الرأيالسياسة

بين زمن الإنكار والإعتراف الرسمي والطابع الإحتفالي للأمازيغية: أشواط من المصالحة مع الذات رغم رغبة البعض إفساد المشترك

  • بقلم امحمد القاضي* //.

سيتسفيق المغاربة صبيحة يوم الثلاثاء 14 فبراير على يوم عطلة مؤدى عنها تخليدا لرأس السنة الأمازيغية على غرار يومي عطلة راس السنة الهجرية والميلادية. ليحق تنزيل التساوي دستوريا وإحتفاليا للإعتراف الرسمي بأمازيغية الأرض المغربية، في إنتظار مكتسبات أكثر تصالحا مع الذات، وإرادة إدارية ووعي جماعي بضرورة الإسراع بتنزيل بنود الإثفاقيات لطي ملف طال تمطيطه.

إلى زمن قريب في سبعينيات القرن الماضي ظلت الاحتفالات الأسرية بإيض يناير حبيسة البيوت الأمازيغية بطقوسها وتقاليدها التي ساهمت النساء في الحفاظ عليها أطباقا، وأهازيجا، وعاداتا بوعي فطري هوياتي تحمله المرأة الأمازيغية توارثا منذ القدم أكثر من غيرها. في الوقت الذي يطغى فيه اليوم الإتجاه نحو تحجيم دور وحق المرأة على النقاش العمومي مع التعديلات المرتقبة على مدونة الأسرة.

خرجت إحتفالات إيض ن يناير للساحات العمومية و أمام قبة البرلمان في السنوات الأخيرة إيذانا بتغييرات في الأفق.

تضاربت المصادر حول بداية إيض ن يناير بين العام الفلاحي وتناول كل ما تنتجه الأرض تيمنا بسنة فلاحية معطاءة ومنتجة. وبين من يرجع أصل الإحتفال تاريخيا لما أعمق منه تراثيا، وهو إعلان فوز الملك الأمازيغي شيشنق الأول على الملك الفرعوني المصري رمسيس الثالث سنة 950 قبل الميلاد (نعم قبل بداية الديانتان لمن كبرت لحيته اليوم). لكن المهم اليوم ليس المصدر، بل الشعور بالإنتماء لهوية وتاريخ تتنفسه هذه الأرض.

ففي إطلالة قصيرة للأحداث التاريخة التي تسارعت أمامنا، نجد أننا قطعنا أشواط في الإعتراف بالهوية الأمازيغية الوطنية.

فما بين رفض المطالبة بالحقوق الهوياتية للأمازيغ، والتأسيس الخجول للمنظمات الأمازيغية، ومنع تأسيس أحزاب، والأحكام السجنية في عهد المرحوم الحسن الثاني لمن تجرأ كتابة تيفيناغ عنوتا على اللافتات من جهة. وبين عهد الإنفتاح على المكون الأمازيغي بإعتراف رسمي خلال خطاب أجدير الملكي التاريخي شهر أكتوبر 2001، وإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، والإعتراف الرسمي بحرف تيفيناغ سنة 2003، ودسترة اللغة الأمازيغية، بجانب العربية، كلغة رسمية للدولة، بإعتبارها رصيدا مشتركا للكل المغاربة بدون إستثناء، والإعلان الرسمي للإحتفال برأس السنة الأمازيغية سنة 2023 من جهة أخرى؛ جرت عدة مياه تحث جسر المصالحة مع الذات.

كما عر التدبدب والتفاوت في السرعة بين الإختيارات الملكية، وتباطئ في التنزيل السياسي والإداري لمقتضيات الدستور والتوجيهات الرسمية.

من الملاحظ أن هناك تعثر في الإرادة السياسية، ونية الدفع بالإصلاحات، وفق كل هذا الإيمان المهزوز للبعض، والشعور “بالشمتة” الذي لم يفارق فريق تخونه زلاته اللسانية التي تظهر ما كان يخفي من ضغينة.

فعلا مازال ورش تعميم إدماج الأمازيغية في المنظومة التعليمية منذ 2003 مفتوحا دون بوادر التقدم الملموس، ومعانات أساتذة اللغة مع إستعمالات الزمان داخل المؤسسات التعليمية مطروح. إضافة لضعف الإبتكار في هذا الميدان، كإطلاق منصة رقمية تفاعلية لولوج تعليم اللغة وكتابة وقراءة حرف تيفيناغ. كما أن القناة الثامنة تعاني ضعف الموارد المالية والتقنية والبشرية وتعمل بميزانية لا تؤمن تطور البرامج المنشودة، مما يقزم الجانب الإعلامي والتواصلي للقطب السمعي البصري.

لكن المؤسف والمؤلم هو أن تخرج أحزاب تدعي الوطنية والإعتدال ضد إعتماد حرف تيفيناغ، ويعتبره مسؤول حزبي آخر رفيع المستوى طنزا “شينوية”، ويخرج نفس الشخص قبل أيام ليطل علينا بقوله: “سواسة جاو من مناطقهم…،” وكأننا مهاجرين سريين عابرين للحدود، رغم أن الهجرة حق من حقوق الإنسان الأممية. أو أننا جراد هاجمنا الأرض والنبات على بغثة. فهناك من لم يهضم بعد غنى هذه الأرض بالتنوع الثقافي والإختلاط البشري والإثني للمغاربة، ولم يستحضر دروس التاريخ، ويجهل العمق الأمازيغي للإنتماء لهذا الوطن.

والعحيب أنه بعد الإعلان الرسمي لتبني حرف تيفيناغ، خرجت للوجود الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية سنة 2007، وكأن شيء ما إستجد يهدد وجود وكيان هذه اللغة بالبلد. وهي إشارة إلى ربط العربية بالدين، وتهديد للمقدسات والأمن الروحي للمغاربة، في جهل تام أن إسلام بلدان شرق آسيا وشعوبها، الغير الناطقين بالعربية، أكثر إعتدالا سماحة، وتسامحا وآمانا وإزدهار فكري ورقي إقتصادي من مجموع الدول العربية التي ينخر مجتمعاتها الفساد، والغش، والنفاق، والأمية والتخلف إلى غير ذلك من أسوأ النعوت.

ولا ننسى مؤخرا النتائج الرسمية المعلنة لإحصاء السكان بالمغرب لسنة 2024، التي فاجأت الجميع بالإعلان أن نسبة السكان الناطقين بالأمازيغية لا يتجاوز 25%، مع العلم أنه تم إعتماد إستمارتين في الأسئلة الموجهة للمحصيين، الأولى موجزة الأكثر شيوعا، لا تحمل سؤال اللغة الأصلية/الأم أو الهوية، والثانية الأقل إستعمالا تحمل جل الأسئلة المعتادة. وهذا في حد ذاته تضليل ينم عن نية مبيتة تفتقد لأسس علمية في الإحصاء. إذ أن هذا التراجع المعلن للناطقين بالأمازيغية لا يتماشى وجو سياسة الإنفتاح ونضال الحركة الأمازيغية وعمل الجمعيات الثقافية والتوجهات الرسمية وحرص الأسر على الحفاظ على التنوع اللساني للمغاربة، وقوة العنصر الأمازيغي الفطرية الإستيعابية للثقافات المحلية وفي التشبت بالهوية واللسان والثقافة الامازيغية.

يبقي الوعي بتاريخ البلد، والإيمان بتنوعه الثقافي وتعدده العرقي، والتوفر على مهارات التواصل مميزات وشروط يجب أن تتوفر في مسؤولينا قبل تولي المناصب الحساسة كالسفراء، والوزراء والعمال والمسؤوليات السامية الأخرى، وإلا سوف يسوقون صورة مخجلة حول البلد والشعب المغربي، وسيهدمون بتسلط لسانهم وقصر نظرهم ما بنيناه كأمة موحدة.

كي لا ينغص علينا هؤلاء جو الإحتفالية، والشعور بالإنتماء والإعتزاز بالمكتسبات، إذ من المنتظر أن تعرف هذه السنة الساحات العمومية إحتفالية وسهرات فنية فلكلورية وموائد مفتوحة تخليدا للمشترك والموحد بين جميع المغاربة.

وعلى وقع الإحتفالية نقول لجميع المغاربة: “أسكاس أمباركي إغودان”.

*رئيس جمعية تيويزي للتنمية الإجتماعية لأيت عبد الله

          

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى