
جهود “الدكتور محمد احميدة” في تطور النادي الجراري
- وليد علا //
يعد”محمد احميدة “من أبرز الأدباء الذين أرخوا للأدب المغربي في فترتيه الحديثة والمعاصرة لكونه عاصر مجموعة من الأدباء المخضرمين كل حسب مجال اهتمامه شعرا ونثرا، كما أسس مشروعا نقديا يتمثل في تأريخه للنادي الجراري” بذكر أعلامه وأهم الموضوعات التي أثيرت داخل أمسياته الجُمعية، ودور الجلسات في إغناء الثقافة المغربية بالمؤلفات وتطوير الحس النقدي، حيث أرخ”محمد احميدة” لجيلين” متعاقبين من المثقفين المغاربة: جيل السلفيين المتنورين الذين عاصروا المؤسس وارتادوا النادي كأحمد سكيرج، وأحمد الصبيحي، ومحمد المختارالسوسي، ومحمد بنتاويت الطنجي، ومحمد بن عبد الهادي المنوني…وجيل الجامعيين الذين احتضنهم العميد كأحمد الطريسي، وعلال الغازي، وعبد العالي الودغيري، وأحمد شوقي بنين، وأحمد شحلان وقاسم الحسيني”وعلى غرار ترجمته للأعلام استعرض “محمد احميدة” أهم القضايا التي شغلت الرأي العام الوطني والعربي ويتمثل ذلك في كتابه المعنون “بـ حركية النادي الجراري خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين”حيث استحضر فيه مجموعة من القضايا الأساس، مثل قضية السرقات الأدبية وقضية الشعر الحر وقضية اللغة العربية وحماية التراث الأدبي، ولم يقتصر الحديث عن القضايا الأدبية، بل تعدى ذلك إلى تناول القضايا السياسية ومنها القضية العراقية، حيث كانت الشاغل الأساس عند أعضاء النادي الجراري، يقول “محمد احميدة”: “منذ أن بدأت المشكلة العراقية، ومجلس النادي الجراري يتحدث في هذا الموضوع، قد يأخذ ذلك جزءا من الجلسة برمتها حوله”. لقد حركت هذه القضية أقلام العديد ممن ارتادوا النادي فعبروا عن مواقفهم بالقريض “بما يحدث في العراق الشقيق وإذا كان أحد شعراء النادي وهو الدكتور مصطفى الشليح قد أصدر سنة (1999) ديوانا شعريا بعنوان وماء العراق يشربه القصف مهدى إلى شعب العراق المحاصر، فإن بغداد استمرت حاضرة في وجدان هؤلاء الشعراء، بل في جدان كل أعضاء النادي وتعمق هذا الحضور حينما تكالبت عليها جيوش الغرب المعتدية”.
وعلى غرار القضية العراقية حضرت داخل الجلسات القضية الفلسطينية يقول “محمد احميدة”: ” ففي جلسة يوم الجمعة 23 أبريل (2004)، ألقى الشاعر محمد بن الراضي جزءا من قصيدة طويلة حول القضية الفلسطينية واستشهاد المناضل الفلسطيني الكبير الشيخ أحمد ياسين زعيم منظمة حماس متحدثا عن مآسي الأمة العربية في حاضرها”وقد دار النقاش كذلك حول قضية لبنان وما شهده من صراعات طائفية وحزبية، وقد عرف النادي الجراري حضور الدكتور علي القاسمي باحث وأديب عراقي تحدث عن دور رئيس الوزراء رفيق الحريري في إعادة إعمار لبنان بعد الحرب.
أما القضية المهمة التي ظلت موضوعا يثار داخل جلسات النادي الجراري هي قضية الصحراء المغربية، إذ يقول محمد احميدة: “إن قضية الصحراء المغربية ظلت موضوعا حاضرا داخل مجالس النادي الجراري واستمر مع بداية القرن الحادي والعشرين، وشكلت أولوية سياسية سواء في القرن العشرين على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، أم في بداية القرن الحادي والعشرين على عهد الملك محمد السادس”.
والجدير بالذكر أن “محمد احميدة” يسعف القارئ في معرفة عناوين العروض التي تلقى في النادي وتتمحور حول قراءات في دواوين شعرية أو كتب أو موضوعات معينة… بذكر موضوع العرض وصاحب العرض ثم تاريخ تقديم العرض.
كلها قضايا حركت أقلام العديد من الأدباء والشعراء في النادي الجراري، فسجلوا مشاعرهم ومواقفهم من خلال قصائد شعرية وكتابات نثرية أدبية، كما عرف النادي حضور رجال السياسة بمواقفهم تجاه عدة قضايا، فكان “محمد احميدة” يوثق بدقة تاريخ “الجلسات”ومن حضر فيها والموضوعات التي شارك بها أعضاء النادي، ليؤسس بذلك المشروع الذي أراده أرشيفا منيرا للباحثين ونبراسا يضيء طريق القراء بغية التعرف على أدبائهم واهتماماتهم الفكرية والأدبية ومراكزهم الإدارية والتعليمية وتاريخ التحاقهم بالنادي الجراري، وذلك لطمر ما قيل كون الباحثين قصروا في التعريف بأعلامهم وفي الاطلاع على منتخباتهم التي أرخت للأدب المغربي حيث نبه لذلك الشيخ” أبو حامد محمد بن العربي بن يوسف الفاسي الفهري” بقوله:”ووسموا المغاربة بالإهمال، ودفنهم فضلاءهم في قبري تراب وإخمال، فكم من فاضل نبيه طوى ذكره عدم التنبيه فصار اسمه مهجورا كأن لم يكن شيئا مذكورا”هذه القولة ورًّت زند الوعي بضرورة التأريخ للأدب المغربي باعتباره جزءا لا يتجزأ من الأدب العربي.
وقد زاوج “محمد احميدة” بين الكتابة والتأريخ بمنهجية متسلسلة دقيقة، فمن خلال مؤلفاته نستنج أنه ركز على تطور النادي الجراري من التأسيس إلى الامتداد والتطور، ونقصد بالتطور ترجمته لشعراء النادي الجراري في تركيز على جنس الشعر خاصة في مؤلفه “شعراء النادي الجراري الشاعر والنص”الذي صدر سنة (2015)، وقد توجت مسيرته الأدبية والنقدية بإعداد وتقديم لديوان “عباس الجراري،” إنه الجديد الذي اكتشفه “محمد احميدة” في مراحل تأريخه للنادي الجراري كون العميد عباس الجراري ينظم القريض وهو أمر دفعنا للقول إن “عباس الجراري” ماعرفناه شاعرا ينظم القريض ولا معبرا بشعر تفعيلة وإنما كاتبا أديبا ناقدا خطيبا منظرا لاتجاهات الشعر المغربي الحديث من محافظ وكلاسيكي وجديد، فما هي الموضوعات التي نظمها الشاعر في ديوانه؟ وكيف قدمها الدكتور”محمد احميدة”؟ وما المنهجية التوثيقية التي سلكها؟ وما السر وراء إخراج عباس الجراري قصائده؟
رفع “محمد احميدة” في تقديمه لديوان الشاعر “عباس الجراري” الستار عن الحياة الشخصية للشاعر، والذي عرفناه في كتاباته ناقدا مثقفا ومشرفا على الأطاريح الجامعية، كما قربنا من الدوافع التي جعلت العميد ينشر قصائده بين دفتي كتاب، والتي يرجع كتابة إحداها إلى ستينيات القرن الماضي، وبذلك فالشاعر كان يواكب بقريضه الأحداث والوقائع التي شهدتها الأمة العربية والإسلامية دون أن ينشر تلك الكتابات أو يفصح عنها.
وقد اعتمد “محمد احميدة” في جمعه وتقديمه للقصائد على طرحه للسؤال وانفتاحه على المقالات الإلكترونية وخير دليل نجده قد ضمن في تقديمه لديوان الشاعر موقعا إلكترونيا يضم بعض الكتابات والقصائد الشعرية التي وجهها الشاعر لأولاده وأحفاده، وهذا ملمح إجرائي انفتح عليه الأديب المؤرخ “محمد احميدة” في جمع المادة والاطلاع عليها، كما ظل “محمد احميدة” معتمدا على طريقته التأريخية في سرد السنوات والوقائع الدقيقة، يقول في هذا الصدد:” وتأتي سنة (2016) وبالضبط في شهر يونيو ليخبرني أستاذي عباس الجراري بعزمه على نشر أشعاره”، علاوة على هذا نستنتج من خلال تقديم الجزء الأول من الديوان أن “محمد احميدة” وظف تقنية طرح الأسئلة ليجيب عنها بالدلائل القاطعة ومن مصدر أصلي ألا وهو الشاعر “عباس الجراري،” وهي التقنية نفسها التي سلكها “محمد احميدة” في كتابه “شعراء النادي الجراري الشاعر والنص”، حيث كان يبعث للشعراء المترجم لهم بطاقات تحتوي على مجموعة من الأسئلة تروم معرفة إنتاجاتهم الأدبية ومعلوماتهم الشخصية، الأمر الذي انتهجه شخصيا مع الشاعر”عباس الجراري” ليكتشف الدافع الأساس وراء نشره للقصائد.
إن الدافع وراء نشر الشاعر “عباس الجراري” مقتطفات من ديوانه هي حرمه الأستاذة “حميدة الصائغ” التي ألحت على زوجها نشر كتاباته والتي تمثل جزءا من هويته، فكان هذا دافعا جعل المؤرخ “محمد احميدة” يخرج هذا الإنتاج لأنه يشكل سيرورة لمشروعه النقدي الخاص بالنادي الجراري تأسيسا وتطورا وإنتاجا في جنس أدبي محدد يتمثل في الشعر، فنظم القريض عند “عباس الجراري” ليس وليد اللحظة بل إن جذوره تصل إلى ستينيات القرن الماضي، إضافة إلى اهتمام “محمد احميدة” بالكتابات الأدبية للعميد كونه من الذين جالسوه وواكبوا أعماله الأدبية والنقدية، وأرخوا للنادي الجراري من خلال مجموعة من الكتب بدءا من تاريخ الأندية الأدبية مرورا بحركية النادي الجراري ثم شعراء النادي الجراري الذي قدم فيه ترجمة خاصة بشعراء الرباط، كلها دوافع جعلت الشاعر يسعى جاهدا إلى تحقيق أمنية الأستاذة “حميدة الصائغ”.
ونظرا للعلاقة الوطيدة التي تربط العميد بالمؤرخ حاول “محمد احميدة” أن يقدم للقارئ والباحث جانبا من الحياة الأدبية شعرا ونثرا، فقد اختار الشاعر الوقت المناسب لإخراج إبداعه، وقد نجح “محمد احميدة” في الجمع والتقديم مكملا بذلك مشروعه النقدي المتمثل في رصد تطور النادي الجراري من التأسيس إلى الإنتاج وهو إنتاج ينحصر في المجموع الشعري الذي نظمه الشاعر عباس الجراري، وفي هذا السياق يتبين أن “محمد احميدة” يتساءل مرارا وتكرارا عن المجموع الشعري الكامل بقوله:”إن الفترة الزمنية التي تمتد ما بين سنوات الستين من القرن العشرين والعقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، والتي تؤطر الإنتاج الشعري الذي وقفنا عليه، لا تشكل سلسلة متماسكة من البداية إلى النهاية تسهم في رسم خط واضح للتطور الشعري عند عباس الجراري” وفي إشارة لأقدم نص شعري كتبه الشاعر الجراري، يشير “محمد احميدة” إلى أن المحاولات الأولى للعميد في نظم القريض تفتقت منذ أن كان تلميذا بثانوية “مولاي يوسف” بالرباط، معلومات ما كنا سنطلع عليها لولا حنكة “محمد احميدة” وقربه من الشاعر أفضت في النهاية إلى معرفة تطوره الشعري، كما أن دراسة الشاعر في مصر جعلته يحتك بالمثقفين وبالمدارس الشعرية والنقدية يقول “محمد احميدة:” وأطلعني الأستاذ على أمر آخر، يثبث ممارسته لكتابة الشعر قبل سنوات الستين، ففي سنوات الخمسين، رحل إلى مصر لاستكمال دراسته.وكان ذلك صيف (1956)”.
لقد واكب الشاعر “عباس الجراري” الحداثة الشعرية بنظمه وفق النمط التقليدي وإيقاع شعر التفعيلة مواكبا بذلك روح العصر بغية التعبير الصادق والتغني الفائق بأبنائه” ألوف”،”علا”،”ريم”، “محمد” لما عرجت بهم الدراسة إلى الديار الأمريكية.يقول “محمد احميدة: “لقد كان سفر الأبناء لاستكمال دراستهم، حافزا للشاعر لمخاطبتهم قصيدا، وهو قصيد جاء محملا بمشاعر الأبوة الصادقة” من تم جاء إحساس الشاعر مفعما بالاشتياق والحنين لأبنائه نظرا لبعد المسافة، فشكلت له القصائد جسر تواصل بينه وبين أبنائه، ولم يقتصر نظم القريض على الأبناء فقط بل تعدى ذلك إلى تغنيه بالأحفاد وخاصة ابنة ألوف نور يقول في حقها بمناسبة الذكرى الأولى لميلادها:
“العِيدُ أقبل بِالبشِيرِ ينُـــــــــورُ
والسعْدُ باد تزْدِهِي بِهِ نـــورُ
تزهو بعام قد مضى فرحا به
تخطو الهوينا تارة وتـــــــــدور
كان النداء لنا يثير تبــــــسما
من ثغرها حلوا عليه ســـرور”.
ما يمكن قوله استنادا إلى القصائد التي ضمنها الشاعر في دواوينه أن “محمد احميدة” يؤطر القصائد بقراءته الشخصية وهو ما نرصده في الصفحة الرابعة والعشرين، بحيث استنتج مجموعة من الملاحظات حول قصائد الشاعر عباس الجراري.
وننتقل إلى ملمح آخر أحدث دينامية داخل الجلسات الجرارية، وهي المساجلات التي دارت بين الشاعر وشرائح اجتماعية مختلفة، وخاصة المساجلة الكتابية التي نظمها الشاعر في حق جلالة الملك الحسن الثاني رحمه الله، وفي هذا الصدد نشير إلى أن قصائد الشاعر تمثل أجوبة عن أسئلة معينة أو شكر وامتنان لشخص معين قد يكون شاعرا أو دبلوماسيا أستاذا أو وزيرا.
نستشف انطلاقا من قراءتنا للديوان أن “محمد حميدة” أراد أن يطلع القارئ على مناسبات المساجلات التي دارت بين الشاعر وجلالة الملك الحسن الثاني والتي تعد جانبا من الأمور الشخصية لعميد الأدب المغربي “عباس الجراري”، إنه رائز إجرائي لابد أن يُحْسَب “لمحمد احميدة”، فقربه إلى الشاعر باعتباره مؤرخا للنادي، والثقة المتبادلة بينهما جعلت الشاعر يخرج هذه الكتابات التي تشكل جزءا من الهوية المغربية تتجسد في علاقة الملك بالشعراء والاهتمام بهم، وخير دليل على هذا ما نظمه الشاعر ” عباس الجراري” بمناسبة التنويه الذي جاءه من جلالة الملك الحسن الثاني بعد إلقائه درسا رمضانيا سنة (1998) فصاغ الشاعر هذه الالتفاتة المولوية قريضا يقول:
“يا سيدي وهتاف الحب ناداني ** وقادني حاملا شعري وألحاني
علي إذا ما لثمت الكف منتشيا ** أهديت للحسن الثاني رياحيني
فالشعر أنت له راع وتقرضــه ** ومبدعاتك فيه در تيجـــــــان
تغريدة عذبة قلبي تعشقــــها** فوقعت لحنها أوتار عيدانــــي”.
ومن بين الأمور التي أثارت انتباهنا في الديوان هو الخطاب المقدماتي الذي تناوب عليه الشاعر “عباس الجراري” ومؤرخ النادي الدكتور”محمد احميدة” في سردهما لمضامين القصيدة وغرضها الأساس وقيمة الممدوح لدى الشاعر، وهي توطئة تسبق القصيد تكاد تفصح للقارئ عن المضامين، فتارة نجد الشاعر يستهل القريض بفقرة وتارة أخرى نجد “محمد احميدة” من خلال فقرة قصيرة يطلع القارئ على مناسبة القصيدة والرسالة التي رافقتها، ويتبين هذا الأمر في قصيدة الشاعر التي عنونها “جرؤت فحبرت” وما سبقها من توضيح أرفقه “محمد احميدة” بقوله: “بمناسبة انتهاء السنة الدراسية للمدرسة المولوية لموسم (1993-1994)، قدم الدكتور عباس الجراري لجلالة الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه بعض كتبه المنشورة خلال سنتي: (1992-1993).وتم ذلك عشية الأحد 16محرم (1415ه) الموافق لـ 26يونيو (1994)، فكان جواب جلالته على الكتب”تبارك الله” خطاب يظهر للقارئ على اختلاف ثقافته وتكوينه المعرفي مضمون القصيدة قبل الاطلاع عليها والإبحار فيها، وبالتالي “فمحمد احميدة” أراد أن تصل الفكرة لكافة المتصفحين.
أما القصيدة فتقول:
جرؤت فحبرت
“جرؤت فحبرت الكتاب إليكم ** يقينا بأني في ضمان حـــماكم
فأنتم لإكرام يعز نظــــــــيره ** وأنتم لإنصاف الذي قد دعاكم
فجودكم هو الوجود لأســــرة ** على سنن الأجداد ترعى وفاكم
حبوتم أفكاري وكتبي بعطفكم** تفيضون لي نعماكم وعــطاكم”.
لقد ضمن الشاعر”عباس الجراري” في الجزء الأول من الديوان عشرين خطابا مقدماتيا مقابل واحد وثلاثين خطابا استهل به “محمد احميدة” قصائد الشاعر.
وانطلاقا مما سبق، نستنتج أن الشاعر يسرد لنا في نظمه الشعرية رحلات تخص مهامه الدبلوماسية التي أسندها إليه جلالة الملك محمد السادس، فالشاعر وهو في مهمته الدبلوماسية لم يضع قلم التحبير جانبا، بل ظل مرابطا على الكتابة فكتب في الجابون والسنغال وفي بوركينافاسو ليتغنى بأنجاله وأحفاده وزوجته دون أن ينسى العاصمة العصماء الرباطـ، رحلات يمكن أن نسميها بالرحلات “العباسية” في البراري الإفريقية لأنها تطلع المهتم على الظروف والوقائع التي عاشها العميد وهو في مهمة وطنية رفقة جلالة الملك محمد السادس.
لقد أورد “محمد احميدة” في ديوان الشاعر مجموعة من المعلومات كنا نجهلها عن العميد ومحيطه الشخصي تتمثل في:
ذكر أسماء أبناء العميد ومستوياتهم العلمية ثم المهمة التي أوكلت إليه.
علاقة الشاعر بالملك المغفور له الحسن الثاني والملك محمد السادس.
علاقة الشاعر بزوجته السيدة “حميدة الصائغ.
البطاقات التي أرسلت إلى العميد بخط يد جلالة الملك محمد السادس.
أدعية ختم بها الشاعر قصائده.
قصائد مهداة إلى شخصيات دبلوماسية سبقتها رسائل الحمد.
حب واشتياق الشاعر لمدينة الرباط.
تذييل بعض القصائد باسم الشاعر*عباس.*
المهام الدبلوماسية شكلت دينامية في الكتابة لدى الشاعر.
استطاع “محمد احميدة” أن يبرز معالم النادي الجراري منذ التأسيس إلى الامتداد ثم التطور، باعتبار النادي مظهرا من مظاهر يقظة المغرب حيث ركز على الموضوعات النقدية التي أثيرت ونوقشت في الأمسيات الجمعية ودورها في التأريخ للأدب المغربي الحديث والمعاصر عبر مؤلفاته النقدية التي تم ذكرها، وقد توجت المسيرة النقدية بإعداد وتقديم لديوان عميد الأدب المغربي “عباس الجراري “بجزأيه، أما الجزء الثاني فقد خُصص لمساجلات الشعراء مع الشاعر عباس الجراري، يقول محمد احميدة موضحا هاته الفكرة:” والمجموع الشعري لعباس الجراري الذي وقفنا عليه، احتلت فيه المساجلة قسما غير يسير، لدرجة أن الشاعر خصص هذا الجزء الثاني برمته لهذا النمط من القول الشعري”مستعرضا بذلك الموضوعات التي تم تداولها في المساجلات، نذكر على سبيل المثال موضوع الشاي، ففي جلسة” مخصصة لشرب الشاي وكانت يوم الأحد 16 مارس (2003) أنشد الشاعر محمد عبد الله التمين بيتين قال:
“شربنا كؤوس الشاي وهو لنا عذب** لدن شرف الاخوان والأهل والصحب
مع الشـيخ عباس وشوقي وشيخـنا ** علي وأحمدنا ومجلسنا الرحـــــــــب”.
فكان جواب الشاعر عباس الجراري بقصيدة شعرية في اليوم الموالي، يقول فيها:
“هو الشاي هل أنبيك عن حسناته** وعما له في النفس إذ يعذب الشـــرب
ولا سيما إن كان من سيقيمـــــه**أخ الكل عبد الله والخل والحـــــــــــــب
أحن وإياه إلى أرض نوقــــــــه**إلى الشوط حيث العلم والنزل الرحــــب
سقى الله أياما بها قد قضــــيتها ** يدار على الجلاس من شايها النــخــب”.
والمتأمل لفهرس الجزء الثاني من الديوان سيجد عناوين الموضوعات والقضايا التي كانت الحجر الأساس في نسج المساجلات بين الشاعر عباس الجراري والأعضاء.
ورجوعا إلى بعض العتبات النصية نلاحظ أن “محمد احميدة” أدرج في الجزء الثاني صورة له مع عميد الأدب المغربي”عباس الجراري” تبين تلك العلاقة الوطيدة والتآخي الدائم بينهما، وهي صورة التقطت في حفل تقديم كتاب” زهرة الآس في فضائل العباس”الذي يضم أبحاثا مهداة إلى عميد الأدب المغربي في عيد ميلاده الستين، مدرج الشريف الإدريسي، كلية الآداب بالرباط، السبت 15 فبراير (1997)، أنظر الصفحة الثالثة من الديوان الجزء الثاني.
- خاتمة:
بناء على ما سبق يمكن القول إن “محمد احميدة” نجح في تقديم مشروعه النقدي المتمثل في التأريخ للنادي الجراري عبر مراحل مهمة من تاريخ المغرب الحديث والمعاصر، حيث أسعف التأريخ الباحث على معرفة العروض والموضوعات المثارة داخل جلسات النادي التي كانت تقام مساء كل جمعة، برصد تاريخ إلقائها والهدف من ذلك تسجيل اهتمامات النخبة المثقفة المغربية التي أثثت النادي الجراري باعتباره مسرحا للعملية النقدية ومظهرا من مظاهر يقظة المغرب، ولما كان الهدف هو التأريخ للنادي تطلب ذلك منهجية دقيقة تروم الإحاطة الشاملة باهتمامات الأعضاء وتكوينهم الأكاديمي وهو ما سعى محمد احميدة إلى تبيانه من خلال مشروعه النقدي من مرحلة التأسيس إلى الامتداد والتطور.
- المصادر والمراجع
إبراهيم بن العباس السملالي التعارجي، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام، الجزء الأول، راجعه عبد الوهاب ابن منصور، المطبعة الملكية، الرباط، ط2، (1993).
- محمد احميدة؛
حركية النادي الجراري خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، مطبعة الأمنية، الرباط، ط1، (2008).
شعراء النادي الجراري الشاعر والنص، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، ط1، (2015).
من تاريخ الأندية الأدبية في المغرب النادي الجراري بالرباط لمؤسسه العلامة عبد الله الجراري، مطبعة الأمنية، الرباط، ط1، (2004).
من ديوان عباس الجراري، إعداد وتقديم محمد احميدة، الجزء الأول منشورات النادي الجراري، الرباط ، ط1، (2017).
من ديوان عباس الجراري، الجزء الثاني، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، الرباط، ط1، (2017).
محمد البوري، قراءات نقدية، منشورات النادي الجراري، الرباط، ط1، (2008).

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News