العالم اليوم

حديث الأربعاء: سوريا من عمر بن عبد العزيز إلى بثينة شعبان

صورة المقال : عبد الرفيع حمضي مع الوزيرة السورية المكلفة بالمغتربين “بثينة شعبان” أثناء زيارتها للمغرب

**************

  • بقلم عبد الرفيع حمضي //

بدأت حكايتي مع السوريين بمدينة وزان في سبعينيات القرن الماضي، وبالضبط بثانوية مولاي عبد الله الشريف.

لم يكن حينها فكري مشغولًا لا بشام معاوية بن أبي سفيان، ولا بدمشق حافظ الأسد وحزب البعث العربي الاشتراكي، ولا حتى بالحلويات الشرقية كالكنافة وغيرها. إذا ما استثنينا : شذرات قليلة ،عن فترة خلافة سيدنا عمر بن عبّد العزيز الخليفة الثامن لبني أمية وحماس كبير عن حرب تحرير الجولان التي كانت إسرائيل قد احتلتها مع سيناء عام 1967، والتي كان يحدثنا عنهما أستاذ الاجتماعيات السوري الجنسية.

ففي السبعينات كان المغرب في حاجة إلى مدرسين، فاستعار عددا منهم من دول عربية وأوروبية .وهكذا، كان من بولندا أستاذ الفيزياء، ومن فرنسا مدام سميث للرياضيات، ومسيو مينيون للغة الفرنسية، ومن فلسطين الأستاذ الطلاع أحمد للغة العربية، وغيرهم. ما أذكره عن الأستاذ السوري أنه كان وسيمًا، أنيقًا، ومحترمًا، مما جعلنا نحب مادته رغم صعوبة مخارج حروفه ورداءة خطه.

في السنة الموالية، كان نصيبي أستاذًا سوريًا آخر، لكنه كان عنيفًا رغم أناقته. كان الشر يخيّم على وجهه، لدرجة أنه سأل مرة تلميذًا رث الملابس عن اسمه العائلي. أجابه التلميذ، القادم من القرى المجاورة: “عبد السلام بن محمد بن علي”، فرد الأستاذ بسخرية قاسية: “أهذا اسم أم ذيل كلب! يا أقل من حتى!”

في الثمانينيات، بدأ وعيي يتشكل يسارًا. أصبحت كتب جورج طرابيشي، وحسين مروة، والطيب تيزيني تفرض نفسها بجانب كتب الجابري والعروي. هل كنت أستوعب كل إشكالياتها؟ يقينًا لا. لكنها كانت قامات فكرية كنا نتباهى بكتبهم. وفي نفس الفترة، بدأت حضور المؤتمرات السياسية، خاصة مؤتمرات الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والشبيبة الاتحادية.

وفي كل مؤتمر، كان يحضر ممثل عن حزب البعث العربي الاشتراكي، يلقي كلمة في الجلسة الافتتاحية. كان يحاول تقليد زعيمه حافظ الأسد في طريقة الإلقاء، مما جعل خطابه ثقيلًا على الأذن وعسير الهضم. .مع اطالة في الكلام لم يكن يوازيه إلا الرفيق ممثل الحزب الشيوعي السوفياتي وهكذا كانت قاعة المؤتمر تتحول إلى معانات لا نخفف من حدتها إلا بوشوشات جانبية ما بين الجدية والنكتة ونحن نحاول ان نجيب على سؤال ابدي هل الاتحاد السوفياتي حليف استراتيجي ام رفيق مرحلي؟

في بداية التسعينيات، قادتني ظروف العمل إلى مدينة بنغازي بالجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى .

وكنت مسؤولًا إداريًا على الموارد البشرية لشركة محاصة مغربية ليبية تعمل على إنجاز 15 خزان ماء بمنطقة وادي جازة. كان المستخدمون بالشركة من 16 جنسية، من الهند إلى تشاد.

وكان بيننا خمسة سوريين، مهندس، وتقني، ومسّاح، وثلاثة مساعدين. كنت كلما تناقشت مع أحدهم في أمور الحياة من طرابلس إلى حلب مرورا بالرباط كان يلتمس مني ألا أُشارك الآخرين تفاصيل ما راج بيننا. لقد كان الرعب من تبليغ دمشق يلاحقهم حتى وهم خارج وطنهم .

في بداية الألفية، زارت بلادنا الدكتورة بثينة شعبان، وزيرة الدولة المكلفة بالمغتربين.

كانت هذه زيارتها الأولى للمغرب، للاطلاع على تجربته في تدبير قضايا مغاربة العالم. بثينة شعبان، المعروفة بأنها كانت مترجمة الأسد الأب الخاصة وكاتمة أسراره، أصبحت مستشارة سياسية للأسد الابن منذ توليه الحكم. وفي أحداث سوريا، أصبحت “لسان النظام”، خاصة عند مخاطبة الغرب.

صحيفة “صنداي تلغراف” البريطانية وصفتها بأنها “أكثر شراً من رئيسها بشار”، الذي وصفته بأنه “يحرق بلاده”. كما أضافها الاتحاد الأوروبي إلى قائمة العقوبات عام 2012، و وُجهت إليها ايضا اتهامات في لبنان بالتخطيط لتفجيرات.

أذكر أنني كُلفتُ باستقبالها في مطار محمد الخامس رفقة سفير بلادها. كانت قادمة على متن رحلة من جنيف. كان السفير محرجًا طيلة فترة إعداد الزيارة بسبب تدخل مكتبها بدمشق في أدق التفاصيل: هل ستُنقل مباشرة من سلم الطائرة؟ أم تمر عبر القاعة الشرفية؟ ما نوع السيارة؟ ماهي درجة من سيستقبلها بالمطار ؟وهل هناك إعلام ؟ مستوى الفندق ؟ وتفاصيل اخرى أعفيكم منها متعلقة بالخصوصية الجندرية.

المضحك المبكي، أن الدكتورة كانت قد كلفت أحد أعوانها بنقل حقيبتين كبيرتين من جنيف إلى الدار البيضاء دون دفع مستحقات الشحن بحجة أنها وزيرة دولة وفي زيارة رسمية، لكن الأمر لم يكن ممكنًا.

فطيلة أربعة أيام، أصبحت هذه القصة البسيطة هي موضوع نقاش وزيرة الدولة خلال كل لقاءاتها حتى انه في اليوم الأخير أقام سفير سوريا بالرباط مأدبة غداء بإقامته على شرفها ودعا لها عددا محدودا من المدعوين أتذكر منهم السفير السابق بسوريا السيد ادريس الضحاك والكاتب احمد السلطاني من قدماء الطلبة المغاربة بسوريا وكذلك سفير لبنان بالرباط .ولم يفسد مذاق تلك الوجبة اللذيذة إلا عودة الدكتورة للحديث عن الموضوع .وكم كان حرج سفير بلادها بالرباط واضحا حتى ان جبهته تصببت عرقا.

رغم ذلك، لا يمكن انكار انها تميزت بمستوى فكري رفيع وقدرة هائلة على تحليل القضايا الدولية المعقدة.
في ليلة التنحي المتوافق عليه بين اللاعبين الكبار بسوريا ،كانت بثينة آخر من اتصل به بشار وطلب منها ان تلحق به بالقصر لكتابة خطاب له . جمعت حقيبتها النسائية وتوجهت مهرولة ،لكنها عندما طرقت باب القصر كانت الطائرة قد خرجت من الاجواء السورية.

ما يعاب على بشار الاسد انه أحاط نفسه ببطانة فاسدة بدء من رامي مخلوف والاخرس وسليمان معروف وماهر وبشرى الأسد التي شاع انها امرت باعتقال أستاذ جامعي لانه تحفظ علميا عل شهادة دكتورتها في الصيدلة .

فماذا لو كان بشار الاسد عاد إلى تاريخ كانت الشام حاضنته واطلع على أسلوب سيدنا عمر بن عبد العزيز ثامن خلفاء بني أمية في اختيار مساعديه فقد خاطب يوما مستشاره قائلا: “كنْ إلى جانبي دائماً، وراقبْ ما أفعل، وانظرْ ما أقول، فإنْ رأيتني ضَللتُ فأمسكني من تلابيبي، وهُزَّني هزًّا شديداً، وقل لي: اتَّقِ اللَّهَ يا عمر، فإنك ستموت”.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى