حكمة الحياة بين العدل والبصيرة
- بقلم : حسن كرياط//
يروى عن الإمام علي رضي الله عنه قوله: “أعداؤك ثلاثة؛ عدوك، وصديق عدوك، وعدو صديقك”. في هذه الكلمات تكمن فلسفة عميقة تنبّهنا إلى تعقيدات العلاقات البشرية، وتحذرنا من التسرع في الأحكام. علينا بالعدل، سواء مع الصديق أو العدو، فالمظلوم يستحق النصرة بغض النظر عن هويته، ومن نصر الحق أفلح. لا تكن ممن يفرح بسقوط الآخرين، لأن تقلبات الأيام تحمل معها مفاجآت قد تضعك في ذات الموقف.
الغنى في الغربة وطن، والفقر في الوطن غربة، كلمات تختزل شعور الإنسان بالانتماء حين تكون الكرامة متحققة. إن الخوف من الذل هو ذل بحد ذاته، والركون إلى الباطل وإن طال أمده لا يدوم، لأن دولة الحق قائمة حتى قيام الساعة.
حين سألتُ صحافيًا مخضرمًا عن أسوأ من قابلهم، أجاب بحكمة موجعة: “مسؤول لا يرحم ومعارض لا يتعلم”. وأضاف: “عشتُ بين هؤلاء، فتعلمتُ أن أضرب لهم الأمثال، وأن أفهم الرجال من كلماتهم”. فالعقل الكبير يُظهره اختيار الكلمة، والأدب يُزين العقل، وللنفوس الكبيرة إرادة تقودها إلى الإنجاز، بينما تبقى النفوس الضعيفة غارقة في الأمنيات.
الذكي، بعقله المتزن، يحول المشاكل الكبرى إلى مشكلات أصغر، ثم يذيبها حتى تنتهي. وفي اختيار الصديق، ابحث عن الأفضل منك، لأن الصداقة الحقيقية تعكس فضائل النفس. وإن خُدعت مرة، فالعيب على الآخر، لكن إن خُدعت ثانية، فالعيب عليك. اسأل إن جهلت؛ فالجهل ليس عيبًا إلا إذا ظل الإنسان عليه، واعلم أن الخبرة ليست دائمًا الدليل، فهي كالمشط الذي لا يفيد إلا أصلع الرأس.
في الانتصار، كن متزنًا، ولا تطلق الوعود الفارغة، وفي الخسارة، امتلك نفسك في لحظة الغضب، لأنك بذلك توفر على نفسك أيامًا طويلة من الندم. من يحكم نفسه يستطيع أن يحكم العالم، شرط أن يعرف قواعد اللعبة وزمنها.
أسعد القريبين منك، تجد أن البعيدين سيأتون إليك. حين تفتح لك الأبواب، ادخلها بثبات ووقار، وتذكر دائمًا أن البداية الحقيقية للحكمة هي أن تدعو كل إنسان باسمه، لأن الاعتراف بوجود الآخر هو أولى خطوات الفهم.
هكذا، تتجلى الحكمة في العدل والبصيرة، وفي إدراك أن الحياة لعبة تتطلب منا الوعي بقوانينها والتأمل في عمقها.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News