الرأيالمجتمع

تأرجح الإصلاح التعليمي في المغرب بين ضعف الإرادة السياسية وغياب رؤية استراتيجية

  • بقلم ذ. حمزة بناني  //

  منذ الاستقلال والمنظومة التعليمية في المغرب تتخبط في مشاكل بالجملة، ولا أحد ينكر ذلك، سواء من عامة المواطنين أو من الجهات المسؤولة، وهو ما تؤكده تقارير وطنية ودولية ( نتائج الدراسة الدولية لتقويم تطور الكفايات القرائية، PIRLS دراسات الجمعية الدولية لتقييم الأداء التربويIEA ، تقارير المجلس الأعلى للتربية والتكوين…). الأمر الذي يدفع بالجهات الوصية على القطاع إلى نهج سياسات إصلاحية متعددة ( إصدار الميثاق الوطني للتعليم سنة 1981، العمل بنظام المسالك المزدوجة 1997، المخطط الاستعجالي الثلاثي 2009-2012، القانون الإطار 17-51، خارطة الطريق 2022-2026..)تطمح من خلالها لتجاوز تلك المشاكل، إلا أن هذه الإصلاحات سرعان ما تظهر مدى فشلها وعدم قدرتها على إصلاح الأعطاب بهذا القطاع الحيوي. ولعل ذلك يرجع لعاملين رئيسيين لا ثالث لهما:

أولهما، ضعف الإرادة السياسية:

يعتبر المغرب بلدا في مرحلة “الانتقال الديمقراطي”، ولبلوغ بَر الديمقراطية بأمان يجب أن تُرسَّخ هذه القيمة لدى المواطنين أولا، ومن البديهي في ذلك أن تعتمد الدولة على المنظومة التربوية كأساس لبث القيم في نفوس مواطنيها وترسيخها عندهم.

إلا أن المنظومة التربوية في المغرب تضرب بمبدأ “تكافؤ الفرص” عرض الحائط، وهو أهم الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية الحديثة، هذا الإخلال بمبدأ “تكافؤ الفرص” يظهر جليا في وجود قطاعين مختلفين من التعليم المغربي، قطاع التعليم العمومي الذي يعتبر ملجأ أبناء الطبقة الفقيرة و بعض من أبناء الطبقة المتوسطة – إن وجدت -؛ وقطاع التعليم الخاص الذي يدرس به أبناء الطبقة المنعم عليها وبعض من أبناء الطبقة المتوسطة القادرة على مواكبة المتطلبات المالية المكلفة لدراسة أبنائهم في المدارس الخاص، وذلك بغرض إنقاذ مستقبل أبنائهم من الفشل النسبي للمدرسة العمومية، وهو ما يجعل من يدرسون أبناءهم بهذه الأخيرة سوى اضطرارًا.

كما أنه في المغرب توجد ظاهرة لا يمكن أن تجدها إلا في المغرب وبعض من دول العالم الثالث، وهي أن الحاصلين على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) ليس كلهم يحصلون على نفس الشهادة المختومة من لدن رؤساء الأكاديميات وبتفويض من وزير التربية الوطنية المغربي، بل هناك أيضا من يحصل عليها مختومة بتفويض من وزير التربية الوطنية الفرنسي، وآخر بتفويض من وزير التربية الإسباني…

هؤلاء هم أبناء الطبقة الأرستقراطية التي تدرس فلذات أكبادها في ما يسمى “مدارس البعثات الأجنبية” لتضمن لهم مستقبلا أفضل من مستقبل عامة المغاربة.

هاته الطبقية في التعليم بالمغرب تسهم في جعل أي محاولة لإصلاح قطاع التعليم العمومي تبوء بالفشل، ما دامت هذه الإصلاحات لا ولن تجعل من التعليم العمومي يواكب باقي الفئات التعليمية الأخرى، لأن ذلك ليس من مصلحة المقررين في مستقبل هذه الأمة، فهذه الطبقية في التعليم انتُهِجت لغاية في نفس يعقوب، ألا وهي خدمة مصالح طبقات معينة على حساب أبناء العامة، كما أن قطاع التعليم في المغرب هو قطاع تنخره الرأسمالية المتوحشة، إذ أن طيلة الموسم الدراسي من كل سنة، نجد أن المستفيدين منه ليسوا هم التلاميذ أو أولياء أمورهم، لكن المستفيدين هم مُلاك المدارس الخاصة ومراكز الدعم التربوي ومدارس البعثات الأجنبية وموزعي الكتب  والأدوات المدرسية، فأصبح بذلك الموسم الدراسي موسم رواج اقتصادي بامتياز.

وبهذا فإن أي محاولة لإصلاح المنظومة التعليمية بالمغرب يجب أن تنطلق من هدم هذه التراتبية التعليمية، وجعل أبناء المغاربة إسوة في تعليمهم، لكننا بهذا نطلب ما يستحيل تحقيقه، فكما أسلفنا الذكر، هذه التراتبية التعليمية مفتعلة لخدمة مصالح الخاصة، والتي لن تسمح لأي كان المساس بمصالحها، سواء كان الوزير الوصي على القطاع تكنوقراطيًا، أو محزبا اقترحه رئيس الحكومة، فلا الوزير ولا رئيس الحكومة،  ولا أي فاعل سياسي -إلا قلة من القليل- يمتلكون الإرادة السياسية لتغيير الوضع أو انتقاده حتى، ومن يجرؤ على الحديث عن هذه الوضعية وتغييرها.

العامل الثاني: غياب الرؤية الاستراتيجية:

إن جل الإصلاحات التربوية التي تقوم بها الجهات المسؤولة تغيب عنها الرؤية الاستراتيجية البعيدة المدى، مما يجعلها تبوء بالفشل أو يتم نسخها بإصلاحات ومشاريع أخرى قبل اكتمالها، وهو ما يعبر عنه د. المنجرة بقوله:« إن مجال التعليم في مجتمعاتنا أضحى مجالا أركيولوجيا، وهنا لا بد أن نقيم ملاحظة هامة، فحفريات الأرض تجد لها أثرا، أما حفريات التعليم فلا أثر لها »*، فالسياسات التربوية توضع بشكل ارتجالي، وأصبح مجال التربية الوطنية مجالا للتجارب.

(*) د. المهدي المنجرة، زمن الذلقراطية، ص: 121.

والصراع الإيديولوجي بين الأحزاب التي يُناط لها القطاع في كل حكومة، والتي تتغير على العموم كل خمسة أعوام، وبتغير الحكومات تتغير الاستراتيجيات الإصلاحية حتى قبل جني ثمارها.

كما أن زمن إعداد مشاريع الإصلاح والذي يكون زمنيا قياسيا بالنسبة لقطاع حيوي واستراتيجي، كما تكون هاته المشاريع أيضا محدودة المدى ولا تضمن استمراريتها، ولنأخذ على سبيل المثال لا الحصر خارطة الطريق 2022-2026 والتي من المفترض أن تعمل على تحسين مردودية القطاع التربوي على مدى سنوات، تم إعدادها في أقل من سنة واحدة، وسيستمر تنزيل مقتضياتها في أربع سنوات فقط، قبل انتهاء ولاية الحكومة الحالية، ومما يظهر مدى استهتار الدولة بهذا القطاع هو غياب مناقشة أي مشروع مع المعنيين، ويتم الاكتفاء بإعداده بين دهاليز الوزارة الوصية، والمصادقة عليه تكون شريطة عدم تجاوز المشروع لكلفة مالية محددة، دون التدقيق في مضامينه ومدى صلاحيتها..

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى