حديث الأربعاء: لارام… متى الإقلاع؟
يوم الأحد الماضي، شهد مطار محمد الخامس بالدار البيضاء حركة غير عادية. شاحنتان من صهاريج المياه التابعة للوقاية المدنية كانتا في وضعية استعداد تام، ليس لحادث مفاجئ – لا قدر الله – بل لإقامة طقس احتفالي عالمي يُعرف باسم “التحية المائية”،water Salute حيث يتم قذف المياه على شكل أقواس فوق الطائرة، احتفاءً بمناسبة خاصة.
هذه المرة كانت المناسبة استقبال الخطوط الملكية المغربية لأحدث طائرة في أسطولها من طراز بوينغ 787-9 دريملاينر.
بهذا الاقتناء، يصبح هذا العملاق الجديد الطائرة العاشرة من نفس الطراز في أسطول الخطوط الملكية المغربية. وكما يشير اسمها، تعتبر “الطائرة الحلم” إنجازًا تقنيًا مميزًا. دخلت هذه الطائرة الخدمة لأول مرة سنة 2011، وكانت الخطوط اليابانية أول من استخدمها.
من مميزاتها أنها تتسع لحوالي 330 راكبًا، وتصل سرعتها إلى 1028 كلم/ساعة، ويمكنها التحليق لأكثر من 14 ساعة. أما ثمنها الباهظ، فقد بلغ حوالي 250 مليون دولار أمريكي (أي حوالي 2.5 مليار درهم مغربي). ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذا المبلغ لم يُمول من أرباح الشركة وإدارتها الذاتية، بل تم تأمينه عبر دعم حكومي مباشر من المال العام – “ما فيها باس، ديالنا في ديالهم”.
وعندما هبطت “الطائرة الحلم”، غمرتني مشاعر متباينة. وعلى حد تعبير الصحفية اللبنانية كريستيان بيسري: (ابتسمت مرة وحزنت مرتين ) كمغربي، شعرت بفخر واعتزاز وأنا أرى شركة طيران بلادي تتطور، وتعزز أسطولها التجاري بطائرة من الطراز الرفيع.
دفعني ذلك للتفكير: هل هو مجرد صدفة أن قرر كبار مسؤولي البلاد آنذاك تأسيس الخطوط الملكية المغربية سنة 1957، بعد الاستقلال مباشرة، بجانب مؤسسات سيادية أخرى كالقوات المسلحة الملكية، ووزارة الشؤون الخارجية والتعاون، والإدارة العامة للأمن الوطني سنة 1956؟
ولماذا كان أو رئيس مدير عام لها هو المرحوم إدريس الشرادي الذي قدِمَ اليها من ديوان ولي العهد أنذاك الأمير مولاي الحسن (الحسن الثاني رحمه الله ) أليس ذلك دليلًا على وعي استباقي بأهمية النقل الجوي وما يرمز إليه من قيم الانفتاح في وقت كان الانغلاق هو السائد عالميًا بسبب تداعيات الحرب الباردة؟
حزني الأول هو على تدهور جودة الخدمات التي أصبحت تقدمها شركتنا الوطنية. لن أعود لتفاصيل إهانة الجالية المغربية في إيطاليا خلال عملية “مرحبا” لهذا العام، ولن احكي عن المسافر الذي يشتري تذكرته ويصل في الموعد ليجد نفسه بدون مقعد.
أما تأخر الإقلاع والوصول، فقد تحول إلى رياضة وطنية، لا يصاحبها أي اعتذار. وإذا قررت تقديم شكاية، فتأكد أن انتظارك سيطول. وعندما لجأ المتضررون إلى الإعلام، وجدوا أن معظم الأبواب موصدة، فسيف الإشهار والتذاكر جاهز لقطع الأرزاق .بل وحتى مواقع التواصل الاجتماعي لم تسلم من تدخلات النمرود السري الذي يعبث بالتعليقات.
وكل هذا في زمن كرم الدولة المغربية وهي تدعم الشركة بسخاء. ففي سنة 2023، وُقعت اتفاقية غير مسبوقة بين الخطوط الملكية المغربية والحكومة برئاسة عزيز أخنوش. بموجبها، التزمت الدولة بتوفير الإمكانيات اللازمة للشركة لشراء 150 طائرة جديدة، ليرتفع أسطولها إلى 200 طائرة خلال الخمس عشرة سنة المقبلة، بدلًا من 50 طائرة حاليًا.
هذه الاتفاقية لم يحلم بها أي رئيس مدير عام سابق، رغم أن الأسماء التي تعاقبت على الإدارة مثل إدريس بنهيمة وحصاد ومحمد برادة كانت جميعها شخصيات ذات مكانة في دواليب الدولة وسراياها .
أما الحزن الثاني فقد انتابني وأنا أتأمل المحطات المقبلة والمصيرية، مثل كأس إفريقيا 2025، ومونديال 2030، وحلم استقبال 20 مليون سائح الذي اصبح مرهونا.
فبأية عقلية تدبيرية وبأي أسلوب تواصلي تستعد الإدارة العامة لهذه المواعيد؟ أم أن الزبائن ليسوا ضمن أولوياتها مادام أنبوب الدعم الحكومي مفتوحًا؟
وفي الختم ، بينما كانت “الطائرة الحلم” تحط بمطار الدار البيضاء يوم الأحد وفي استقبالها كبار القوم ،سجلت الرحلة القادمة من بروكسيل رقم AT 831 تأخرًا تجاوز أربع ساعات عند وصولها إلى مطار الرباط. ولسوء حظي، كان على متنها خبير دولي في قضايا حقوق الأطفال كنت على موعد معه.
يبقى السؤال مطروحًا: هل الخطوط الملكية المغربية بحاجة ماسة إلى طائرة Dreamliner جديدة، أم إلى حكامة رشيدة؟
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News