
بين خطاب الثقة ومأزق الواقع.. قراءة نقدية في كلمة عبد الإله ابن كيران بأكادير
- بقلم: حسن كرياط//
في كلمته خلال المؤتمر الجهوي لحزب العدالة والتنمية بجهة سوس ماسة، بدا الأستاذ عبد الإله ابن كيران، الأمين العام للحزب، وفياً لأسلوبه الخطابي المعتاد، إذ مزج بين نبرة التفاؤل وروح التحدي، متطلعاً إلى استعادة بريق سياسي خفت منذ انتكاسة انتخابات 2021. لكن ما يبدو على السطح خطاباً واثقاً ومتماسكاً، يخفي في العمق مجموعة من المفارقات التي تستدعي قراءة نقدية دقيقة.
أولى هذه المفارقات تتجلى في تمسكه بسردية “المؤامرة” كأداة تفسيرية لسقوط الحزب، وهي سردية ما زالت تجد لها صدىً في أوساط جزء من القواعد الحزبية، لكنها تظل قاصرة عن الإحاطة بجوهر الأزمة. فالانهيار التنظيمي والسياسي الذي شهده “البيجيدي” لا يمكن عزوه فقط إلى خصوم أقوياء أو إلى ما يُسمى بـ”التحكم”، بل إلى عوامل داخلية أعمق، أبرزها عجز الحزب عن تجديد خطابه، وفقدانه التدريجي للتواصل مع هموم المواطنين، خاصة بعد فترة طويلة من التواجد في الحكومة دون نتائج ملموسة تُوازي الانتظارات الكبرى.
وفي معرض حديثه عن مناضلي الحزب، حرص ابن كيران على التأكيد على نزاهتهم الأخلاقية و”نظافة أياديهم”، وهو خطاب لطالما شكّل جزءاً من الهوية الرمزية للحزب. غير أن الزمن السياسي الحالي يفرض معايير جديدة، تتجاوز الشعارات الأخلاقية إلى مساءلة الكفاءة والنجاعة. فهل يكفي القول بـ”العفة” لتبرير الإخفاقات في ملفات مصيرية كالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية؟ وهل يمكن للشرعية الأخلاقية أن تغني عن غياب الحصيلة التنموية الواضحة؟ الأسئلة تظل مطروحة بقوة، خصوصاً في سياق تتزايد فيه المطالب المجتمعية بالمحاسبة وربط المسؤولية بالنتائج لا بالنوايا.
ابن كيران أبدى أيضاً رهانه على ذاكرة الشعب، معتبراً أن خصوم الحزب يراهنون على نسيان الجماهير. لكنه في المقابل، بدا وكأنه يتناسى أن الذاكرة السياسية ليست مجرد نوستالجيا، بل هي أيضاً ذاكرة تقييم ومقارنة. صحيح أن الحكومة الحالية تواجه بدورها موجة من الانتقادات، إلا أن هذا لا يعفي الحزب من واجب المحاسبة الذاتية ولا يمنحه تفويضاً تلقائياً للعودة، فقط لأن “الآخرين فشلوا”. ففي نظر المواطن، المصداقية تُبنى بالفعل الملموس، لا بمجرد استحضار الماضي أو التذكير بالهويات.
وإذا كان حديثه عن المشاركة السياسية باعتبارها “عبادة كبرى” يعكس وفاءه للبعد الديني الذي ميز أدبيات الحزب في بداياته، فإن هذا المزج بين السياسي والديني لم يعد يجد نفس القبول، خاصة وسط فئات شابة تتطلع إلى خطاب عقلاني، عملي وبراغماتي، بعيد عن الشحن الرمزي أو التوظيف العقدي للدين. الخطاب الذي يستحضر “العبادة” في سياق السياسة قد يحمل رسائل معنوية نبيلة، لكنه في الآن نفسه يثير تساؤلات حول حدود الفصل بين المجالين، ومدى قدرة الحزب على التجاوب مع تحولات المجتمع بعقلانية وواقعية.
إن كلمة ابن كيران، رغم الحماسة والحنكة التي تميزها، تعكس وضع حزب يعيش مأزقاً مركباً، يبحث عن ذاته بين ذاكرة مجيدة وأفق ضبابي. حزبٌ ما يزال يُراهن على أدوات خطابية قديمة في مشهد سياسي متجدد، ما لم يقم بمراجعة جذرية لأدبياته وممارساته. بدون هذه المراجعة، وبدون انخراط فعلي في نقد ذاتي صادق، ستظل محاولات العودة مجرد اجترار لخطابات الماضي، دون القدرة على بناء مستقبل سياسي بديل.
ففي عالم السياسة اليوم، لم تعد المعارك تُحسم بالشكاية من “التحكم”، ولا بالتغني بـ”نظافة اليد”، بل بمشاريع واضحة ومقنعة، وبخطاب قريب من الناس، يتحدث بلغتهم، ويُلامس انتظاراتهم الواقعية، لا أحلامهم المؤجلة.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News