ثلاثة أيام في صحبة البوهالي..
- بقلم د. محمد همام //
ثلاثة أيام في صحبة الفنان المغربي الأصيل الأستاذ عبد الهادي بلخياط، في أكثر من مكان ومجلس بسوس. كانت فرصة لأقدم له بعض مؤلفاتي، وخصوصا كتابي عن مجموعة ناس الغيوان.
عبد الهادي بلخياط (83 سنة، من مواليد1940 بفاس)بحر من الشعر الفصيح والكلام المغربي الأصيل. ذاكرة المغرب الفنية؛ يتذكر التفاصيل الفنية والموسيقية والثقافية بالمغرب بشكل دقيق، أحداثا، وأشخاصا، وسياقات. كان أول فنان مغربي وعربي غنى في الأولمبيا بفرنسا. وغنى في القاعات الفنية الشهيرة في الشرق ( مصر، لبنان، سوريا…)، وفي الغرب ( فرنسا، ايطاليا، الولايات المتحدة، بريطانيا…) من رموز مدرسة الطرب الأصيل بالمغرب الحديث.
استطاع التخلص من الهواجس الرومانسية المهيمنة على الطرب المشرقي. اختط لنفسه طريقا في الطرب أكثر التحماما بالأسئلة الوجودية والقيمية والاجتماعية للإنسان المغربي.
يبدو أن فنه يفتقد السكر السياسي الذي نجده في متن الغيوان وإزنزارن ومن سار على دربهما، عربا وأمازيغ، ولكن التيمة الاجتماعية متوهجة في متنه، ألبسها فخامة الأداء وسحر التأثير بصوته المتدفق إلى مختلف المقامات، وأضاف عليها من سحر شخصيته، بما تجسده من التعبير عن مصداقية المقول وصدقية القائل. كما تتدفق من كلماته ومن أدائه قيم الحب، والإنسانية، والجمال، والوطنية المغربية…
كانت صحبة الفنان عبد الهادي بلخياط فرصة لملاحظة ظاهرة ثقافية وفنية بدأت في البروز في المغرب، عن قرب، وعبر أحد علاماتها البارزة في الفن المغربي المعاصر، وهي (ظاهرة تدين الفنانين). فقد كان الحاج عبد الهادي بلخياط من الذين اقتنعوا بأن نهر الفن يصب في بحر الدين، وينطلق منه في الوقت نفسه.
وأن الفنان مثل أي إنسان يطمح إلى السعادة؛ولكن السعادة بأي معنى؟ كان البحث عن الإجابة عند الحاج عبد الهادي هو نقطة الانطلاق نحو التحول في فهم وظيفة الفن ورسالته. والجواب له ثمن! وكذلك كان!
السعادة سعادة الباطن أولا ثم الظاهر ثانيا، في الدنيا، ثم سعادة الٱخرة، من خلال الاستعداد لها بمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومحبة المساكين، والعمل الصالح. والفن الذي يحقق هذه السعادة هو عمل صالح.
لذلك لم يتنكر الحاج عبد الهادي بلخياط لفنه ولمسيرته الفنية، لأنه كان يتضمن عناصر الجواب، فقط يحتاج إلى تعديل طفيف في البوصلة وفي الوجهة، وفي ربط الفعل الجمالي الفني بالسيرة وبالمسيرة، على قاعدة حب الله، وحب الرسول، وحب أهل الله.
فبعد إنجاز تراث موسيقي وغنائي متنوع وكثير، يحفظه المغاربة ويستمتعون به، ويتفاعلون معه، وجد الحاج عبد الهادي نفسه مضطرا، على غير عادة الفنانين، إلى تقديم البراديغم الفكري المؤطر لأغانية، والمفاهيم التفسيرية لمنجزه.
وكما كان ممتعا في أدائه، موسيقى ولحنا وصوتا وتنشيطا، كان أكثر إمتاعا في الحديث التفصيلي عن كل أغنية، وعن سياقها، وعن معجمها، وعن دلالاتها، وعن ايحاتها، وعن استعاراتها، وعن كواليس إنتاجها… لذلك استمتعت معه بحديثه الممتع والتفصيلي عن سير(جمع سيرة) أغانية؛ خصوصا: قطار الحياة، والقمر الأحمر، وذاك الإنسان، ويابنت الناس، و يا البوهالي، والمنفرجة… فقد كان الحاج عبد الهادي مسكونا بتأطير أغانيه داخل المنظور الفكري والأخلاقي الذي اختاره لنفسه.
يذكرك الحاج عبد الهادي بكبار الفنانين وفلاسة الدين والأخلاق الذين امتزج في قلوبهم الفن والدين، فلم يصطدما بل تصالحا وتعانقا بعد طول جفاء وخصومة. لذا تجد في خطابه الفن يمشي في إثر الدين، وتجد الدين يخرج من عباءة الجملة الفنية.
لا أدعي أنني استطعت تفسير الظاهرة التي أشرت إليها سابقا، ولكني سعيت لأنقل بعض انطباعاتي من خلال صحبة قصيرة لفنان/بوهالي من أهل الله، يقطر جمالا وموسيقى وموعظة وخلقا. هو سعيد بوظيفته الدعوية في مصالحة الفن والدين على أرضية حب الله والرسول وأهل الله.
اختتمت الصحبة باستقباله في الكلية، وفي لقائه التواصلي والممتع بالطلبة، في إطار الحملة التحسيسية بالقانون عبر الفن، وتكريم عميد الكلية للفنان الكبير بتذكار الكلية، بحضور الأساتذة والطلبة ومجموعة من الفنانين الضيوف بسوس.
إنزكان – الأربعاء6دجنبر2023.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News