بيلماون، الكرنفال الدولي لأكادير : وجهة نظر من الداخل
بقلم الحسين بويعقوبي //
بعد أن بدأت النفوس تهدأ، بعد أيام من الأخذ والرد وتعدد الآراء بخصوص موضوع “بيلماون، الكرنفال الدولي لأكادير”، بين متوجس من المشروع، ورافض للفكرة في الأساس، من جهة، ومتحمس للنشاط وداعم له، من جهة أخرى، ولكل في موقفه دواعي ومبررات، قد لا تكون بالضرورة موضوعية، أجد السياق مناسبا للتفكير في الموضوع بعيدا عن منطق الفعل ورد الفعل، بل بمنطق التأسيس لمشروع نشاط ثقافي كبير في مدينة أكادير، يستمد قوته من العمق التاريخي لممارسة بيلماون والاحتضان الشعبي التلقائي لهذا الطقس. ولئن فقد جزءا من بريقه في أحياء أكادير تحت تأثير مخلفات زلزال 1960، فقد حافظت عليه المدن المجاورة، وبل وتقرر سياسيا أن يتم إبعاده إلى “الهامش” بعيدا عن أعين السواح، في التصور الجديد لأكادير ما بعد الزلزال.
ومع ذلك، ظلت بعض الأحياء محافظة على هذا الموروث في حدود ما يسمح به السياق. ولعل أكبر ملاحظة يمكن تسجيلها في 2023، بخصوص هذا الموضوع، هو بداية تملك الكرنفال لقلب المدينة الحديثة، التي أريد له أن يبتعد عنها. وبذلك تتصالح المدينة مع موروثها ويجد بيلماون مكانه الطبيعي في قلب مدينته، وهذه المرة في صيغة كرنفال. يتعلق الأمر في العمق بصراع حول حق الموروث الثقافي، بغض النظر عن تمثلاتنا له، في الوجود في الفضاء العام “العصري”. وبذلك يكون هذا المولود “الجديد” في أكادير مدعما للتجارب السابقة في إنزكان والدشيرة من خلال تغيير التمثلات اللصيقة به حين فرض عليه الإبتعاد عما يسمى “المركز”.
لقد كان قرار مجلس جماعة أكادير جريئا حين برمج هذا النشاط ضمن برنامج عمله للولاية الحالية (2022-2027), استجابة لمقترحات الساكنة، وبذلك حقق السبق على هذا المستوى، بعدما كان الكرنفال يتوسل الدعم هنا وهناك لضمان استمراره، بل وعانى لسنوات من محاولات عديد لوأده. وبناء عليه، خصصت له ميزانية وبحث (بضم الباء) له عن شركاء.
لم يسمح الزمن المخصص لتحضير هذه الدورة بالقيام بأكثر مما تم القيام به، لكن الأكيد أن إدارة هذه الدورة التجريبية نجحت في أن تظهر أن مدينة أكادير قادرة على تنظيم كرنفالها، وكانت الفقرات المقدمة مفكرا فيها بشكل جيد، بدءا بالندوة الصحفية لتقديم المشروع، ومرورا ب “قرية الكرنفال”، الفكرة المبدعة التي استحسنها الجميع، ونالت قبول وإعجاب الزوار، ثم السهرتين الختاميتين اللتين لم يكن اختيار المشاركين فيها اعتباطا.
أما الكرنفال، الفقرة الأساس في النشاط، فقد كان اختيار التوقيت محكوما بهاجس الابتعاد عن مواعيد الأنشطة الكرنفالية المنظمة في المنطقة، ليكون كرنفال أكادير بمثابة تتويج لكل هذه الأنشطة في المنطقة وخارجها. وقد نجحت إدارة الكرنفال في إشراك الجميع، وهو الهدف منذ البداية، حيث شاركت أغلب المدن، كما شاركت جمعبات من جماعات خارج جهة سوس ماسة كايمينتانوت وأمزميز، اللتي كانت تنظر لكرنفال أكادير باعتباره منصة دولية للتعريف بإبداعات شبابها اللتي أبهرت الجميع، لحفاظها على بعض مقومات بيلماون كما هو معروف تاريخيا، وبذلك استحقت التتويج ببعض الجوائز، وساهم حضورها في تعزيز الجاذبية الثقافية لأكادير في مجال أوسع من الجهة الإدارية “سوس ماسة”، وبشكل يسمح بالحديث عن “سوس اللسني أو الثقافي”، ومن المحتمل أن يجر الكرنفال مستقبلا مشاركات من الصويرة ومناطق أخرى كإفران الأطلس الصغير وتيمولاي، وقد يستقطب حتى مشاركة “ءوداي ن تعشورت” المعروف في كولميمة في الجنوب الشرقي.
لقد كان لسلسلة اللقاءات المنظمة مع جمعيات المجتمع المدني تأثير إيجابي في توجيه المشاركين نحو الإبداع في مجال القناع والتنكر والمجسمات للحفاظ على هوية الكرنفال، كما ساهم أعضاؤها في التنظيم. وتبقى الجماهير الغفيرة التي تابعت فقرات الكرنفال والاحتضان الشعبي له أهم مؤشر على نجاح التجربة، وبذلك تتأكد التخمينات القائلة بأن الكرنفال في أكادير يمكن أن يكون معطا استراتيجيا للتنمية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، كما بينت بعض مداخلات الندوة الدولية. وتبين بالملموس، حسب إفاذات بعض الأساتذة الأجانب المشاركين، أن كرنفال أكادير، بعد التعريف به، يمكن أن يصنف ضمن أكبر الكرنفالات العالمية، ويدخل مدينة أكادير في الشبكة العالمية للكرنفالات.
وفي المقابل هناك بعض الملاحظات والمقترحات لتطوير المشروع قدمت من فاعلين جمعويين وأساتذة جامعيين وكذا من لجنة التحكيم، وتصب كلها في اتجاه التنويه بالمشروع وما يحمله من إمكانات، لكن الدورات المقبلة تستدعي انخراطا أكبر للجميع لتوفير الظروف المثلى لحسن التنظيم، خاصة وأن الكرنفال يجر وراءه الآلاف من المتابعين، وهي مرشحة للزيادة في السنوات المقبلة، خاصة إذا تحول لموعد وطني ودولي لمحبي الأزياء التنكرية، يفتح فيها المجال للمشاركات الحرة للعائلات من مختلف مناطق المغرب، حيث يصنع كل مشارك زيه التنكري. كما يجب إعطاء أهمية أكبر لجانب الاخراج الفني وتأطير الشباب والانفتاح على فنون أخرى من شأنها المساهمة في تجويد العرض المقدم.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News