تيبحارين، تناعورت، او عندما يحرك الدواب دورة الإنتاج الزراعي…
- الحسين بوالزيت//
كل صبيحة، وقبل بزوغ أشعة الشمس، وقبل ان تخترق بنورها ظلمات الليل معلنة عن ميلاد جديد، تتجمع قطعان الماشية في ساحات القبيلة، (اسوياس)، وهي فضاءات اجتماعية لها وظائف متعددة وتمارس فيها أنشطة مشتركة بين السكان، انشطة، جرى تنظيمها وظبطها بقوانين وضعية( جرت العادة على تسميتها بالاعراف)، ساحات تكون عادة جوار المسجد، او حصون القبيلة(اگودار، مفرده أگادير)، او برج، قلاع الحراسة (انضاف، ومؤنته تنضافت، ومنه تين ضوف)، ساحات تكون في الغالب رباعية الشكل وفسيحة، يفتح إليها باب قلعة الحراسة، المسجد، الزاوية(الزاويت)،
كما تنتهي إليها كل ازقة حارات ودروب المدشر، في مشهد شبيه بمكانة القلب في بدن الإنسان الذي تتصل به كل العروق، انها اذن منافذ ممتدة متثلة بحوف الساحة العمومية التي تستغل كءلك في كفضاء مفتوح لتنظيم مختلف التجمعات والاحتفالات الدينية والرسمية، والشعبية ومنها المعروف، كطقس من طقوس المجتمع الأمازيغي الذي يوطد اواصر القرابة والتلاحم الاجتماعي بين مكونات القبيلة،
وهي عادة اعتاد الناس على تنظيمها في كل المداشر مرة في السنة، ويتضامنون فيما بينهم في شراء الدبائح، ثيران سمينة وقوية، يدبح كل واحد منها في مكان معين، ضريح، وزاوية، او جوار مشهد مزار قديم، وبعد الانتهاء من الدبح والسلخ، يعود الحشد المضحي الى ساحة الدوار حيت توزع لحوم الثيران المدبوحة اقساكا متساوية على كافة الاسر، مشهد توزيع ديمقراطي وعادل لا يعرف ميزانه خللا او نقصا مقصودا، او محباة…
انه” أسماس” الخالد وهو ميثاق جماعي يوثق ويعزز عهود التآخي والمحبة بين ابناء المدشر الواحد، ومنه القبيلة ككل. ساحة عاشت امجاد خالد، ومناسبات أسطورية وتظاهرات فنية واجتماعية ومنها استقبال الفرقة المعروفة في سوس بسحر رقصها، انها فرقة ايهياضن ن سيدي علي بناصر، وهي فرقة من الرماة تحدتث عنها مصادر حوليات التاريخ السوسي، ودونت تفاصيل منجزها الفني في مرقص القبيلة،
وهي كذلك فرقة من فرق الرياضة(Acrobatie) الشعبية، وتقوم حركاتها على استعمال المجهوذ العضلي، ويتقن افرادها فنون الخفة وتتميز اجسادهم بالرشاقة، رقصة حربية ظهرت في القرن العاشر الهجري، ومان تأسيسها من طرف شيخ قبائل جزولة سيدي احمد ؤموسى، دفين تازروالت 1564م، وهو الاب الروحي لعناصر الفرقة، فرقة تقوم بجولتها المشهورة وطوافها المقدس في كل قرى وقبائل سوس، وهي عادة استمرت في بعض المناطق الى تسعينات القرن الماضي،
وكان عناصرها يرتدون قنصانا من نسيج خفيف لونها احمر واخضر، ويجوبون القبائل ويقدمون عروضهم الجميلة بحضور الناس في ساحة المدشر، حركات على نغمات الموسيقى الأمازيغية الخالدة، الرباب ولوطار الناقوس وإگبالن، نغمات تجعل الجمهور المحتشد يكرم بسخاء افراد المجموعة، ويتكلف الأطفال على تتبع حركات افراد المجموعة كما يتنقلون معها من مدشر الى آخر، انه المشي على نهج مشايخ الصوفية الاجلاء.
انتهت تفاصيل الرقصة، واحان موعد الرجوع الى تفاصيل الحياة اليومية ودورة الإنتاج الزراعي والحيواني، فساحة الدوار هي كذلك ساحة تجميع رؤوس الماشية من اغنام وابقار، رؤوس يتناوب الناس اقتيادها للانتجاع في مراعي غرب القبيلة في اكار عمليات تايسا، المنظمة كذلك بقانون صارم،
ويحدث ان يتكلف كساب محارف بعمليات قيادة القطعان مقابل أجر ويدعى ابگار او أمكسا ن تقبيلت، وتكتسي تربية الماشية اهمية قصوى في سلسلة الانتاج الزراعي لذى السكان الذين يحرصون على استقامتها والعناية بالقطعان وتعطى الاولوية لؤوس الماشية التي اكتسبت خصائص التكيف مع المحيط الحيوي للقبيلة ونخص بالذكر هنا قطعان الماعز التي كان لها نصيب كبير من العناية قبل التوجه الى تربية الأغنام والابقار كذلك مع تطور اساليب وتقنيات الإنتاج الحيواني، فالابقار لا يقتصر دورها فقط في انتاج الحليب ومشتقاته بل يستغل كذلك في تحريك ناعورات وهي منشآت مائية قديمة الاستعماري من طرف سكان ضفاف الانهار وقد شيدت على فتحات الابار، كوسيلة لسقي الحقول ( ابحارن وتيبحارين)،
وهي عبارة عن استغلاليات بورية تعتمد على تحريك النواعير بالحبال المفتولة قصد رفع المياه من جوف الابار، بواسطة (ألوكاف)، وهو عبارة عن دلو كبير، يستعمل ملئ الصهاريج بالمياه باستعمال قوة الجر التي تتكلف بها الدواب والتي غالبا ما تكون من الابقار التي تم تهجينها في حضائر البيوت.
(يتبع)
الحسين بوالزيت صحفي وباحث في التاريخ
الصورة من الانترنت.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News