تحولات قطاع الشباب: نفَس جديد في مواجهة التحديات
بقلم إسماعيل الحمراوي*
في السنوات الأخيرة، شهد قطاع الشباب في المغرب تحولات كبيرة، فبعد تولي الوزير الشاب محمد المهدي بنسعيد، زمام المسؤولية، أعطى نفسا جديدا للقطاع عبر مبادرات وأفكار شعارها التميز والتطوير. هذه التحولات لم تكن مجرد تغييرات سطحية، بل هي جزء من رؤية شاملة لإعادة ترتيب الأولويات والسياسات التدبيرية بما يحقق تمكين الشباب المغربي وتعزيز دورهم في مختلف جوانب الحياة. فمن خلال إبداع وابتكار مبادرات جديدة، أصبحت وزارة الشباب والثقافة والتواصل مركزاً لتحفيز الشباب وتطوير السياسات العمومية ذات الصلة بالشباب والتي تستجيب لتطلعاتهم.
المتتبع للشأن السياسي والحكومي في المغرب، يمكنه أن يلاحظ بوضوح هذه الجهود الكبيرة التي يقودها الوزير وإدارة القطاع، خاصة في ظل الإكراهات العديدة التي يواجهها الشباب ورغم التحديات المرتبطة بمؤشرات وأرقام مقلقة تتعلق بقضاياه ، فإن دور القطاع برز بشكل ملحوظ وحيوي داخل النسيج المجتمعي المغربي. هذه الجهود لم تكن مجرد رد فعل للظروف الصعبة، بل جاءت نتيجة لتوجه مدروسة تسعى إلى تحقيق تغيير حقيقي ومستدام في حياة الشباب، مما يساهم في بناء مجتمع مغربي أكثر عدالة وتقدماً.
في ظل هذه الرؤية الطموحة ورغم عناد المرحلة، أصبحت مبادرات وزارة الشباب والثقافة والتواصل مثالاً يحتذى به في كيفية تحويل التحديات إلى فرص، وتعزيز مكانة الشباب كعنصر محوري في التنمية الشاملة. هذه الإنجازات والتي تحققت، ورغم قصر المدة التقييمية، تمكنت الوزارة على التكيف مع المتغيرات الوطنية والدولية، وتحويلها إلى فرص لتحسين العرض الوطني الموجه للشباب المغربي، وتمكينهم من لعب دور فعال في بناء مستقبلهم ومستقبل وطنهم.
المدخل الأول: الدستور المغربي وحقوق الشباب
لقد شكل دستور 2011 نقطة تحول كبيرة في تاريخ الحقوق الشبابية في المغرب. حيث تم تكريس حقوق الشباب في الوثيقة الدستورية، مما أضفى طابعاً قانونياً على التزامات الدولة تجاه هذه الفئة. ومن خلال تعزيز حقوق الشباب في الدستور، أخذ القطاع على عاتقه باتخاذ خطوات فعالة لضمان تمكين الشباب وتوفير بيئة ملائمة لهم للنمو والازدهار.
الفصل 33: تمكين الشباب من خلال التشريعات
ينص الفصل 33 من الدستور المغربي على ضرورة اتخاذ السلطات العمومية التدابير اللازمة لتعزيز مشاركة الشباب في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. هذا النص الدستوري يعتبر إطاراً قانونياً قوياً يوجه عمل وزارة الشباب والثقافة والتواصل في سعيها لتحسين وضع الشباب في المغرب.
مجلس الشباب والعمل الجمعوي: منصة لتطوير السياسات
من أبرز المبادرات التي أطلقها الدستور المغربي هو إنشاء مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي. هذا المجلس سيشكل، مما لاشك فيه، منصة تجمع بين الشباب والجهات الحكومية لتطوير سياسات تركز على احتياجات الشباب وتطلعاتهم. وسيلعب هذا المجلس دوراً حيوياً في متابعة تنفيذ السياسات الشبابية وضمان أن تكون هذه السياسات فعالة ومستدامة.
المدخل الثاني: الخطابات الملكية كمرجع لدعم رؤية قطاع الشباب
تشكل الخطابات الملكية دعامة أساسية في توجهات وزارة الشباب والثقافة والتواصل نحو تمكين الشباب وتعزيز دورهم في المجتمع. فقد أظهرت الخطابات الملكية، التي ألقاها جلالة الملك محمد السادس في مناسبات عدة، التزاماً راسخاً بدعم الشباب المغربي ووضعهم في صلب الاستراتيجيات التنموية الوطنية. الوزير المسؤول على قطاع الشباب، محمد المهدي بنسعيد، أكد ما من مرة أن المملكة المغربية بقيادة الملك محمد السادس تولي عناية كبرى لفئة الشباب عبر مختلف التوجيهات والخطابات الملكية،
في خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2018، أكد جلالة الملك على أهمية شمولية القضايا المتعلقة بالشباب، مشيراً إلى أن هذه القضايا لا تقتصر على التكوين والتشغيل فقط، بل تشمل أيضاً الانفتاح الفكري والارتقاء الذهني والصحي. هذا التصور الواسع لدور الشباب يعكس مدى التزام الوزارة بتطوير برامج وسياسات شاملة تتماشى مع هذه الرؤية الملكية.
وفي خطاب سنة 2014، سلط جلالة الملك الضوء على قدرة الشباب المغربي على النهوض بتنمية البلاد ورفع تحديات دخولها نادي الدول الصاعدة، بفضل ما يتحلون به من روح الوطنية وقيم المواطنة الإيجابية. هذه الثقة الملكية في إمكانيات الشباب دفعت الوزارة إلى تبني سياسات تركز على تمكين الشباب من خلال تعزيز قيم المواطنة والمسؤولية الاجتماعية.
كما أشار جلالة الملك في خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2013 إلى أن المغرب يتمتع بثروة بشرية متجددة، تتمثل في “شبابنا الطموح، المتشبع بحب وطنه، والمعتز بتقاليده العريقة، والمتحلي بالتربية السليمة”. هذه الكلمات تعكس أهمية الشباب كعنصر حيوي في تحقيق التنمية المستدامة، وهو ما تسعى الوزارة إلى ترجمته عبر برامجها المختلفة.
وفي خطاب سنة 2012، أكد جلالة الملك أن “شبابنا يتطلع إلى إيجاد الظروف المثلى التي تساعده على تحقيق الذات وتحمل المسؤولية”، مع التركيز على ضرورة خلق آفاق أوسع لفرص الشغل. هذه الرؤية الملكية تتماشى مع جهود الوزارة في تعزيز الاندماج الاقتصادي للشباب من خلال مؤسسات الشباب والمبادرات الاقتصادية.
المدخل الثالث: جهود وزارة الشباب والثقافة والتواصل – من الفكرة إلى الأثر
إن تمكين الشباب المغربي يتطلب نهجاً مندمجا يأخذ في الاعتبار التحديات المعاصرة التي يواجهها الشباب في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ولقد أدركت وزارة الشباب والثقافة والتواصل هذا الواقع، فسعت إلى بناء سياس قطاعية تضع الشباب في قلب العملية التنموية، وذلك من خلال برامج ومبادرات تركز على تمكينهم وتوفير التكوين الملائم من خلال مؤسسات الشباب، وتعزيز اندماجهم ، وتحسين الوعي بالمخاطر المرتبطة بهم.
التكوين والتمكين: تعزيز القدرات وبناء الكفاءات
من أهم أولويات الوزارة، والتي برزت بشكل كبير من خلال الدينامية الجديدة التي تعرفها مؤسسات قطاع الشباب، هي تمكين الشباب من خلال تقديم برامج تكوين تتماشى مع احتياجات فئة الشباب. التمكين الجيد والتكوين ليسا فقط حقوقاً من حقوق الشباب، بل هما أيضاً وسائل أساسية لتحقيق التنمية المستدامة. لذا، قامت الوزارة بإطلاق برامج تهدف إلى تحسين جودة التكوين، وتوفير فرص تدريب للشباب، ودعمهم في اكتساب المهارات الضرورية لدخول سوق العمل عبر بوابة التنشيط السوسيو ثقافي أو فضاءات وفرص تشغيل أخرى. ونذكر في هذه المناسبة التي يحتفل فيها المغاربة بعيد الشباب وثورة الملك والشعب بخطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 65 لثورة الملك والشعب لسنة 2018 حيث أكد جلالته على أهمية التكوين في حياة الشباب، مشيراً إلى أن “قضايا الشباب لا تقتصر فقط على التكوين والتشغيل، وإنما تشمل أيضاً الانفتاح الفكري والارتقاء الذهني والصحي”. هذا التأكيد على أهمية الأبعاد الفكرية والصحية في حياة الشباب يعزز من رؤية الوزارة لتطوير برامج متكاملة تشمل جوانب متعددة من حياة الشباب.
التثقيف والتربية على قيم المواطنة
تسعى وزارة الشباب والثقافة والتواصل، من خلال تركيز الوزير الدائم في مجموعة من المداخلات أو اللقاءات، إلى تعزيز قيم المواطنة لدى الشباب من خلال برامج تثقيفية وتربوية متنوعة. هذه البرامج تهدف إلى ترسيخ القيم الوطنية، وتعزيز روح الانتماء والمسؤولية الاجتماعية بين الشباب. الوزارة تعمل على تطوير برامج تدريبية تستهدف تنمية الوعي الاجتماعي والمدني لدى الشباب، مما يعزز من مشاركتهم الفعالة في بناء المجتمع.
قيم المواطنة: ترسيخ الهوية الوطنية
الهوية الوطنية وقيم المواطنة هي من الأسس التي تسعى الوزارة إلى تعزيزها بين الشباب المغربي. من خلال برامج التثقيف والتربية، يتم تشجيع الشباب على احترام التقاليد والقيم الوطنية، مع التأكيد على أهمية المشاركة في الحياة ا لسنةة. هذه البرامج تسهم في تعزيز الوحدة الوطنية وتكريس روح التضامن بين أفراد المجتمع. ويعكس خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 61 لثورة الملك والشعب لسنة 2014 هذه القيم، حيث أكد أن “شبابنا وشاباتنا قادرون، بما يتحلون به من روح الوطنية، ومن قيم المواطنة الإيجابية، ولما يتوفرون عليه، من عبقرية خلاقة، على النهوض بتنمية بلادهم، ورفع تحديات دخولها نادي الدول الصاعدة”. هذا القول يعكس الثقة الكبيرة التي يوليها جلالته للشباب ودورهم في تحقيق التنمية المستدامة.
الاندماج الاقتصادي: تعزيز الأنشطة في مؤسسات الشباب
في إطار دعم اندماج الشباب في الحياة العامة، ركزت الوزارة على تفعيل مؤسسات الشباب كمحاور أساسية لتعزيز برامج التأطير والتدريب في جانب الأنشطة الاقتصادية. من خلال هذه المؤسسات، يتم تقديم تأطير ملموس للشباب بتنسيق مع مؤسسات عمومية وخاصة لتحويل أفكارهم إلى مشاريع ناجحة. يتم ذلك عبر توفير التدريب ومنتديات بمؤسسات دور الشباب، مما يساهم في خلق فرص جديدة ويعزز من قدرات الشباب على تحقيق الاستقلال الاقتصادي. وكما ذكر جلالة الملك في خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2012، فإن “شبابنا يتطلع إلى إيجاد الظروف المثلى التي تساعده على تحقيق الذات وتحمل المسؤولية”، مع التركيز على أهمية خلق آفاق أوسع لهم.
برامج التوعية بالمخاطر: الصحة النفسية والجسدية
الصحة الجيدة هي أساس الحياة الكريمة، ولهذا السبب تركز وزارة الشباب على برامج التوعية بالمخاطر التي تواجه الشباب، بما في ذلك المخاطر الصحية والنفسية. الوزارة تعمل على تعزيز الوعي لدى الشباب حول هذه القضايا من خلال حملات توعية وورشات عمل تهدف إلى تقديم المعلومات الضرورية حول كيفية الحفاظ على الصحة النفسية والجسدية، مما يساهم في تعزيز قدرتهم على مواجهة التحديات المختلفة. في هذا السياق، تعزز رؤية جلالة الملك محمد السادس كما ورد في خطاب سنة 2013 لثورة الملك والشعب، حيث أشار إلى أن المغرب يتمتع بثروة بشرية متجددة، تتمثل في “شبابنا الطموح، المتشبع بحب وطنه، والمعتز بتقاليده العريقة، والمتحلي بالتربية السليمة”، مما يعكس أهمية تمكين الشباب ليصبحوا قادرين على مواجهة التحديات الصحية والاجتماعية.
المدخل الرابع: مبادرات قطاع الشباب: إبداع وتطوير للمفاهيم.
على الرغم من أن مسألة الشباب في المغرب تتجاوز حدود وزارة الشباب والثقافة والتواصل لتشمل قطاعات متعددة، إلا أن الوزارة تعمل بجدية على وضع وتنفيذ سياسات وطنية فعالة للشباب. تستند هذه السياسات إلى ترجمة وعود التصريح الحكومي إلى مبادرات عملية تركز على الإبداع، الابتكار، والإدماج لتحقيق الأثر الإيجابي الذي يطمح إليه الشباب المغربي.
مبادرات الوزارة الرائدة
- برنامج “جواز الشباب”: يتيح هذا البرنامج للشباب تخفيضات مهمة في مجموعة واسعة من الخدمات الاجتماعية والثقافية والترفيهية، مما يعزز من فرص استفادتهم من هذه الخدمات بأسعار معقولة. يهدف البرنامج إلى تحسين جودة حياة الشباب وزيادة مشاركتهم في الأنشطة الثقافية والاجتماعية.
- برنامج “متطوع”: يسعى هذا البرنامج إلى تعزيز روح التطوع والمشاركة المجتمعية بين الشباب. من خلال توفير الفرص للشباب للمشاركة في مشاريع تطوعية، يساهم البرنامج في تعزيز قيم التعاون والتضامن بين أفراد المجتمع.
- تجديد العرض الوطني لدور الشباب: شهدت دور الشباب في المغرب تحولاً كبيراً بفضل الجهود المبذولة من قبل الوزارة. هذه المؤسسات أصبحت تلعب دوراً مهماً في تأطير الشباب ودعمهم في مختلف المجالات، مما يساهم في جعلها مراكز للتعلم والإبداع والابتكار.
- برامج المخيمات التربوية للشباب: تعد المخيمات التربوية من الركائز الأساسية في تطوير قدرات الشباب وصقل مهاراتهم، حيث تسهم في تكوين وتفعيل شخصياتهم وتفعيل دورهم في الحياة العامة، مما يعزز من اندماجهم المجتمعي الفعّال.
- برامج تكوينية في الإدماج الاقتصادي بمؤسسات دور الشباب والأندية النسوية: توفر هذه البرامج للشباب فرصاً لتطوير مهاراتهم في مجالات مختلفة تساعدهم على الاندماج في سوق العمل، سواء من خلال التدريب المهني أو ريادة الأعمال.
- برامج التكوين والتأهيل الرياضي: تعمل هذه البرامج من خلال المراكز السوسيو رياضية على تعزيز اللياقة البدنية للشباب وتطوير مهاراتهم الرياضية، مما يسهم في بناء جيل قوي وصحي.
- المهرجانات والمنتديات الثقافية والفنية: تشكل هذه الأنشطة منصة للشباب للتعبير عن مواهبهم وإبداعاتهم في مجالات الثقافة والفنون، بالإضافة إلى أنها تساهم في تعزيز التبادل الثقافي والتفاعل المجتمعي.
- جامعات الشباب وبرنامج التكوين “أساس”: تهدف هذه البرامج إلى تعزيز التعليم المستمر للشباب من خلال الدورات والورش التعليمية التي تغطي مجموعة واسعة من المواضيع الأساسية لتطوير معارفهم ومهاراتهم.
- برامج السياحة الثقافية للشباب: تتضمن هذه البرامج مبادرات مثل “المقامات اللغوية” و”برنامج حلقات معرفة المغرب”، التي تهدف إلى تعزيز الوعي الثقافي لدى الشباب وتوسيع آفاقهم المعرفية حول تراث وثقافة وطنهم.
الشباب المغربي – ثروة وطنية للمستقبل
إن الشباب المغربي يمثلون ثروة وطنية هائلة يمكن استثمارها لتحقيق التنمية المستدامة في البلاد. وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بقيادة الوزير محمد مهدي بنسعيد، تعمل جاهدة على تمكين الشباب من خلال توفير الفرص الملائمة لهم للمشاركة الفعالة في مختلف مجالات الحياة. التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني هو السبيل الأمثل لتحقيق هذا الهدف، وتوفير بيئة تتيح للشباب المغربي الفرصة لتحقيق تطلعاتهم والمساهمة في بناء مجتمع عادل ومتقدم.
بفضل السياسات المبتكرة والدعم المتواصل، يمكن للشباب المغربي أن يكون في طليعة القوى المحركة للتنمية والتقدم في البلاد، مجسداً رؤية جلالة الملك محمد السادس التي تشدد على أهمية الشباب كقوة دافعة لتحقيق التغيير الإيجابي والمستدام في المملكة.
*باحث في قضايا الشباب والسياسات العمومية
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News