![.."بناء الإنسان: رحلة وجودية نحو تحقيق الذات والارتقاء بالمجتمع".. 1 .."بناء الإنسان: رحلة وجودية نحو تحقيق الذات والارتقاء بالمجتمع".. - AgadirToday](http://i0.wp.com/agadirtoday.com/wp-content/uploads/2024/11/agadirtoday.com-2024-11-05_12-33-56_698696.jpg?resize=600%2C400&ssl=1)
..”بناء الإنسان: رحلة وجودية نحو تحقيق الذات والارتقاء بالمجتمع”..
- بقلم حسن كرياط *//
بناء الإنسان ليس مجرد نشاط مادي أو اجتماعي، بل هو رحلة وجودية تتجاوز الفهم التقليدي للذات. الإنسان ليس مجرد مادة تتشكل وفق الظروف، بل هو جوهر يتطلب وعياً عميقاً بالأسس التي يقوم عليها كيانه. عندما يعيش الإنسان في بيئة فكرية مشوهة، يصبح أسيراً لهذا التشوه، فتصبح تصرفاته ووعيه انعكاساً لأمراض محيطه. وإذا نشأ على ثقافة سطحية أو متعصبة، فإنه يفقد القدرة على الإبداع، ويتحول إلى كيان يتغذى على التقليد والانغلاق.
المجتمع الهزيل فكرياً لا يستطيع إنتاج أجيال قادرة على مواجهة تحديات الحاضر أو إعادة تشكيل المستقبل. الانغلاق على رأي واحد والتشبث بالتصورات البسيطة ينتج إنساناً مأزوماً، عالقاً بين ضعف داخلي وواقع معقد. في المقابل، المشروع الحقيقي لبناء الإنسان ينطلق من غرس قيم عميقة تمكنه من فهم ذاته ودوره في هذا الوجود.
الإنسان لا يُبنى بالصدفة، بل وفق رؤية تربوية تعتمد على احترام الذات والآخر، والسعي نحو الجمال والمعرفة. يتطلب ذلك بيئة أسرية متوازنة ترسخ القيم الأساسية، ومدرسة تعلم التفكير النقدي والإبداع، ودولة تؤمن الحقوق الأساسية في الكرامة والعيش الكريم. حين تغيب هذه الأسس، يصبح الإنسان أشبه بتمثال أجوف، خالياً من المعنى والغاية.
في عصر تطغى فيه المادية والاستهلاك، تبدو مهمة بناء الإنسان كأنها معركة خاسرة، لكنها في جوهرها مهمة نبيلة تتطلب صبراً ورؤية بعيدة المدى. هذا البناء ليس واجباً أخلاقياً فحسب، بل ضرورة حضارية تسهم في تشكيل مستقبل المجتمعات. غرس القيم النبيلة هو السبيل لتحرير الإنسان من جهله وتمكينه من رؤية المستقبل بوضوح.
الإنسان الذي خُلق ضعيفاً يملك مفاتيح قوته في العقل والقلب. لكنه لن يتجاوز ضعفه إلا إذا أدرك حقيقة وجوده، متصالحاً مع ذاته، متحرراً من قيود الماضي وأوهام المستقبل. عندما يُعيد اكتشاف المعنى في حياته، يصبح قادراً على توجيه مسار مجتمعه نحو التقدم. أما غياب هذا التصالح، فيُسقط الإنسان في براثن الجهل والتعصب، ويغرقه في كراهية تُجرده من إنسانيته.
إن بناء الإنسان هو رحلة مستمرة تبدأ بالوعي الفردي، مروراً بالأسرة والمجتمع، ولا تنتهي إلا عندما يصبح الإنسان قادراً على تجاوز ذاته لتحقيق الخير العام. ورغم صعوبة هذه الرحلة، فإنها ضرورية لرسم أفق إنساني أرحب، يليق بتطلعاتنا نحو حياة أفضل.
*حسن كرياط باحث في الاعلام
![](/wp-content/uploads/2023/10/google-1.png)
تابعوا آخر الأخبار من أكادير اليوم على Google News