت مذكرتا توقيف دوليتان ضد الكاتب والصحفي كمال داوود، المتهم الوحيد فيهما هو: قول الحقيقة. داوود أعاد فتح جراح العشرية السوداء، وأشار بأصابع الاتهام نحو الدولة العميقة، فكان نصيبه المطاردة.
وسط هذا الجو القاتم، تظهر وثيقة “جامعة الشلف” لتضيف لبنة جديدة في جدار الخوف. المراسلة تطالب أساتذة قسم التاريخ بعدم الإدلاء بأي تصريح لوسائل الإعلام الأجنبية دون “ترخيص مسبق”. وكأن الأستاذ الجامعي جندي في ثكنة، لا حامل مشعل المعرفة. والأدهى أن الوثيقة تهدد المخالفين بـ”إجراءات تأديبية”، وكأننا أمام سلطة عقابية لا مؤسسة علمية.
السؤال الجوهري: ما الذي تخشاه الدولة من أستاذ جامعي يتحدث؟ ما الذي يخيفها من كاتب أو مؤرخ أو صحفي يروي ما حدث؟
أي جامعة هذه التي تخشى فكر أساتذتها؟ وأي دولة تُصادر الكلمة الحرة باسم الانضباط، وتخنق المعرفة بحجة السيادة؟
الوثيقة الموقعة من عميد الكلية، ليست مجرد مراسلة إدارية، بل تجسيد حي لعقلية بوليسية تُدير الحرم الجامعي بمنطق المراقبة والعقاب. في جزائر 2025، لا يبدو أن هناك مكانًا للكلمة الحرة: الروائي يُسجن، المؤرخ يُسكت، الصحفي يُطارَد، والأستاذ يُهدَّد.
هكذا يُكتمل مشهد الرعب… لأن الحقيقة، ببساطة، باتت أخطر من الجريمة.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News