الثقافةالرأي

حفريات تاريخية، في العلاقات التاريخية بين الفراعنة والأمازيغ..

  • الحسين بوالزيت//

قراءة في مقال: “العناصر المعجمية الأمازيغية التي يمكن أن تساهم في تسليط الضوء على البحث في الأصول ما قبل التاريخية الأهرامات” لمحمد شفيق

les éléments lexicaux berbères pouvant apporter un éclairage dans la recherche sur les origines préhistoriques des pyramides “.

هذا هو العنوان الأصلي للمقال، وأتمنى ان أكون قد وفقت في ترجمته.

بمناسبة حلول رأس السنة الامازيغية، وسيرا على العادة، فيقينا ستطرح من جديد الكثير من الأسئلة حول علاقة الاحتفال بالتاريخ المشترك بين الفراعنة والامازيغ، وفي هذا الإطار نود ان نقدم للقارئ الكريمـ قراءة متأنية في مقال لشخصية اكاديمية مغربية، لها باع طويل في البحث التاريخي وفي التنقيب اللغوي، ويتعلق الامر بالأكاديمي المغربي محمد شفيق، مقال حرره شفيق سنة 1993. ونشر في كتاب من أجل مغارب مغاربية بالأولوية، والذي صدر سنة 2000 ضمن منشورات مركز طارق بن زياد للدراسات والأبحاث، وسبق ان نشر في مجلة تيفيناغ، عدد 11 و12 غشت 1997.

ويُعدّ محمد شفيق من أبرز الباحثين في الثقافة الأمازيغية، حيث قدّم إسهامات مهمة في دراسة اللغة والتاريخ الأمازيغي. من بين أعماله البارزة “المعجم العربي الأمازيغي” بأجزائه الثلاثة، وكتاب “اللغة الأمازيغية: بنيتها اللسانية”. والدارجة المغربية مجال توارد….

فيما يتعلق بمقال “العناصر المعجمية الأمازيغية التي يمكن أن تسلط الضوء على الأصول ما قبل التاريخ للأهرامات”، استند شفيق إلى دراساته اللغوية والتاريخية لاقتراح أن بعض المفردات الأمازيغية قد تحمل دلالات تُسهم في فهم أصول بناء الأهرامات في عصور ما قبل التاريخ. وهكذا قام بتحليل كلمات أو مصطلحات أمازيغية قديمة، وقام بربطها بمفاهيم أو تقنيات بناء مرتبطة بالأهرامات، مما قد يُشير إلى تواصل ثقافي أو تأثير متبادل بين الحضارات القديمة في شمال أفريقيا ومناطق أخرى.

على سبيل المثال، في “المعجم العربي الأمازيغي”، يستعرض شفيق العديد من الكلمات الأمازيغية المتعلقة بالعمارة والبناء، والتي قد تحمل تشابهات مع مصطلحات مستخدمة في حضارات أخرى.

هذا التحليل اللغوي يمكن أن يُسهم في تقديم رؤى جديدة حول التفاعلات الثقافية والتقنية بين الأمازيغ والحضارات المجاورة في فترات ما قبل التاريخ.

بالإضافة إلى ذلك، في كتابه “اللغة الأمازيغية: بنيتها اللسانية”، يُسلط شفيق الضوء على البنية اللغوية للأمازيغية وكيفية تطورها عبر الزمن، مما يُمكن أن يُساعد في فهم أعمق للعلاقات التاريخية والثقافية بين الأمازيغ والحضارات الأخرى.

وفي هذا الإطار حاول الأكاديمي المغربي الكبير محمد شفيق، تناول مختلق هذه الظواهر التاريخية في مقاله المنشور في كتابه من أجل مغارب مغاربية بالأولوية، وهو مقال كتب باللغة الفرنسية. وفي هذا الإطار انطلق الكاتب من فرضية مفادها وجود علاقة تاريخية بين الحضارة الأمازيغية والحضارة المصرية القديمة، وحاول تسليط الضوء على العناصر المعجمية الأمازيغية التي قد تُسهم في فهم الأصول ما قبل التاريخ للأهرامات. تطرقت الدراسة/ المقال إلى خمسة أنواع رئيسية من المعالم الجنائزية في المنطقة المغاربية كما حاول ابراز الصلة المحتملة بينها وبين الأهرامات المصرية:

الإيدبنان (Idebnan): وهي مقابر أمازيغية قديمة عبارة عن أكوام من الحجارة وتحتوي على ممرات وغرف، مشابهة في التصميم الأولي لغرف وممرات الأهرامات. وتنتشر في عدة مواقع بالجزائر وليبيا، وتُعتبر أماكن مقدسة، وتستخدم في طقوس دينية متصلة بالمعتقدات القديمة. وتنتشر باعداد كبيرة في موقع تين كوايا، غير بعيد عن واحة غات، في منطقة اجر في الجزء الغربي من فزان، في ليبيا. وتوجد كذلك في منطقة تيط، في صحراء آهكَار، في قلب الصحراء الكبرى. كما تنتشر كذلك في الموقع المعروف ب تين ” tin gherhoh ” بين أدرار وآهكَار.

وخلص الى القول أن الـ idebnan، هي هياكل دينية مقدسة لدى الطوارق، وتحافظ على ارتباط حي بممارسات قديمة تعود إلى فترة ما قبل الإسلام. الـ adebni، أو القبور المبنية بالحجارة، هي النموذج الحي لما كانت عليه المعالم أو المأثر الجنائزية القديمة. وهذه المدافن لا تمثل فقط أماكن للدفن، بل هي أيضًا مواقع مقدسة ترتبط بمعتقدات وطقوس روحية ترجع إلى فترة ما قبل التاريخ. وبالنسبة للنساء التاركَيات، فهذه المقابر تلعب دورا مهما في حياتهن الدينية، فهذه المقابر تذكرهن على ما يبدو بالديانات السابقة، وأثناء الحج الى تلك القبور، تعمد النساء التاركَيات اللائي يحجن الى مواقع الـ idebnan، الى عدم حمل أي تعويذات إسلامية، أو رموز للديانة الإسلامية، كأنهن يتمثلن لحظات الأجداد وما كانوا عليه من ديانة. هذه العودة إلى زمن الأديان القديمة. تبرز أثناء قيام الزيارة، فالزائرة (لقبر adebni،) تقرأ ترانيم دينية باللغة الأمازيغية، ثم تتلوّ دعاءً على الروح المدفونة في المكان، باللغة الامازيغية وتستلقي بجانب قدم القبر، وتغفو أو تنام، لكي يظهر لها في الحلم ما تنوي معرفته، سواء كان عن مستقبلها هي، أو ان ترى مصير شخص غائب منذ مدة طويلة. وفي المغرب يوجد أحد هذه المواقع بالقرب من واحة “taouz” في أقصى الجنوب لتافيلات.

نستخلص وفق ما أورده الكاتب أن «idebnan» هي قبور مبنية بالحجارة وفق أسلوب معماري أولي، ويعتقد أنها مرتبطة بمعتقدات تعود إلى الفترة ما قبل التاريخ، ولا تزال تزار حتى اليوم. ومن الخصائص الأخرى لهذا الطقوس هو التماس إجابات عن أسئلة وجودية تتعلق بالحاضر والمستقبل. ولتحقيق ذلك، تستلقي الزائرة عند قدم القبر على أمل الحصول على إلهام أو إجابة من خلال الحلم، كما سبقت الإشارة الى ذلك، وهذا الطقس يفترض أن الأسلاف أو القديسين المدفونين في هذه الأماكن قد يكشفون عن رؤى روحية أو أخبار تتعلق بمصير أحد المقربين.

 

البازينات (Bazinas): مقابر تأخذ شكل هرم صغير أو مخروطي. بُنيت باستخدام حجارة مرصوصة بإتقان وتتواجد جنوب ليبيا وشمال الجزائر. يعود تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ، وتُعد تقنيًا متقدمة عن الإيدبنان.

المقابر ذات القباب في نوميديا وموريتانيا: مثال على هذه المقابر، “قبر الرومية” في الجزائر و”مدغاسن”، التي تتميز بتصميم معماري معقد يعكس تطور البناء الجنائزي. ويعود تاريخها إلى العصور ما قبل الميلاد.

أكوام الحجارة المقدسة (Ikerkurn): أكوام من الحجارة تُبنى فوق القبور أو مواقع الجرائم، وكانت منتشرة في المغرب وبعض أجزاء شمال إفريقيا. وتُعد بقايا رمزية للعادات القديمة.

بالنسبة للأهرامات المصرية: طرح الكاتب تساؤلا حول أصل كلمة “أهرام” وأثر الثقافة الأمازيغية في تكوين تلك البنى.

وكخلاصة أشار الأكاديمي محمد شفيق في مقاله أو دراستة إلى تطور تدريجي للعمارة الجنائزية عبر الزمن بحيث أنها ولادة في شمال إفريقيا، وكانت البداية بتصاميم بسيطة مثل الإيدبنان وصولًا إلى الأشكال الأكثر تعقيدًا مثل الأهرامات والمقابر الملكية. وهنا يفترض أن هذه المعالم تشترك في جذور تصميمية واحدة، مع تطورات فرضتها العوامل الزمنية والجغرافية. وتُبرز هذه الدراسة دورًا محتملًا للثقافة الأمازيغية في المساهمة في الابتكارات الجنائزية بمنطقة البحر الأبيض المتوسط

الحسين بوالزيت: صحافي وباحث في التاريخ

 

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى