بوجلود بالدشيرة أكبر كرنفال إحتفالي لفنون الشارع بالمغرب وشمال افريقيا
- اكادير : رشيد فاسح//
كرنفال (بيلماون بودماون ) بوجلود بالدشيرة
أكبر كرنفال إحتفالي لفنون الشارع بالمغرب وشمال افريقيا يحتفي بالثقافة والعادات الامازيغية السوسية.
في دورته السابعة يأبى كرنفال (بيلماون بودماون) إلا أن يتصدر كرنفالات المغرب وشمال افريقيا، في فرجته وتشويقه وتنظيمه، ويرسم بالتالي لوحات إبداعية لشاب سوس ماسة والضواحي في واحد من أهم المواعيد الفرجوية بالمغرب وبشمال أفريقيا عموما، وذلك للاحتفاء بالثقافة والتقاليد والعادات الامازيغية الضاربة في القدم عتيا، التي تلي عيد الأضحى.
ففي صبيحة الأحد الماضي 09 يوليوز ظهرت حركة غير عادية بمنطقة انزكان بشارع محمد الخامس لمجموعات شبابية في شاحنات صغيرة ومتوسطة بألبستها وأقنعتها وأكسسوارتها وإيقاعاتها وأهازيجها الامازيغية، مجموعات تعد بالعشرات قادمة من كل حدب وصوب، حيث ضربت موعدها السابع للمشاركة ولانطلاق الاحتفالات، وفي حدود الرابعة زولا كانت الإستعدادات للجن التنظيمية للجمعية المشرفة قد وضعت آخر لمساتها السينوغرافية بتعاون مع السلطات المحلية والأمن الوطني والقوات المساعدة والوقاية المدنية، ليبصموا جميعا على مهرجان وكرنفال حج إليه الالاف من الجماهير والزوار في صفوف وطوابير ضمت كل شرائح المجتمع دون تسجيل أي حادث يذكر مما يدل على وعي امني وسلمي كبير لهذا الحدث الكبير.
ويعتبر التراث الثقافي الامازيغي بشقيه غير المادي والمادي عنصرا تنمويا هاما تسعى جميع الدول إلى إستثماره والاستفادة منه، والمغرب من بين هذه الدول التي دأبت على تثمين تراثها المتنوع والثري خدمة للتنمية من جهة وترسيخا لهوية ثقافية لها خصوصياتها في حوض البحر المتوسط. وذلك بإحداث المعهد الملكي للثقافة الامازيغية كمؤسسة رسمية تحضى بالعناية الملكية الكبرى، ومن بين أبرز العناصر التي يسعى المغرب لتثمينها تلك التظاهرات والتعبيرات الثقافية المرتبطة بالميثولوجيا الأمازيغية.
كرنفال (بيلماون بودماون) (او باللغة العامية المغربية بوجلود او بوالبطاين، أو هرما ) هو تقليد وطقس إحتفالي أمازيغي معروف بسوس ماسة، يحتفل به من طرف الشباب السوسي في مناسبة أيام عيد الأضحى، و يمتد الاحتفال لأسبوع أو اكثر، حيث تقام خلاله حفلات موسيقية وسهرات كبرى بأهم الأحياء بأكادير الكبير ومسميات هذا الطقس الاحتفالي الفرجوي لفنون الشارع، قد تختلف من منطقة إلى أخرى؛ فهناك من يسميه بوجلود أو “بيلماون”، وهناك من يسميه بـ”هرما”. ويمكن إدراج هذا الطقس ضمن طقوس وعادات التقنع المنتشرة في مناطق عديدة من العالم، المتمثل في ارتداء جلود المعز او الأغنام تؤلف بشكل معين لتصنع منها بذلة يرتديها الأشخاص المشاركون في هذا الطقس الاحتفالي والفرجوي” يوازيه كذلك وضع مساحيق او اقنعة مختلفة وهذا الطقس الفرجوي يجد له صدى في المناطق الامازيغية بالتحديد، و في مناطق متفرقة من شمال إفريقيا وليس في المغرب فقط ، على غرار جبال الأوراس ومنطقة تيزي وزو بالجزائر. و إحتفالات شبيهة في مناطق أخرى خارج حوض البحر الأبيض المتوسط، كجزر الكناري على سبيل المثال”.
وتعتبر أحياء (احشاش – بوتشكات – رياض السلام – بنسركاو) باكادير المدينة معقلا لهذه الاحتفالات التي تجوب الأحياء العريقة بأكادير وكذلك بمناطق : (تراست والجرف بانزكان والدشيرة) كذلك التي تبصم للمرة السابعة على تنظيم أكبر كرنفال إحتفالي، باجتهاد شباب المنطقة وبإمكانات ذاتية ودعم هزيل، لكن بإصرار وإرادة كبيرين من لدن الجمعية المنظمة والشركاء، وفي هذا الصدد قال الفنان الامازيغي الكبير رشيد اسلال: أحد الاعضاء النشيطين في تنظيم الكرنفال أن هذه السنة كانت صعبة للغاية بعد توقف الكرنفال لموسمين بسبب جائحة كورونا وكذلك لنقص السيولة، وقد عرف الكرنفال مشاركة أهم المجموعات والفرق الاحتفالية والجمعيات النشيطة في مجال بيلماون من مختلف المناطق بسوس وخارج سوس بكل من مدينة ايمينتانوت، وتزنيت،والقليعة، وأكادير وانزكان والدشيرة حيث بلغ عدد فرقها المشاركة حوالي 30 فرقة.
وقد افنتح المهرجات بدمية عملاقة للمرأة الامازيغية بلبسها التقليدي وحليها تسبقها مجموعة من الفتيات يرتدين الزي الامازيغي الأصلي، كاعتراف بأهمية المرأة في نقل الثقافة الامازيغية المغربية الضاربة في القدم، والتي لم تنل منها رياح التغيير والعولمة أي شيء يذكر، وقد انطلق الكرنفال في حدود الساعة الخامسة مساء باستعراض لأهم الفرق المشاركة عرضت من خلالها إبداعات الشباب في الأقنعة التنكرية والألبسة والاهازيج والأغاني والإيقاعات الامازيغية لفنون الروايس ولفرق كناوة ايسمكان نسوس، وحمادشة وعيساوة، ودميات عملاقة، ولباس بيلماون بوجلود للمعز والاغنام وصور تنكرية لفرقة إيمعشارن الشهيرة بتزنيت، خلقت فرجة ودهشة لدى الزوار والمتابعين الذين حجوا على طول شارع محمد الخامس الرابط بين جماعتي انزكان وجماعة الدشيرة.
وقد قدر عدد الزوار بحوالي 120 الى 150 ألف متفرج واكبوا الكرنفال من خلال التقاط صور وفيديوهات توثق لهذا الحدث الكبير بربوع سوس في حفل دام حالي ساعتين ونصف وانتهى على وقع الفرح دون تسجيل أي حادث او انزلاق أمنى يذكر. وهو ما يحسب للجنة المنظمة و حكمة السلطات المحلية والامنية وعموم الجمهور الذي تابع أطوار هذه الفرجة المفتوحة والماتعة بشكل حضاري كبير ينم عن روح المسؤولية والالتزام المواطنة.
تاريخيا تعرضت الكثير من العادات والطقوس الامازيغية الأصيلة لمحاولات الطمس أو الاقتلاع والتجريف تبعا لسياقات سياسية ودينية معينة، في نهاية المطاف استطاعت هذه العادات الصمود والحفاظ على مكانتها في الوعي الجمعي المغربي واستطاعت الاستمرار ضد كل موجات التغيير والاقتلاع من الجذور بل وادماجها في بعدها الحضاري والإنساني الكوني لأشكال فنية لفرجة الشارع وشكلت بالتالي مسرح مفتوح على البحث والتجريب والابداع الكوريغرافي والسينوغرافي الجمالي والتراثي والهوياتي الذي لم يغير إيقاعاته وكلماته منذ عشرات الآلاف من السني، بل اكثر من ذلك وصل الماضي بالحاضر وخلق بالتالي نقاش حقيقي حول الارتباط بالأرض والجذور والثقافة والهوية والاستيلاب.
سوسيولوجيا لقد تعايش هذا الموروث مع جميع التحولات السياسية والدينية التي عرفها المغرب طوال آلاف السنين وظل صامدا في وجه العديد من التغيرات الأنثروبولوجية، اليوم من الواجب على الفاعل المؤسساتي والمدني والأكاديمي والثقافي تثمينه والاعتناء به والدفع به كجزء من موروثنا الحضاري وتعزيز حضوره باعتباره جزءا لا يتجزأ من مكونات الوعي الجمعي للشعب المغربي.
في هذا الصدد يشكل الرقي والاهتمام بمهرجان بيلماون إلى العالمية، رافعة أساسية كتعبير فني فرجوي لفنون الشارع مميز وله بصمة مغربية خاصة، وكموروث ينوّع العرض السياحي في إطار تعزيز السياحة الثقافية وسياحة المهرجانات كما هو معمول به في كبريات العواصم الكرنفالية بكل من : لاس بالماس بجزر الكناري، أو لشبونة بالبرتغال أو فينزيا بإيطاليا أو جاكارتا بإندونيسيا.
باعتبار هذا الموروث الثقافي والحضاري اللامادي جزءا مهما من الرأسمال الحضاري الامازيغي للشعب المغربي بمختلف مكوناته، وهو ما يقتضي بدل المزيد من الجهد في ادماجه في تعابير ومجالات فنية أخرى كالمسرح والسينما وغيرها وهو مطلب يجد له شرعية تاريخية وثقافية للتنوع المغربي.
يجب الاشتغال عليه بهدوء وفق مقاربة تتماشى مع التوجهات العامة للدستور المغربي والدولة المغربية الذي تصبو إلى تثمين الثقافة الامازيغية والرقي بها ومأسستها وانفتاحها على الكونية كتميز حضاري وثقافي للمغرب وللمقومات المشتركة بين المغاربة في إطار وحدة وطنية تعزز القيم المغربية العريقة في النسيج الثقافي.
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News