الرأيالمغرب اليوم

تبا لمن خان بلدته الصغيرة المهمشة بأعالي وسفوح جبال الأطلس: 8 شتنبر موعد مع جراح الجنوب

  • بقلم امحمد القاضي * //

إذا كان في الملة الشرك بالله من الكبائر التي لا تغتفر، كما جاء في قوله تعالى: “إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء”. فإن خيانة الأوطان جريمة لا تغتفر دنيويا ولا آخرة.

فلأن حب الأوطان من الإيمان، فخيانة الوطن، أو جزء منه، من الكبائر أعدم عليها الخونة. الخيانة ليست فقط بالوشاية للعدو، ولا بالتخابر مع الجواسيس، ولا بالتطبيع مع أعداء قضية، بقدرما هي التطبيع مع الفساد، والتخلي عن المسؤولية، وعدم تنفيد الوعود، والمساهمة في إختلاس أو تبديد الأموال العمومية، والهروب من أداء الواحب. بإختصار، خيانة الأمانة.

كم من أمانة خانها حاميها؟ كم من منتخب، ومسؤول يتابع قضائيا اويقبع بالسجون اليوم بتهم الفساد؟وما زالت أخبار الشأن العام تحمل أسماء وازنة ورؤوس تتساقط تباعا.

كم من مدبر للشأن العام جاثم في منصبه، يتلقى التعويضات وينتشي بالإمتيازات، ويتبهى بسيارة الخدمة، ولا يحرك ساكنا لقضاء أغراض الناس. الأرقام مخجلة، لدرجة أصبح الصالح عملة نادرة وقلة قليلة.

الكوارث تعري الخونة. أصبح لنا في كل 8 شتنبر (الله يحد الباس) موعد مع فريق إلاهي، غضب الطبيعة لتقصي الحقائق. منذ سنة، عرى الزلزال على هشاشة قرى جبال الأطلس، وشهد العالم مدى التهميش الذي طال الساكنة المنعزلة لعقود. وكشف وما زال يكشف عن هدر ميزانيات وتماطل وبطئ في إعادة الإعمار.

وقبل أسابيع قليلة في مناطق بنفس السلسلة الجبلية وسفوحها، وخاصة إقليم طاطا، عرت السيول على هشاشة الوضع وعلى قناطر وطرقات ومنشآت عمومية صرفت عليها الملايين وجرفتها التساقطات في لحظات، وحطمتها حمولة الوديان كما يكسر الطفل حلوى البسكويت. وعمقت الجراح إهمال المسؤولين الكبار للوضع.

ما أقلق كل من شاهد اللحظات العصيبة التي عاشها الجنوب الشرقي، هو ضعف البنى التحتية وعدم قدرتها تحمل السيول، رغم أنها أنشئت لمقاومة الكوارث الطبيعية، كالفيصانات. الإختلالات التي ظهرت على مستوى هشاشة المنشآت تلزم فتح تحقيق لمعرفة الحقيقة، لربط المسؤولية بالمحاسبة، وإعتبار كل من كان السبب خائن للوطن.

الوطن كالجسد الواحد، إذا إشتكى منه عضوا، تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى. الوطن الواسع كله بلدتنا الصغيرة، من أهمل جزء من مسؤولياته في منطقته مهما كانت نائية، أثر سلبا على باقي أجزاء الوطن.

للقدر عيون تراقبنا، وللزمن موعد مع الهزات والكوارث تعري المستور، وللمواطن أكفف يرفعهم للدعاء، وللدولة آليات وأجهزة لتقصي الحقائق ومحاسبة من فرط في جزء من المسؤولية وعليها تفعيلها.

يقال عادة أن الوطن هو المكان الذي تغادره أقدامنا، لكن قلوبنا تبقى فيه، حالمة بإزدهاره. وبالنسبة للخونة الجدد، الوطن هو الذي تقطنه جسده، وتغادره كل أحاسيسه وحتى وأحلامه.

أخيرا، إقتبست العنوان حين إستحضرت عنوان كتاب للكاتب السوري محمد الماغوط: “سأخون وطني: هديان في الرعب والحرية.” كتبه سنة 1987، في عز نظام الأسد البعثي والقومية العربية.

وتحول إلى المسرحية الأسطورة الساخرة “كاسك ياوطن” من بطولة الممثل السوري الكوميدي والدرامي المعروف دريد لحام.

ومن بين أقواله: “يا إلهي! كل الأوطان تنام وتنام، وفي اللحظة الحاسمة تستيقظ؛ إلا الوطن العربي، يستيقظ ويستيقظ، وفي اللحظة الحاسمة ينام!”

وإلى صحوة روحية مستنيرة، تصبحون على مسؤولين مستيقظين. ولترقد الأرواح المفقودة بالجنوب الشرقي في سلام، وسيخبرون الله بكل شيء.

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى