بلدتي أيت يوسف (3): إسواك أيت يوسف..

• بقلم محمد لطفي //

تقديم عام على وجه التذكير :

انه لشرف لي ان انبش في هذا الموروث لإحضار مجددا كمعطى للدراسة والتحليل طبقا لمقتضيات المنهج التحليلي اللذي تعتمدها العلوم الإنسانية وخاصة الانتربلوجية ..

ان تناول الثرات كمعطى ثقافي؛ سواءا كان ماديا (بنيان او عمران او أدوات مختلفة…..) أو كان غير مادي ( ادب شعر حكم طقوس وعادات……) يستلزم الحيطة والحدر، لان الدراسة تقتضي معايشة الظاهرة باستحضارها — رغم البعد الزمني الفاصل بينها بين لحظة الدراسة…

وساحاول فدر المستطاع الاستفادة من المنهج البنيوي بمدارسه المختلفة : لفي ستراوس (ومفهوم اللاشعور البنيوي والبنية الخفية ) وديريد(ومفهوم التفكيك :اي تفكيك وتحليل الظواهر لتيسير فهمها ودراستها) .

عرفت بلدة ايت يوسف عددا من اسواك …وكلها تؤدي من تاسوكت (الطريق الرئيسية ) إلى اكادير (نايت سعيد) -الذي اشرنا اليه سابقا- — وتناولنا دوره ووظيفته واهميته الاستراتيجية بالنسبة للبلدة ولسكانها….

وإن ما ساتناوله الان بالتحليل هو استنطاق مؤشرات ورموز ثراتية (سبقت الإشارة اليها) وهي ” اسواك”
هناك اسوك نوكادير او اسوك نايت سعيد في الجهة الشمالية الغربية للدوار.: ويمتد من مدخل “البور” –وبشكل تصاعدي– إلى أعلى اكادير… وفي داخله مجموعة مساكن متجاورة بعضها مع البعض … وكلها تنتمي لأسرة واحدة…. وتشكل حلفا واحدا وبنية واحدة : تتقاسم السراء والضراء ؛ و تتقاسم المسرات والأحزان… و بصفة عامة تتقاسم الحياة بيسرها وعسرها …

في هذا الدهليز تسكن عائلة ايت بلا جمعاء، وعائلة ايت بوراس ،وايت الهوج… وهؤلاء جميعا متجاورون ومتضامنون بحيث يجمعهم قاسم مشتركة هو اسوك نوكادير…ويتحالفون للدفاع عنه اذا اقتضى الأمر …
ونفس الشيء بالنسبة لاسوك نايت الحسن المتواجد وسط تسوكت المؤدية إلى تيزرا ..وفي داخله تسكن هذه العائلة بمختلف فروعها : أبناء حماد اعلي وأبناء برحيم اعلي وغيرهم ممن ينتمون إلى الجد الأكبر: الحسن (ربما )…لأن رواية أخرى تقول ان هذه العائلة وافدة من الصحراء (فم الحصن) قديما، واستقرت بايت يوسف.ثم تغير الاسم من “الحصن” إلى “الحسن”….؟؟

هناك أيضا اسوك نايت كرموش وهو الممتد من وسط الدوار عند مدخل دار كرموش(عائلة قديمة اندثرت) إلى اكادير في الأعلى….ثم في آلجهة القريبة منه نسبيا، يوجد اسوك نايت بوهو. (وهي عائلة قديمة أيضا، إليها تنتمي عائلة ايت بوراس وايت الهوج)…. ويلتصق هذا الدهليز او يكاد مع اسوك نايت موسى الذي تسكنه قديما عائلة ايت موسى بكل فروعها قبل أن يرحل فريق منهم إلى الجهة الأخرى في غرب الدوار ليستقروا بمحاداة “هضبة فيغيل”..

وظائف اسواك :
1) النظام البنيوي للعمران في سوس الغربي ؛المحادي للجبل : يعتمد السكان على” اسوك” لما له من وظائف نذكر منها :
2) الوظيفة الاجتماعية :ان اسوك بمتابة مجمع لأسرة واحدة بتفرعاتها المختلفة …فاسوك نايت الحسن مثلا يجمع كل فروع العائلة الأصل لما لها من قاسم مشتركة على صعيد الدم والقرابة والحنان وتعاون البعض مع البعض وهلم جرا .
3)الوظيفة الأمنية: ان اسوك باعتباره محمية خاصة للعائلة .يعتبر ملجأ أمنا لكل الأفراد ويجعلهم جميعا في مامن من كل ما من شأنه الأضرار بهم ان تفردوا في مساكن هنا وهناك…وإن صلة الدم الي تجمع الكل تلعب دورا مهما في الاستعداد للدفاع عن شرف العائلة وعن عرضها أمام كل خطر داهم .
4)الوظيفة الاقتصادية :بما ان اسوك يتكون من أسر تربطها علاقات متينة فإن هناك لكل أسرة داخله زعيما ينوب عنها في شؤونها الخاصة والعامة اتجاه الساكنة، والذي يقوم بتدبير شؤونها الاقتصادية والمعيشية. فيوزع المواد والاغدية غلى الأفراد وينطق باسمهم ..فينال بهذه الصفة التقديرية شرف و احترام كل الاعضاء داخل اسوك وياتمرون باوامره وينتهون بنواهيه….

خلاصات واستنتاجات :
*لأمازيغ سوس في الشمال الغربي المحادي للاطلس نظاما عمرانيا خاصا يعتمد على تجمعات سكنية داخل اسواك(سراديب ودهاليز)
* لهذه الدهاليز وظائف رمزية اساسية ومهمة بالنسبة للساكنة : فهي عنوان الاتحاد، والتضامن، وتقاسم المكان ، والفضاء، ، والعيش باطمئنان وسط مجتمع عائلي مريح نظرا لصة القرابة التي تجمعهم في وحدة شبيهة بخلية واحدة متماسكة.. .
ان هاجس الأمن هو الهاجس المحوري الذي فرض هذا النظام في البنية العمرانية لللساكنة..لأن اسوك له باب واحد كبير في طوله وعرضه ، يدخل منه الجميع : السكان والدواب والانعام ،ويقفل ليلا باقفال من حديد وقاية من كل شر وعدو متربص.
* هذه البنية العمرانية ( اسواك) لاتوجد فقط في بلدة ايت يوسف ،بل هي عامة بالنسبة لجل ادواوير التي أعرفها ورايتها في صغري كاسوك نزنكاض واسوك نتكاديرت بتاركة واسوك نايت ادوش بتاركة أيضا واسوك نورير بافسفاس واسوك نلعاين نكرام باشبرو ..وغيرها…فالمرحلة التاريخية فرضت هذه الوضعية مالبنيانية على الجميع نظرا لانعدام الأمن وتفشي السيبة والفوضى ..فالتها السكان إلى اعتماد نظام في البنيان يقيهم من شر الأعداء المتربصين…

…يتبع….