بيلماون من براثين القداسة إلى ممارسة ثقافية ذات خطابات هوياتية
- بقلم ابراهيم باوش //
في كل سنة تقريبا، وبمناسبة حلول عيد النحر، يكثر الجدل حول الطقس الاحتفالي بويلماون، بين جماعة تعتبره إرثا ثقافيا للأمازيغ وجب الاحتفاظ عليه وتطويره وتنقيحه وجماعة تعتبره طقسا وثنيا وجاهليا وممارسة غير متحضرة.
لنعد إلى البدايات السحيقة لظاهرة التقمصات أو التحولات التي كانت سائدة في حوض البحر الأبيض المتوسط وخصوصا في الجانب الغربي منه الذي يضم بلدان اليونان والرومان وإيبيريا المقابلة لبلاد الأمازيغ، التي كانت تسود فيها هذه الطقوس، والتي تطورت ليتأسس على أسسها المسرح قبل تعديلات سوفوكل، أو التي استند عليها الروائي الأمازيغي أبوليوس أفولاي في صياغة أسينوس أورغ أو الجحش الذهبي، المسمى تحولات الجحش الذهبي.
الرواية هاته في مجملها تعتمد على تحول شاب إلى جحش بفعل خطأ في ممارسة السحر ليعود إلى آدميته بعد نضال مرير.
قصة التحول متجذرة في الثقافة الأمازيغية، حتى أنها تضفي قداسة تاكات tagat على كل من ينتهك قوانين الطبيعة، كاحترام بعض الطيور الدورية وعدم مس أعشاشها أو احترام بعض أنواع الأشجار وعدم التعدي عليها اجثتاتا اواحتطابا.
خلال اواسط السبعينات والثمانينات، وهي الفترة التي عايشت فيها بيلماون في أشتوكن بالمشاركة الفعلية في طقسه، لم يكن هناك صخب في مجتمع الدوار حول بيلماون، لم يتدخل الفقيه أو شيوخ واكابر الدوار استهجانا لما كنا نمارسه بعفوية، بل كنا ندق الأبواب ونقتحم المنازل لجمع ما يكفي من جلود الخروف والماعز لاستعمالها كلباس وقناع للتخفي أو التحول، وحدها المدينة، تعتقد انها أكثر مدنية من القرية، تجد عسرا في تقبل احتفالية بيلماون.
من المثير جدا ملاحظة أن كل ما هو أمازيغي يلقى مقاومة من قبل بعض المغاربة الذين يفسرون كل شيء بالدين، عايشنا كيف يحاربون الأمازيغية لغة، ثم انتقلوا نحو محاربة حرفها تيفيناغ وتابعوا تنكرهم لرأس السنة الأمازيغية وفشلوا في كل شيء لأنهم ببساطة ذوو نفوس مركبة ويشكلون أقلية غير منسجمة.
هناك ممارستان في سوس يصعب القضاء عليهما بالإستناد إلى الفهم الديني للأشياء، إمعشار في تيزنيت وبويلماون في أرجاء سوس تقريبا لأنهما حفلان في هذا الزمن يمارسهما أمازيغ مسلمون بعقلية واعية، بل وتؤطرهما جمعيات وينتظرهما الجمهور بشغف ويغذق عليهما المال لأنهما شكلان ثقافيان لا يتعارضان مع التقاليد والعادات والممارسات الاحتفالية الجماعية وإزرفان التي وضعها الأسلاف.
بيلماون، كما عرفته، ممارسة احتفالية رمزية جماعية ومنظمة تختزل دلالات ومعان رمزية لدى الجماعة التي تمارسها وتفهمها، واعتبره الكثير من الجمعيات في عهدنا تجمعا علنيا متحركا صالحا لتمرير عدة رسائل دون المساس بكنهه باعتباره تعبيرا عن العبور من مجرد طقس للفرجة وجمع بعض المال والعطايا إلى حمل رسائل وبعث خطابات هوياتية عن التمسك بكل ما هو أصيل في هذا البلد وتخليص حفل بويلماون من براثين القداسة لوضعه في إطار ممارسة ثقافية مسايرة للتطور والتجديد في أفق جعله، هو وإيمعشار، مهرجانات كالتي تحتفل بها بلدان أخرى.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News