الثقافةالرأي

تغييب الأمازيغية في المعرض الدولي للنشر والكتاب، عربون “الوفاء” للعمق الحضاري للمغرب..

  •  بقلم: عبد الواحد بومصر//

” وفــاء لعمقــه الحضــاري والثقافــي، وقيمــه المتأصلــة فــي الانفتــاح والتعايــش …” بهذه العبارة افتتح السيد وزير الثقافة تقديمه للبرنامج الثقافي للمعرض الدولي للكتاب، وهي عبارات رنانة تثير في السامع انطباعًا عن تمثل شامل لمكونات الهوية الوطنية. غير أن نظرة متفحصة للبرنامج تكشف، مرة أخرى، عن تغييب يكاد يكون ممنهجًا للغة الأمازيغية، لغةً وثقافة وهوية، من مجمل تقديمات البرنامج، ومن العناوين والأنشطة، بل حتى من الرؤية العامة التي يُراد تسويقها.

أول ما يستوقف المتتبع هو هذا الغياب الصارخ للأمازيغية، ليس فقط كلغة تواصل أو تعبير، بل كمكوّن أساسي من مكونات الثقافة المغربية التي طالما أُقرت رسميًا، نظريًا، في الخطابات والدساتير والعهود. فباستثناء حضور محتشم ضمن ركن “المغرب المتعدد”، لا يجد المتصفح للبرنامج أثرًا لمساهمات الأمازيغ في الأدب، في الفنون، أو حتى في الندوات الفكرية الكبرى التي يُفترض أن تلامس مختلف تجليات الثقافة المغربية.

وإذا كان البرنامج قد اعتبر انفتاحه على مغاربة العالم ملمحًا من ملامح تجدده، فإن من بين هؤلاء المغاربة مبدعين وكتّابًا وفنانين يشتغلون بلغاتهم الأم، ومن ضمنها الأمازيغية، ويبدعون انطلاقًا من مرجعياتهم الثقافية المحلية، سواء من داخل الوطن أو من المهجر. أين هم في هذا البرنامج؟ وأين هو هذا التعدد الذي يُرفع شعارًا، دون أن يترجم إلى واقع؟

تغييب الأمازيغية في المعرض الدولي للنشر والكتاب، عربون "الوفاء" للعمق الحضاري للمغرب.. - AgadirToday

من المفارقات اللافتة أن إحدى الندوات ستناقش موضوع إدماج الأمازيغية في مجال التربية والتكوين، من أجل التفكير في التعثرات واقتراح سبل تجاوزها. غير أن السياق – وهو سياق معرض للكتاب والثقافة – كان يقتضي بالأحرى طرح إشكالية إدماج الأمازيغية في الحقل الثقافي والسياسات الثقافية.

فالسؤال لم يعد تربويًا صرفًا، بل صار ثقافيًا بامتياز: كيف يمكن للثقافة الأمازيغية أن تجد لنفسها مكانًا طبيعيًا، لا استثنائيًا، في المشهد الثقافي الوطني؟ وما مدى التزام المؤسسات الوصية بترجمة الاعتراف الرسمي بهذه اللغة إلى سياسات فعلية، لا مجرد لحظات رمزية مناسباتية؟

إن غياب الأمازيغية عن حدث ثقافي وطني بهذا الحجم، وفي قلب العاصمة الثقافية للمملكة، لا يمكن إلا أن يطرح أكثر من علامة استفهام حول جدية الخطاب الرسمي، وجدوى الحديث المتكرر عن “التعدد” و”الانفتاح” ما لم يُترجم إلى حضور فعلي، مؤثر، ومتوازن، لكل مكونات الهوية المغربية.

لحظة الوفاء الحقيقية للعمق الحضاري المغربي تبدأ بالاعتراف الكامل بكل لغاته، وإبداعاته، وأصواته، لا بالاكتفاء بإدراجها كهوامش تحت عناوين كبرى، أو كفقرات تكاد لا تُرى ضمن برنامج يزعم أنه يمثل وجه المغرب الثقافي.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى