
عقول “بلارج” التي كانت تقودنا بمنطق تعميق التخلف
- بقلم امحمد القاضي //
المألوف عادة في بعض البلدان المتقدمة حين يتقاعد سياسي سابق، او تنتهي ولاية رئيس حكومة، يصبح رجل حكمة وتجربة أو مستشار أممي يغني العالم بحنكته، وفي جل الأحيان يختلي للكتابة ليخلذ ويتقاسم تجاربه مع القراء.
إلا في بلادنا السعيدة، فإما أن يغيب المسؤول السامي وينزوي ليتمتع بما راكم من إمتيازات خلال فترة تولي المسؤولية، أو يفوز بتقاعد ريعي سمين مدى الحياة يقيه الخوف المرضي من تدني مستوى العيش ومن الفقر، أو يتسول ويتشبت بموقع في السلطة لأطول مدة ممكنة، وإما أن يخرج علينا بترهات وحكايات تبخس قيمته وتزيد من إنحطاط صورته بين الناس. وهذا هو حال صديقنا.
لا يمكننا إلا أن نشعر بالإستفزاز والإشمئزاز والخيبة والحكرة تجاه تصريحات رئيس حكومة سابق خلال زيارته لسوس مؤخرا.
موقفان أستغرب شخصيا حينا صدورهما من مسؤول حكومي سابق رفيع المستوى بدرجة المرتبة الثانية في البلاد، وألتمس له العذر حينا آخر، لأنها إشكالية بنية عقلية وحقد دفين إنفجر بعد إحتباس طويل.
الموقف الأول، حين تخاطب الناس في عقر دارهم بانهم مازالوا يعيشون كأناس أزمنة غابرة، فهذا من قلة الإحترام لفئة من المغاربة، وإزدراء بطريقة عيشهم. اللهم إن كان المراد من الخطاب أن الناس مازالت تحافظ على قيم إنسانية أصبحت مفقودة وأسلوب حياة وبساطة العيش وعزة نفس بالرغم من مكاناتهم الإجتماعية.
لا أظن، لأن للشخص سوابق في نعت السوسيين بالبخل، كقول (شحال كاع كيخسر السوسي ف النهار) وإعتبار حرف تيفيناغ ب “الشنوية”. يعني تهمة مع سبق الإصرار والترصد.
المجتمع المغربي شعب متماسك ومشبع بالوحدة والوطنية الصادقة وسط مجتمع متعدد ومتنوع. الخطابات مثل هذه لا تذكي سوى التفرقة وتعمق الخلافات ونحن ما أحوجنا لتماسك الصفوف وسط عالم منفصم.
من حقنا أن نتساءل، هل إستفاق الشخص على واقع مرير بالمغرب المنسي، تناساه وتغافل عن تنمية الهامش بجبال سوس عندما كان يمسك بزمام الأمور بالمركز؟ هذا إعتراف ضمني بفشل سياسة إجتماعية لحزب قاد البلاد لمدة عشر سنوات.
من حسنات الذاكرة الجماعية أنها لا تنسى، وسجل التاريخ عند تعديل الدستور سنة 2011 وطلب الحركة الأمازيغية والقوى الحية دسترة اللغة الأمازيغية بحرف تيفيناغ كلغة رسمية وجزء من الهوية الوطنية. فخرج الشيخ في الناس يخطب بحماية اللغة العربية لغة القرآن، كلغة وحيدة للبلد.
ويهدد ويحذر من خطر وقوع فتنة في البلاد إذا تم ترسيم اللغة الأمازيغية. وتم الأمر في سلم وسلام بإرادة عليا، وبوعي شعبي وطني بعمق وعراقة وتعدد الهوية الوطنية وتنوع الثقافة المغربية، فبلع شهريار لسانه.
الموقف الثاني، الرجل ألفنا منه قفاشات “حامضة” وخرجات غير محسوبة وتصريحات ومواقف قد تسيئ لمكانة العنصر النسوي في المجتمع وتقزم من المجهودات الجمعوية والإرادة المجتمعية لتمكين المرأة وتنمية قدراتها ومكانتها المجتمعية. الرجل مرة إعتبار النساء “ثريات” معلقة للزينة في صالات المنازل.
ومرة أوصى مريديه بالخروج للشارع إحتحاجا وتظاهرا ضد مدونة الأسرة لسنة 2004، ومازال يناهض أي تغيير محتمل في المدونة لحد الآن.
الأذهى من ذلك انه من عاصمة سوس مرة أخرى إعتبر الشيخ الفتاة لا تصلح إلا للزواج وأوصاهن بما معناه “تقرقب على الرجل اللي جا باش متبقاش بحال طائر بلارج بدون زواج ويفوتها الفوت.” يعني أن المرأة هدفها “تصيد” الرجل، وليس أن تبني شخصيتها، وتقوي قدراتها عبر التحصيل العلمي وتحضى بإستقلالية فكرية لكي تستطيع تربية مجتمع واع وقارء ومساير للتطور وقادر على مواجهة التحديات المستقبلية.
والعجيب أن مريديه من النساء صفقن للخطاب في نوع من الإعحاب الأعمى، وغياب تام للمنطق، وتبعية تبطل العقل وتوحي بتدني الوعي وتقديس للشخصية. إضافة أن الخطاب يفضح إزدواجية مواقف الشخص، علما أن أبناءه وخاصة الفتاة كرست وقتها للتمدرس ونيل الشهادات العليا ومنصب بالوظيفة العمومية.
ما يجهله صاحبنا حول طائر اللقلق الأبيض أنه يرمز للحرية ويمتاز بخصوصيات العيش في قمة الأبراج والأعمدة الكهرباء ويرى العالم حوله من الأعلى وبنظرة شاملة وأكثر إتزانا. بلارج طائر متنقل ومهاجر بطبعه، وصديق للبيئة حيث يتغدى على الحشرات الضارة للزراعة، وفي بعض الثقافات يرمز لحسن الحظ والسعد السعيد. فما علاقة الجنس اللطيف عند الشيخ ببلارج الأعالي؟
خطاب صاحبنا حول المرأة ينم عن تخلف فكري، وفقه ذكوري تقليدي متشدد أكل عنه الذهر ولم يعد يصلح لزماننا. خطاب يروج لحالات تقزم دور المرأة في المجتمع.
في الحقيقة أقل ما يمكن قوله، أن أفكار صاحبنا مقززة وتبعث عن الغثيان وتبرز عقلية بائدة مندسة في موقع القرار بيننا، وبنية فكرية متخلفة تجر للوراء أكثر ما تدفع للأمام، بل ونوايا مبيتة إحتقارية لفئة ولهوية ومناهضة للتنوع والحق في الإختلاف. يا رباه! هل هكذا هي مستوى عقلية وخلفية ونوايا من سلمناهم الوطن ووضعناهم على رأس تدبير أمورنا؟
هل سيخرج المسؤولون الحاليون مستقبلا عند تقاعدهم بمفاجآت خطابية وبخرافات أخرى؟
لك الله ياوطن ويا مواطن كتب الله عليك أن تتحمل الحماقات. فصبر جميل.

تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News