بورتريه: فرانز فانون، المحلل النفسي، بروميثيوس الزنوج.
لقد كان عقله، عقلا على نار لا يمكن اطفاؤها الا بوفاته…
كُتبت اولى صفحات حياة فرانز فانون سنة 1925، حيث ازداد في كنف اسرة متوسطة الحال والطبقة، بمدينة فور دو فرانس عاصمة المارتينيك التابعة انذاك لفرنسا، نشأ فانون فرنسي العقل والقلب، ولما بلغ أشده حارب الى جانب الجيش الفرنسي ضد الفاشية في الأربعينات، ودرس الفلسفة والتحليل النفسي وتخرج من كلية ليون الطبية ليتولى وظيفة في مستشفى بليدة جوينفيل للتحليل النفسي في الجزائر، وتوفي سنة1961.
أسهم فرانز فانون كثيرا في التقليد المابعد كولونيالي، اذ مشى في نفس خطى الكبير إيمي سيزار، وإن شئنا الدقة فإنه نقل خطاب ايمي سيزار الادبي الى خطاب علمي سيؤثر بشكل كبير في كل المحاولات التي ستذهب في طريق النضال لتذويب الممارسات العنصرية والمركزية الإثنية للحضارة الغربية في عالم ما بعد الاستعمار، وان شئنا أسماء تأثروا بفرانز فانون في هذا الإطار يكفي القول بالمفكر إدوارد سعيد وكذلك المفكر الهندي هومي بابا وكذلك سبيفاك وأخرون…
يدافع فرانز فانون على طرح أن الإنسان الأسود (الزنجي) لا ينقصه شيء عن العالم، غير أن الوصم الذي يطاله بسبب لونه وثقافته يسجنه ويسلبه العديد من نقاط قوته، ويسبب له عقد كعقدة النقص والدونية، فلا يبدوا الزنجي في نظر الانسان الابيض(الغربي بالدرجة الأولى) غير كائن أدنى، نصف بشر، او على الأقل فهو في مرتبة أقل من الأبيض وفق ما ذهبت الدراسات الانثربولوجية النشوئية او التطورية، اي أنه يقف في سلم التطور الدارويني بين الانسان الغربي الابيض والقردة، وكذلك ينظر اليه كقوة جسدية وبيولوجية وجنسية تخلق استيهامات هي ليست من الحقيقة في شيء غير انها اساطير ثقافية جرى توارثها والنفخ فيها، والعلم اليوم يؤكد عكسها، فالاسود والابيض لا فرق ثقافي(قدرات واستعدادات ثقافية) او بيولوجي(قوة بدنية وجنسية) بينهم سوى اللون والعرق.
لفرانز فانون مؤلفان رئيسيين ومؤسِّسَين – حقيقة – للخطاب والدراسات المابعد استعمارية، المؤلف الأول هو “بشرة سوداء، اقنعة بيضاء”، والثاني ” معذبو الأرض”، وتعد كتبه هذه لا زالت رائجة وحاضرة بقوة في الدراسات والأوساط الأكاديمية سواء في دراسات النوع الاجتماعي، او العرق او الهجرة او المواضيع ذات الصلة بالقضايا التحررية والدراسات المابعد كولونيالية،
ما يؤكد علو كعب صاحبها وتميزه ونظرته الثاقبة في تحليل الأوضاع، الشيء الذي ساهم فيه ايلامه الكبير بتخصصه، اذ نراه يستشهد في كل فصول كتابه “بشرة سوداء اقنعة بيضاء” بفرويد وادلر ولاكان وكارل يونغ واخرون، وكذلك سعة اطلاعه في العلوم الانسانية كالفلسفة وكذلك الأدب، خاصة الأدب الافريقي والمرتبط بموضوع الزنوجة.
رحل فانون لكن بقي أثره، وكما قال نايجل سي غيبسون عنه: لقد كان عقله، عقلا على نار لا يمكن اطفاؤها الا بوفاته…
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News