تداعيات “طوفان الأقصى” : استحالة الموضوعية والحاجة لطريق ثالث
منذ الهجوم المسلح لحركة حماس يوم 7 أكتوبر 2023 على المشاركين في مهرجان موسيقي بإسرائيل، منظم على مقربة من الحدود مع قطاع غزة وأدى لقتل المئات من الإسرائيليين وأسر العشرات، تسارعت الأحداث وتعددت المواقف، وانقسم العالم إلى فريقين، لا ثالث لهما : من جهة المتضامنون مع إسرائيل التي كانت ضحية هجوم مباغت أدى لقتل أبرياء، ومن جهة أخرى المساندون للفلسطينيين، من خلال عدم إدانة هجوم حماس، واعتبار ذلك مقاومة مشروعة ضد محتل غاشم. كما انقسم العالم إلى مجالين ترابيين : مجال يمنع فيه كل دعم للفلسطينيين، ويعتبر ذلك تشجيعا للإرهاب apologie au terrorisme، ومجال يمنع فيه كل تضامن مع مدنيي إسرائيل، ويعتبر ذلك خيانة وتطبيعا.
في هذا الصراع وباسم عدالة القضية الفلسطينية يتم تجاهل الصراع الداخلي بين الفلسطينيين أنفسهم، أي بين حركة حماس وحركة فتح، حيث عبر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن موقفه من عمليات حماس وأكد على أنها لا تمثل كل الفلسطينيين، كما يتم غظ الطرف عن الخلفية الإيديولوجية والمشروع السياسي لحركة حماس، والذي، في حالة نجاحه، سيذهب ضحيته عدد كبير من الفلسطينيين أنفسهم، كما يتم عن عمد تغافل علاقة حماس بحزب الله ومن ورائهما إيران، وأهذافها السياسية في المنطقة وخارجها، وفي سياق سيطرة العاطفة يتم أيضا نسيان موقف بعض الفصائل الفلسطينية من قضية الوحدة الترابية المغربية.
في خضم هذا السياق المؤلم، والذي يذهب ضحيته الآلاف من الأبرياء في الجانبين، يجد كل طرف ما يبرر به استمرار الحرب، بدل الدعوة إلى السلم ووقف المزيد من إسالة الدماء. فلتبرير العملية التي قامت بها حركة حماس ضد مدنيي إسرائيل يتم التذكير بتاريخ القضية الفلسطينية منذ 1948، وما تخللها من هجومات متكررة لإسرائيل على الفلسطينيين، ذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء، وتم خلالها تهجير الآلاف من الفلسطينيين، كما لازالت سجون إسرائيل تغص بالسجناء الفلسطينيين ولازال تجويع الشعب الفلسطيني مستمرا. وفي المقابل، نجحت إسرائيل في استغلال عملية حماس، لتحصل على تضامن كبير من طرف الغرب، خاصة الدول “العظمى”، واستثمرت ذلك لتبرر به هجوماتها على قطاع غزة، بل وسعيها للقضاء النهائي على حركة حماس، التي بدورها تسعى في أدبياتها للقضاء النهائي على إسرائيل. وبذلك تقدم إسرائيل نفسهاضحية ل”لإرهاب” و مدافعة عن الغرب وقيمه الذي تهدده نفس الإيديولوجية المحركة لحماس، من خلال عدد من العمليات الإرهابية الفردية التي عرفتها فرنسا وبلجيكا باسم الدفاع عن الإسلام.
في ظل هذا الجو المشحون، والذي تؤججه حرب أخرى على مستوى الإعلام واستغلال الصور والأخبار الزائفة واللعب بالأرقام، فهل يمكن الحديث عن “الموضوعية” في التعاطي مع هذا الموضوع؟
وهل يمكن الحديث عن “طريق ثالث” ينفلت من الاصطفاف المفروض (مع أو ضد فلسطين؟/مع أو ضد إسرائيل؟).
وهذا الطريق الثالث ينبني أساسا على رفض قتل الأبرياء، وإدانة ذلك، كيفما كان مصدره، ثم الدعوة للسلم ووقف استمرار سفك الدماء، بدل البحث عن مبررات استمرار الحرب، ثم الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في العيش الكريم في أرضه وفي دولته المستقلة، بعيدا عن كل خطاب يدعو لإلقاء إسرائيل في البحر.
وعلى هذه الأخيرة أيضا أن تحترم المواثيق الدولية والإتفاقيات المبرمة، وأن تتوقف عن استمرار المستوطنات واحترام الأماكن المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين.
ولتحقيق ذلك على الطرفين أن يكفوا عن استغلال الخطاب الديني، والإتكاء على النصوص المقدسة، والكف عن استثمار الماضي البعيد لتأجيج صراع الحاضر ، والكف عن التشبث بأساطير لا تؤدي إلا إلى استمرار الحرب بدل تدعيم السلام.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News