
تحويل اختصاصات من وزارة الفلاحة إلى وزارة الداخلية: قرار ملكي استراتيجي لتعزيز نجاعة المخطط الأخضر وتحقيق العدالة المجالية
- بقلم: مصطفى ايوف * //
أثار القرار الملكي الأخير، القاضي بإسناد جزء من اختصاصات وزارة الفلاحة إلى وزارة الداخلية، موجة من النقاش في الأوساط السياسية والإدارية الوطنية. بين من رأى في هذه الخطوة تحجيمًا لدور وزارة الفلاحة، ومن اعتبرها تصحيحًا ضروريًا لمسار تدبير السياسات العمومية في المجال القروي، يبرز بوضوح أن جوهر القرار يتجلى في تعزيز فعالية تنفيذ مخطط المغرب الأخضر، وتحقيق قدر الأكبر من الانسجام بين السياسات الفلاحية والتنمية الترابية.
و كسياق هيكلي يفرض إعادة التموقع المؤسساتي: كما هو الحال في العديد من الدول السائرة في طريق النمو، يواجه المغرب تحديات هيكلية في التنسيق بين القطاعات الحكومية، خصوصًا حين تتقاطع مجالات حيوية مثل الفلاحة، التعمير، المياه، والتنمية القروية. وقد ظل تدبير المجال القروي، على مدى سنوات، رهينًا بتداخل الاختصاصات وتعدد المتدخلين، ما أثر سلبًا على نجاعة التدخلات العمومية.
وفي هذا الإطار، جاء القرار الملكي في لحظة مفصلية، سياسية وإدارية، تفرض تجاوز الإكراهات القديمة، وتعزيز قدرات الدولة على التدخل الميداني، خصوصًا في المناطق القروية والجبلية، التي لا تزال تعاني من مظاهر الهشاشة والتفاوت رغم الجهود التي بُذلت طيلة العقدين الماضيين.
وهنا يمكن استنتاج بعض الأسباب الرئيسية للقرار :
1 – تعزيز الحكامة الترابية وتجويد التنفيذ
تمتلك وزارة الداخلية شبكة إدارية قوية وممتدة، تشمل الجماعات، العمالات، الأقاليم، والجهات، مما يجعلها فاعلًا محوريًا في تنزيل السياسات العمومية على الأرض. وبما أن إنجاح البرامج الفلاحية الكبرى يتطلب تدخلات متعددة المستويات، فإن إشراك وزارة الداخلية سيسمح برفع التنسيق، تسريع وتيرة التنفيذ، وتحقيق الانسجام بين مختلف المتدخلين.
2- تكامل الوظائف بين الفلاحة والتنمية القروية
لا يمكن فصل التنمية القروية عن السياسة الفلاحية. فمخطط المغرب الأخضر اعتمد، منذ بداياته، على إحداث دينامية اقتصادية في الوسط القروي، غير أن المقاربة التقنية التي طبعت عمل وزارة الفلاحة كانت تفتقر إلى دعم سياسي وميداني منسق. ومن خلال إشراف وزارة الداخلية على البرامج المندمجة، يمكن ضمان وصول الدعم إلى الفلاحين الصغار، وتحقيق عدالة مجالية أكثر شمولًا.
3- الانسجام مع الرؤية الملكية لتنمية العالم القروي
ما فتئ جلالة الملك محمد السادس يؤكد، في عدد من خطاباته، على أهمية النهوض بالعالم القروي كشرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة، والاستقرار المجتمعي، والعدالة الاجتماعية. وفي هذا السياق، يشكل تحويل بعض اختصاصات وزارة الفلاحة إلى وزارة الداخلية تجسيدًا عمليًا لهذه الرؤية الملكية، عبر إحداث أدوات تدبير جديدة تقوم على التقائية السياسات وتنسيق الجهود على المستوى الترابي.
مخطط المغرب الأخضر: مشروع وطني مستمر وليس محل تشكيك
منذ انطلاقه سنة 2008، مثل مخطط المغرب الأخضر نقلة نوعية في القطاع الفلاحي الوطني. فقد ساهم في:
– مضاعفة الناتج الداخلي الخام الفلاحي.
– تحديث سلاسل الإنتاج الزراعي.
– تعميم برامج الفلاحة التضامنية.
– جذب استثمارات وطنية ودولية مهمة.
ورغم الانتقادات المرتبطة بعدم التوزيع العادل لعوائده، الا أن المخطط نجح في ترسيخ المغرب كفاعل زراعي إقليمي ودولي. التحدي اليوم ليس في جدوى المخطط، بل في كيفية توسيع أثره الاجتماعي والمجالي، وهو ما يستدعي تحسين آليات التنفيذ والتتبع، وجعل التنمية الفلاحية أكثر عدالة وشمولًا.
4- نحو الجيل الثاني من الإصلاحات الفلاحية.
يُعد القرار الملكي مقدمة لمرحلة جديدة في تدبير السياسة الفلاحية، تقوم على:
– توسيع صلاحيات الفاعلين الترابيين في تنفيذ البرامج الفلاحية.
– إرساء تنسيق فعال بين مختلف القطاعات والمؤسسات المعني.
– التركيز على الفئات الهشة، والمجالات الجغرافية الأقل استفادة.
وهكذا، فإن نقل بعض الصلاحيات إلى وزارة الداخلية لا يُفهم كإضعاف لوزارة الفلاحة، بل كخطوة لتقويتها عبر إشراك فاعل مؤسساتي قادر على ضمان التنفيذ الميداني الناجع، في ظل تحديات مناخية واقتصادية تزداد تعقيدًا.
و في الختام فان القرار استراتيجي في خدمة العدالة المجالية والتنمية المستدامة وإن القرار الملكي بتحويل بعض اختصاصات وزارة الفلاحة إلى وزارة الداخلية يعكس إرادة سياسية عليا لإعادة بناء منظومة الحكامة القطاعية على أسس أكثر واقعية وفعالية.
كما يمثل اعترافًا بأن نجاح أي سياسة عمومية، كيفما كانت أهدافها، رهين بقدرتها على الوصول إلى المواطن، خصوصًا في المجالات التي عانت من التهميش، وتعتبر هاته الخطوة لحظة فارقة في مسار تدبير التنمية القروية، تفتح المجال أمام نقاش عميق حول سبل تفعيل الجهوية المتقدمة، وتعزيز التماسك الترابي، وبناء مغرب جديد، يكون فيه للفلاح الصغير والمجال المهمش مكانة مركزية في السياسات العمومية، وليس مجرد رقم في التقارير الوزارية.
* مصطفى ايوف: مناضل في صفوف التجمع الوطني للأحرار بمدينة أكادير.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News