بيلماون تراث أمازيغي يخيف خفافيش الظلام
- م.عبدالسلام صرصاري //
بيلماون :هو مهرجان شعبي تراثي مغربي أمازيغي يقام سنويا بمناسبة عيد الأضحى في كل التراب الوطني ، وخاصة في الجنوب الأوسط، يقوم خلاله الشباب بارتداء جلود الأغنام والماعز، ويضعون أقنعة على وجوههم، ويقومون بالرقص على نغمات الدفوف و الطبول ، ويخرجون إلى الشوارع ، ناشرين أجواء من البهجة والفرح خلال الأيام التي تلي عيد الأضحى، حيث يتجولون بين الأزقة والشوارع والأحياء على إيقاع الأهازيج الشعبية، ويحملون في أيديهم قوائم الأضاحي التي يطاردون بها من يصادفونهم في الطريق ويضربونهم ضربات خفيفة، الهدف منها نشر الفرحة والضحك ، وإشراك الجميع لتعم الفرحة ، وهو في الحقيقة مسرحية تراثية ، تذكر بمجد هذه الأمة المغربية ، ذات التاريخ العريق. تعرض في أوسع الخشبات ، ومشاركة متفرجين ومتفرجات من كل الأعمار والأجناس والثقافات.
وفي غمرة هذه الأفراح ،تخرج بعض الأصوات والأقلام الناشزة ، والحاقدة لكل ما هو أمازيغي ، ما بين متأسلمين وملاحدة قوميين ، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ، يجمعهم الحقد على الأمازيغية والأمازيغ ، وفي غيرها أعداء ألداء.
لكن الأكثر نشازا وحقدا ، هم ببغاوات النجدي وأكباشه، الذين خرجوا من جحورهم ، وملأوا شاشات اليوتوب ومنصات التواصل الاجتماعي بأسطواناتهم المخدوشة، التي تردد نفس العبارات، وتستعمل نفس الكلمات ، للنيل من هذا الموروث الثقافي الأمازيغي وأهله ،ناعتين إياه بالوثنية والتحريم ،وتجريمه والقائمين به، والمتفرجين فيه ، وهم بذلك يعربون عما يخالج قلوبهم المريضة ،أقول المريضة لأنها تخالف الواقع ، وتبتعد عن الحقيقة .
فالاحتفال بمهرجان بيلماون يأتي زمنيا في أيام التشريق التي قال عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنها أيام أكل وشرب، وذكر وشكر.
يَقُولُ ابنُ رَجَبٍ رَحِمَهُ اللهُ: فَأيَّامُ التَّشْرِيقِ يَجْتَمِعُ فِيهَا لِلمؤْمِنِينَ نَعِيمُ أَبْدَانِهِمْ بِالأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَنَعِيمُ قُلُوبِهِمْ بِالذِّكْرِ وَالشُّكْرِ، وَبِذَلِكَ تَتِمُّ النِّعْمَةُ، وَكُلَّمَا أَحْدَثُوا شُكْرًا عَلَى النِّعْمَةِ كَانَ شُكْرُهُمْ نِعَمةً أُخْرَى، فَيَحْتَاجُ إِلَى شُكْرٍ آخَرَ، وَلَا يَنْتَهِي الشُّكْرُ أبَدًا.
يَقُولُ عَلِيُّ بُنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ: إِنَّ النِّعْمَةَ مَوْصُولَةٌ بِالشُّكْرِ، وَالشُّكْرُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَزِيدِ؛ وَهُمَا مَقْرُونَانِ فِي قَرَنٍ؛ فَلَنْ يَنْقَطِعَ الْمَزِيدُ مِنَ اللهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الشُّكْرُ مِنَ الْعَبْدِ.
وإقامة الأفراح دليل على الشكر على نعم الله التي لا تحصى ، قال الله تعالى : قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ.
وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود.
روى البخاري عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت:
“وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب. فإمّا سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإمّا قال: “تشتهين تنظرين؟ فقلت: نعم. فأقامني وراءه، وخدي على خده، وهو يقول: “دونكم يا بني أرفدة” حتى إذا مللت قال: “حسبك؟ قلت: نعم. قال: “فاذهبي.”
من خلال هذا الحديث يتبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض على أمنا عائشة رضي الله عنها أن تنظر (تشاهد) إلى لعب الأحباش في عرضهم الجماعي، الذي كان عرضا فنيا، فلفظة “اللعب” هنا تشير إلى ذلك، تشير إلى الاستعراض والفرجة كما تشير إلى أنه عرض يدخل البهجة على القلوب بدليل “تشتهين”، ويجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، الراعي للعرض كما سنرى يقترح على أمنا عائشة تمكينها من متابعته، بعد أن لاحظ رغبتها في مشاهدة العرض “تشتهين تنظرين”.
فرسول الله صلى الله عيه وسلم لم ينكر على بني أرفدة، وهو لقب للحبشة ، لعبهم الذي يزيد الإيمان ويرفع من قدر الإنسان، ولا ينقص من قيمته، فما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليساعد زوجه على حضور عمل ينقصها في دينها.
وفي رواية للنسائي من طريق أبي سلمة عن أمنا عائشة: دخل الحبشة يلعبون، فقال لي النبي – صلى الله عليه وسلم – يا حميراء أتحبين أن تنظري إليهم؟ فقلت: نعم… ولأحمد والسراج وابن حبان من حديث أنس أن الحبشة كانت تزفن بين يدي النبي – صلى الله عليه وسلم – ويتكلمون بكلام لهم، فقال: ما يقولون؟ قال يقولون: محمد عبد صالح.
وما كان رسول الله ليبيح في العيد ما هو حرام في غيره. فالحبشة كانوا يرقصون بين يدي النبي، يقدمون عروضا فنية، لا إنكار من لدن النبي صلى الله عليه وسلم لهم، بل شجعهم على ذلك باستعماله صلى الله عليه وسلم العبارة الرقيقة: “دونكم يا بني أرفدة”.
وطلب من عمر رضي الله عنه أن يدعهم في لعبهم، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: “بينما الحبشة يلعبون عند رسول الله عليه وسلم إذ دخل عمر بن الخطاب، فأهوى إلى الحصباء يحصبهم بها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعهم يا عمر.
وفي رِوايةِ البخاريِّ عن عائشةَ أيضًا، أنَّ أبا بكرٍ رضِيَ اللهُ عنه “دخَل عليها وعندَها جاريتانِ في أيَّامِ مِنًى تُغنِّيانِ وتُدفِّفانِ وتَضربانِ، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتغَشٍّ بثَوبِه فانتهرَهُما أبو بكرٍ، فكَشَفَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن وجْهِه، فقال: دَعْهُما يا أبا بَكرٍ؛ فإنَّها أيَّامُ عِيدٍ، وتِلك الأيَّامُ أيَّامُ مِنًى”؛ فبَيَّنَتْ هذِه الروايةُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم وإنْ أقرَّهُ وسمِعَه فإنَّه لَم يَنظُرْ إِلى الْمُغنِّيتَينِ.
أو لعلَّ هذه المرأةَ الحَبشيَّة كانتْ جاريةً صغيرةً، والنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قد رخَّص في أوقاتِ الأفراحِ- كالأعيادِ والنِّكاحِ- في الضَّربِ بالدُّفوفِ والتغنِّي بالأشعارِ الحَسنةِ وما كان في معناها للجوارِي الصُّغريات.
وقد أورد ابن الجوزي في كتابه أخبار الحمقى والمغفلين جملة أخبار مأثورة تبين دعوة كبار الأئمة إلى ترويح القلوب والتسلية عنها، من ذلك قول علي كرم الله وجهه: روحوا القلوب واطلبوا لها طرف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان)، وعن أسامة بن زيد قال: روحوا القلوب تعي الذكر). وعن الزهري قال: كان رجل يجالس أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثهم فإذا كثروا وثقل عليهم الحديث قال إن الأذن مجاجة وإن القلوب حمضة فهاتوا من أشعاركم وأحاديثكم.
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : «لَتَعْلَمُ يَهُودُ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً، إِنِّي أُرْسِلْتُ بِحَنِيفِيَّةٍ سَمْحَةٍ». .
الإسلامُ دِينُ يُسْرٍ؛ فقدْ رفَعَ اللهُ به الحرَجَ والضِّيقَ والإثْمَ عن النَّاسِ، ووسَّعَ عليهم دونَ تجاوُزٍ
أختم بهذه الأبيات الشعرية الأمازيغية :
الله أكبر أتيبّيت كْمّي كا يوحْلْنْ
إمّا غايْدا تْسّْنْكيمْتْ أورْ إيسّن سْ الخير
أصْلاّب نوسيتيدْ إيفْراخْ أسّيسْ نْكّاتْ
يا إيكانْ إيويسْ نْ الطّاسيلْ هانّ
أورْ إيدْرْكْ أداغْ سولْ إيرارْ أوالْ
إمّا كارْ أمودْ هانّ أورْ سارْ إيسّْنْ سْ الخير
إيغْ أسّ نْسْموسّْ أضادْ إيسْموسّاغْ نْتّانْ أفوسْ
“سَبّح” دْ “عَمّ” أدّارْسْ إيلاّنْ أرْ الموت
“قد أفلح” ويدا إيسْلّمْنْ أتّ إيسّنّْ”
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News