حرية التعبير عن الرأي السياسي على الشبكات الاجتماعية بالمغرب .. الواقع والمأمول
- عبد العالي أورشيح* //
الحق في حرية الرأي والتعبير من الحقوق الأساسية المنصوص عليها في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، وكذا الدساتير الوطنية لمعظم الدول الأممية لكون هذا الحق مرتبطا بالحقوق المدنية والسياسية الأساسية للإنسان كيفما كان انتمائه، وبغض النظر عن طبيعة الأفكار التي يريد التعبير عنها شريطة احترام القوانين الجاري بها العمل.
حرية الرأي والتعبير .. حقان متلازمان
يحيل الحق في حرية الرأي والتعبير على السماح بممارسة هذه الحرية باعتبارها حقا كونيا لجميع الناس بغض النظر عن جنسهم أو لونهم أو انتمائهم العرقي أو الجغرافي أو غيرهما، وهذا ما نصت علية المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه: “لكلِّ شخص حقُّ التمتُّع بحرِّية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود”.
ويتضمن الحق في حرية الرأي والتعبير على حقين متلازمين، الأول هو الحق في الرأي، والآخر هو الحق في التعبير عن الرأي، وبالتالي فإنه من غير الممكن الفصل بينهما، أي أنه لا يتصور وجود أحدهما بمعزل عن الآخر، فحق التعبير هو أجرأة للحق في الرأي، وبموجبهما يحق للفرد التعبير عن آرائه ونقلها للآخرين، فينتقل الرأي من مجرد فكرة إلى تعبير صريح، وقد صرحت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بموجب قرارها رقم 59، في 14 دجنبر 1946، بأن :”حرية تداول المعلومات يعتبر حقا أساسيا للأفراد”، ومع مرور الوقت توالى الاعتراف العالمي بالحق في حرية التعبير بموجب المادة العاشرة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لسنة 1950 التي نصت على أنه: “لكل إنسان الحق في حرية التعبير، الذي يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقي المعلومات والأفكار”.
وهذا ما أكدته المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية بأنه: “لكل إنسان الحق في اعتناق آراء دون مضايقة ولكل إنسان حق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو بأي وسيلة أخرى يختارها شريطة عدم إساءة استعمال هذا الحق للإضرار بالآخرين أو المس بالأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة”.
حرية الرأي والتعبير في التشريع المغربي
والمغرب باعتباره عضوا فاعلا في الأمم المتحدة، وبحكم تفاعله مع مُخرجات المجتمع الدولي ذات الصلة بحقوق الإنسان، انخرط بشكل طوعي في مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، فشرع في الانضمام التدريجي لمقتضيات الشرعية الدولية لحقوق الإنسان، بمصادقته على العديد من الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان من قبيل تصديقه على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في 03 ماي 1979، وهذا الأمر يلزمه استنادا إلى مرجعية القانون الدولي بإدماج المنظومة الدولية لحقوق الإنسان في السياسة العامة ذات الصلة بحقوق الإنسان وفاء بالتزامه بمقتضيات الاتفاقيات الدولية التي يعد طرفا فيها.
وهذا ما أكده الفصل 25 من الدستور المغربي لسنة 2011 حيث اعتبر: “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”، بل أكثر من ذلك جعل مجموعة من الحقوق المرتبطة بحقل حرية الرأي والتعبير من الحقوق المضمونة، حيث نص الفصل 29 من الدستور المغربي على “أن حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة، ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات، حق الإضراب مضمون، ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته”. كما تضمن دستور 2011 مجموعة من المقتضيات ذات الصلة بهذا الحق والتي من شأن احترامها وضمان ممارستها أن يساهمان في ترسيخ حقوق الإنسان كما هي معترف بها دوليا.
إلا أنه حسب دراسة حديثة يظهر تراجع تصنيف المغرب فيما يتعلق بحرية الصحافة وفق مؤشر “Freedom Press Index”، حيث احتل الرتبة 144، مشيرة إلى تجاهل التقدم المحرز على مستوى تبسيط الولوج للمعلومة وتطور وسائل الإعلام الرقمية والخطوات المنجزة في تجاه تعزيز حرية الصحافة.
كما سجل المغرب ارتفاعا في عدد الملاحقات القضائية المرتبطة بحرية الرأي والتعبير في الفضاء العمومي الرقمي، حيث وثقت منظمات حقوقية عشرات الملاحقات القضائية بسبب النشر على وسائل التواصل الاجتماعي.
حرية الرأي والتعبير في العالم الافتراضي .. أين الحدود؟
بفضل الدينامية التي تعرفها الشبكات الاجتماعية بالمغرب أسهمت نسبيا في دمقرطة وسائل التعبير ونشر المعلومة، بحيث صار لكل شخص القدرة على التعبير والنشر في الفضاء الرقمي دون قيد مسبق، إلا أن هذا الوضع يطرح تحديات متعددة، تتمثل أساس في حدود هذا الحق أو هذه الحرية على هذه المنصات؟
ولأجل تبيان حدود هذه الحرية في هذا العالم الافتراضي أو ربما “تضييقها” كانت هناك محاولة في أواخر حكومة الدكتور سعد الدين العثماني مع مشروع القانون رقم 22.20 المعروف إعلاميا بقانون “تكميم الأفواه”، بحيث خلفت النسخة المسربة منه ردود فعل متباينة ليس فقط من قبل رواد مواقع التواصل الاجتماعي والسياسيين والحقوقيين والمثقفين فقط، بل حتى داخل مكونات الأغلبية الحكومية نفسها، كما هو الحال مع أحزاب: العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتي عبرت عن رفضها لأي مقتضيات تشريعية تتعارض مع ممارسة الحريات والحقوق المكفولة دستوريا، مع تأكيدها على ضمان ممارسة الحقوق الأساسية ومن ضمنها الحق في حرية الرأي والتعبير؛ كما اتهمت الحكومة آنذاك بكونها تسعى من خلال مشروع القانون ذاك إلى “تكميم المغاربة بمواقع التواصل الاجتماعي”، بالرغم أن مجموعة من الأفعال الاجرامية التي يمكن أن ترتكب في هذه الفضاءات الرقمية يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي.
وإضافة إلى ما سبق ارتبطت العديد من القضايا التي تندرج ضمن الجريمة الإلكترونية في سياق “حرية التعبير والنشر” بأسماء مدونين أو صحفيين نشطاء على الشبكات الاجتماعية تمت متابعتهم قضائيا بسب نشر صور أو معطيات متعلقة بشخصية عمومية، أو في قضايا التشهير ونشر معلومات زائفة.
ومن بين هذه القضايا نجد مثلا إدانة الغرفة الجنحية لدى المحكمة الابتدائية بسلا في فبراير الماضي، الصحفية بموقع “صوت المغرب” حنان باكور، بشهر واحد موقوف التنفيذ وغرامة مالية قدرها 5000 درهم. واتهمت الصحفية بـ”بث وتوزيع ادعاءات ووقائع كاذبة باستعمال الأنظمة المعلوماتية بقصد المساس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم”.
وفي قضية أخرى قضت هيئة الحكم بالمحكمة الابتدائية بمركز القاضي المقيم بقلعة مگونة، في ماي السنة الماضية، بشهرين حبسا نافذا وغرامة مالية قدرها 2000 درهم في حق المدون والناشط المحلي كريم أمزال، مع تعويض لفائدة المطالب بالحق المدني قدره 7000 درهم”. على خلفية قضية “تشهير بمواقع التواصل الاجتماعي” كان قد رفعها ضده رئيس المجلس الإقليمي لمدينة تنغير.
ومع تعرض عدد من النشطاء على الشبكات الاجتماعية للمتابعات القضائية في قضايا تتعلق بحرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي صارت حرية التعبير والنشر على هذا الفضاء الافتراضي مثار نقاش وبحث عن حدود وضوابط التدوين على هذه المنصات، كما ذهب باحثون في القانون أن الأمر يعود لعدم الوعي بمبدأ عدم التعسف في استعمال الحق، مما يذهب بعديد النشطاء على هذه المنصات إلى الاحلال أحيانا بضزابط العيش المشترك في بيئة حرة، نتيجة ضعف التكوين في استعمال هذه التقنيات الحديثة في التعبير والنشر.
كما أن الضوابط القانونية لحرية التعبير والنشر هي مبدئيا أدوات منظمة لحرية الرأي والتعبير، وليس قيدا لها، على اعتبار على أن هناك أفعال على هذه الشبكات هي انتهاك لحقوق الغير كالسب والتشهير وغيرهما؛ كما أن القوانين المنظمة تضم كذلك مصطلحات غير دقيقة وضبابية وفضفاضة؛ بحيث لا يستطيع المواطن أن يتبين حدود حرية التعبير ومجالاتها، وهذا ما يجعل الرقابة الذاتية تزيد خصيصا في صفوف الواعين بهذه القوانين وذلك لتفادي المتابعات القضائية.
*طالب باحث بماستر التواصل السياسي والاجتماعي
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News